قد تلعب العصبيات القومية والوطنية والعرقية والطائفية دورا مهما في الحفاظ على كيان القوميات والامم والاوطان والاعراق والطوائف ؛ وتحميها من مخاطر الذوبان في الاخر او التلاشي والانقراض , ولعل مفاهيم الاقوام والاعراق والقبائل والعشائر … الخ ؛ امور اعتبارية الا انها تقوى وتصبح حقيقة واقعية من خلال تفعيلها والاهتمام بها ورعايتها … , فالنسب – مثلا – إنما فائدته هذا الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام حتى تقع المناصرة والنُعرة»، إذ النسب، من دون تفعيله، «أمر لا قيمة له»… ؛ والعصبية إنما تنمّي الحب للمنتسبين إليها ، واستعداد واحدهم للتضحية في سبيل الآخر... ؛ فالعدوان يمتنع اذا كان هناك «عصبة» ، إذ «لا بد في القتال من العصبية»، بينما «المتفردون في أنسابهم» فـ«قل أن تُصيب أحداً منهم نُعرة على صاحبه» … – كما ذهب الى ذلك ابن خلدون في مقدمته – , ولذا قالوا : انه من الصعب التغلب على قوة معزَّزة بالعصبية وجماعة يشد بعضها بعضا ، ويدافع أهل العصبية عن أنفسهم من دون أن يكلّفوا جنوداً ومرتزقة للقيام بذلك، كما يخدمون أنفسهم من دون أن يكلفوا خدماً بخدمتهم … ؛ إنهم، وإلى حد بعيد، ذوو اكتفاء ذاتي .*
لذلك يصعب الانتصار على الجماعات المتعصبة والمعتزة بقوميتها وعقيدتها وهويتها الوطنية على خلاف الجماعات المتناحرة والمتشرذمة ومنعدمة العقيدة والهوية الواضحة والتي تميزها عن الاخرين , او التي تتبع قيادات موحدة وقوية ؛ كما اسلفنا انفا .
ومن دون التعصب للأهل والقوم والجماعة والطائفة والشعب والوطن ... ؛ يسهل التفريط بهم وبه بل وخيانتهم ونهب ثرواتهم , و التبرع بأرضه والتعاون مع الاعداء ضده , ولكي نحافظ على العراق لابد لنا من المحافظة على الأغلبية الاصيلة فيه , ولا يتم ذلك الا من خلال احاطة الاغلبية بسياج واقي من هجمات الاعداء واختراقات المتربصين بها , وتحصينها من الغزو الثقافي والاخلاقي المنكوس ؛ وحمايتها من كافة الاخطار وتقوية ابناءها وتطوير كفاءاتهم ومهاراتهم المادية والمعنوية ؛ فالتعصب لها يعني التعصب للعراق , اذ لا وجود للعراق من دون وجود الاغلبية الاصيلة وتاريخها ومدنها واراضيها وامجادها ... ؛ ولكن هذا لا يعني اهمال باقي مكونات الامة العراقية . (1)
وقد يعترض البعض على التعصب باعتباره من العقد النفسية , وانا هنا لا اقصد به التعصب النفسي او المرضي ؛ بل الفكري والمبني على الحقائق والاسس العلمية والتاريخية الرصينة ؛ فالتعصب للوطن وابناء جلدتك الكرام لا يعد من العقد النفسية او المثالب الاخلاقية او الرؤى السلبية ؛ لذا جاء عن الامام علي بن الحسين ؛ لما سئل عن العصبية : (( … وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه …)) (2) فحب الوطن والمواطنين من شعب الايمان ؛ وبغضهم من وساوس الاعداء و الشيطان ...؛ وجاء في التعصب الممدوح عن الإمام علي – في خطبة القاصعة – وهو يمتدح التعصب المحمود : (( … فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور، التي تفاضلت فيها المجداء النجداء من بيوتات العرب، ويعاسيب القبائل، بالأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة , فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للحوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والإنصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض )) . (3)
وجاء عن النبي محمد : (( خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم )) (4).
كذلك وجاء عن الإمام علي : إن كنتم لا محالة متعصبين فتعصبوا لنصرة الحق وإغاثة الملهوف (5).
وجاء عنه – أيضا – : أما دين يجمعكم، ولا حمية [محمية] تشحذكم ! أوليس عجبا [عجيبا] أن معاوية يدعو الجفاة الطغام [الطغاة] فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء (6).
وقد سئل الفقيه والمفكر الاسلامي الشيخ جعفر سبحاني بهذا السؤال : هل الإسلام ضد حب الوطن ؟
فأجاب : (( ... لا شك أن الإنسان إذا نشأ في ربع من الربوع وترعرع فيه منذ نعومة أظفاره وحتى بلوغه وهرمه، يجد في نفسه حباً ورغبة ووداً حياله، فذلك أمر جبلي قد فطر عليه الإنسان ولم تكافحه الشريعة التي هي دين الفطرة بل احترمته، لذا تجد أنه يحاول بكافة السبل الحفاظ على لغته الأم وثقافته، وبذل كافة الجهود في سبيل ازدهار وطنه ورفاه قومه... ؛ فالمترقب من کل مسلم إعمار بلده واستثمار ثرواته في سبيل خدمة قومه وثقافته القومية إذا كانت متجاوبة مع القيم والمثل الإسلامية وهذا أمر مرغوب إليه من قبل الإسلام، ولكن المحظور هو جعل القومية ملاكاً للتفاخر والتفوق... )) .
ولا ريب أنّ العصبيّة الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي: التناصر للباطل، والتعاون على الظلم، والتفاخر بالقيم الجاهليّة السلبية , واما حب الاوطان وخيار القوم وكرام الجماعة ؛ يعد من مكارم الاخلاق … ؛ فالتعصّب للوطن ، والدفاع عنه، والتناصر لتحقيق المصالح الوطنية العامّة، كالدفاع عن حقوق المواطن ، وحماية الوطن من الاخطار والازمات والتحديات ، وصيانة كرامات المواطنين وأنفسهم وأموالهم … ، فهو من التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود، وتحقيق العِزة والمنعة للمواطنين .
ونظرة خاطفة لمن حولنا من القوميات والامم المجاورة والبعيدة تكشف لنا عن مدى التعصب القومي والوطني والعرقي الذي تعيشه تلك الاقوام والشعوب ؛ واما بالنسبة للشعارات الانسانية ودعوات التسامح والمساواة بين البشر ونبذ التعصب ؛ فهي للاستهلاك الاعلامي فقط , ولذر الرماد في العيون ؛ والشواهد على ذلك كثيرة , فدونك حوادث العنصرية ضد السود في امريكا , وحالات الاعتداء على العرب في تركيا , وكذلك في فرنسا ضد المهاجرين … الخ .
وفي احدى المرات كنت اسير في شوارع طهران , ورأيت مجموعة من الرجال السياح يرتدون الزي العربي التقليدي ؛ واذا بأطفال ايرانيين خرجوا من احدى المدارس الابتدائية وهم ينظرون لهؤلاء الرجال باستهزاء ويقهقهون , ويتكلمون بصوب عال : (( اعراب او عربه )) لا اتذكر طريقة نطق اللفظ بصورة دقيقة ... ؛ علما ان وسائل الاعلام الرسمية في ايران تدعو للوحدة الاسلامية , وتشجع على اللغة العربية وقراءة كتاب القران الكريم , بالإضافة الى استقبال ايران للعرب الوافدين بكل ود وترحاب , على الصعيد الرسمي الا ان الحكومة لا تستطيع كبح جماح الشعور الوطني والتعصب القومي للبعض .
واما بخصوص العراق فالأمر مختلف جدا ؛ اذ ان الاغلبية العراقية الاصيلة تكاد تنعدم لديها صفة التعصب القومي والوطني والطائفي , بالإضافة الى اتصافهم بالتسامح والكرم والطيبة والسذاجة ؛ وفي نفس الوقت وفي الجهة الاخرى من الوطن ؛ نجد ان كل الغرباء والدخلاء والاجانب من ذوي الاصول الاجنبية والعجمية والعثمانية واعراب ومستعربة – اقصد بهم ادعياء العروبة ولا اقصد المعنى الاصطلاحي للكلمة – البلدان العربية ؛ اتسموا بالتعصب القومي والطائفي والمناطقي ؛ لذلك تنتشر تلك العصبيات والعنصريات في المدن الدينية الشيعية لان بعض سكانها جذورهم عجمية واجنبية , واما تعصب ابناء الفئة الهجينة وبعض ابناء الطائفة السنية الكريمة والاكراد وغيرهم من الاقليات ؛ فهو اشهر من نار على علم … ؛ ناهيك عن العصبيات العشائرية والقبلية والحزبية والفئوية والمناطقية الضيقة ؛ ولعل هذا السبب يعد من اهم الاسباب الجوهرية في عدم انبثاق مفهوم الامة العراقية الجامعة وغياب الحس الوطني الاصيل وانعدام الهوية العراقية الاصيلة … ؛ فالشيعي العجمي يفضل مصالح العجم وكذلك السني العثماني والتركماني يفضل مصالح الاتراك واما الاكراد فحلمهم اقامة الدولة الكردية الكبرى على حساب بلاد الرافدين … الخ ؛ كل هؤلاء يفضلون مصالح قومياتهم الاصلية واوطانهم الحقيقية على العراق وابناء الامة والاغلبية العراقية الاصيلة .
ان التعصب الوطني الايجابي يعطي المواطن شعورا بالانتماء والكبرياء والرغبة في التضحية في سبيل الوطن والعمل من اجله , بالإضافة الى انه يوطد و يقوي اوصال العلاقة بين ابناء الوطن الواحد , ويوسع من دائرة الانتماء لتشمل كل ابناء الوطن وانصهارهم جميعا وعلى اختلاف اعراقهم وقومياتهم واديانهم ولغاتهم في بوتقة الهوية الوطنية الجامعة ؛ ويكافح سلبيات ابناء وجماعات وفئات الامة والوطن , ويستثمر طاقاتها وابداعاتها وتنوعاتها من اجل خدمة قضايا الوطن والامة .
فنحن هاهنا عندما ندعو الى التعصب الايجابي فأننا نقصد به المبالغة في حب الوطن والغلو المرحلي في عشق الامة العراقية والذوبان والانصهار الاني فيهما ؛ ولو من باب : (( داوها بالتي كانت هي الداء )) ؛ فالوطن الذي تفتك به الاحقاد الخارجية , وتهمين عليه السذاجة واللامبالاة الداخلية وتغييب الهوية والتشويش على الذات الوطنية وتشويه معالم التاريخ الوطني ؛ لابد له من المرور بمرحلة التعصب الوطني – ان جاز التعبير – , والاهتمام بالوطن والمواطن , وصياغة هوية وطنية حقيقية جامعة ؛ ومن ثم التحول الى الدعوات الانسانية ورفع شعارات المساواة بين السود والبيض , والافارقة والاوربيين , والمسلمين والمسحيين والهندوس واليهود … الخ .
وعليه نحن هنا لا نقصد التعصب المرضي والسلبي بكافة اشكاله وانواعه كما قلنا انفا , وانما نهدف الى اشاعة مفهوم حب الوطن والعمل الجاد على بلورة وصيرورة هوية عراقية اصيلة تجمع شتات العراقيين في كل اصقاع المعمورة ؛ وبشتى الطرق المتاحة ؛ بما فيها التعصب الفكري والعقدي المرحلي والاني للوطن ؛ ولو من باب : الغاية تبرر الوسيلة .
وعليه لو اقتضى الامر ان نجمع بين الملحدين والموحدين , والاصدقاء والاعداء , والمخطئين والمحسنين , والاشرار و الاخيار؛ من الذين يمجدون بالعراق ويرفعون من شأن الامة العراقية العظيمة ؛ نفعل ذلك وبلا حرج او غضاضة … ؛ وبناء على ما تقدم : لا تضيع ساعة من وقتك , ولا دينار من مالك , ولا تبذل جهدك ولا تضيع قوتك …؛ الا في خدمة العراق والامة العراقية واهلك وقومك حصرا , فالوطن الذي عاش فيها اجدادك واباءك وعشت انت فيه , وسوف يعيش فيها احفادك ؛ اولى بك من باقي الاوطان , وبني قومك احوج اليك من الاخرين ... ؛ وجاء عن حاكم العراق الخالد وحكيم بلاد الرافدين ورمز الاغلبية والامة العراقية , الامام علي بن ابي طالب : (( رأيك لا يتسع لكل شيء ، ففرغه للمهم من أمورك، ومالك لا يغنى الناس كلهم فأخصص به أهل الحق، وكرامتك لا تطيق بذلها في العامة، فتوخ بها أهل الفضل، وليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك، فأحسن القسمة بين عملك ودعتك )) فالإمام علي ارشدنا الى امر من الاهمية بمكان ؛ الا وهو تقديم الاهم على المهم , والأوجب على الواجب , والواجب على المستحب , والاقرب على القريب ... الخ ؛ فمن اوضح الواضحات ان جهدك ومالك و وقتك محدود , والاولى بهن الاقرب اليك من اهل الفضل والحق وابناء الوطن واخوتك واهلك وناسك ؛ لذا شاع بين الناس ترديد : (( الاقربون اولى بالمعروف )) وجاء في الروايات الاسلامية ما يشير الى ذلك : (( لا صَدَقَةَ و ذُو رَحِمٍ مُحتاجٌ )) واكدت الامثال الشعبية هذا المعنى , اذ جاء فيها : (( اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع )) فمن غير المنطقي ولا المقبول ولا المتعارف بين العقلاء ؛ ان تقدم مساعدتك للغرباء بينما اهلك يتضرعون جوعا , وتأخذ ثروات بلادك لتعمر بها البلاد الغريبة والبعيدة بينما يعم الخراب والدمار مدن وقرى بلادك , وقد ذم العقلاء امثال هؤلاء البلهاء والحمقى الذين يقدمون الاجانب على ابناء الوطن والغرباء على الاقارب والدخلاء على ابناء جلدتهم , ويخربون ديارهم ويعمرون ديار الاخرين , ويبددون اموالهم بينما يحافظون على اموال الغير ... ؛ وقد جاء في الامثال الشعبية ما يشير الى هذه المعاني : (( ... لشجرة الي ما تفيي على اهلها كصها وخلي تولي ... ؛ ... والمابي خير لأهله مابي خير للناس , ... شفجه على الغير غمه على اهلها ... ؛ عايف امه وابوه ولاحك مرة ابوه ... ؛ بخـيرهم ما خيروني .. بشـرهم عمـوا عليّ ... ؛ ... )) لذلك اوصى الامام علي مالك الاشتر عندما ولاه على مصر , بضرورة صرف خراج الوطن على ساكنيه والاهتمام بمشاكل اهل الارض ورعايتهم , و تقديمهم على غيرهم باعتبارهم هم اهل الارض والاولى بالخراج واصلاح الارض , و عدم تحويل اموالهم الى غيرهم وهم محتاجون اليها ؛ وقد نبه الى ان هذه الوصايا اذا لم تطبق وعمل الحاكم بخلافها وحرم اهل الارض وسرق ثرواتهم واساء اليهم , فأن امر الحكومة الى زوال , اذ قال : (( ... وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله , وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا ... )) .
من الطبيعي ان يحب المواطن وطنه , والابن اباه , ومن السجايا النبيلة ان يكون الشخص حاميا لجاره , ومن الغيرة والرجولة ان تكون سندا لأهلك و عونا لقومك و ذخرا لبني جلدتك , تحب من احبوا وتبغض اعداءهم ومبغضيهم , لأنك تعيش معهم في بقعة جغرافية معينة وتشاركهم نفس الهموم والآمال والتطلعات والقضايا ؛ فأن تحلى شخصك بالصفات المذكورة انفا ؛ فهذا يعني انك شخصا نبيلا ومواطنا واعيا ... ؛ , بل حتى الحيوان عندما يرى صغاره يتعرضون للخطر او فصيلته تتعرض للهجوم ؛ يدافع عنهم وعنها ... ؛ والظاهر ان بعض المنكوسين حاله اسوء من حالة الحيوانات ؛ لذلك عبر عنهم كتاب القران الكريم : (( هم كالأنعام بل اضل سبيلا )) فأمثال هؤلاء لا يستحقون حتى صفة الحيوانية ( الحيونة ) فالحيوانات اشرف منهم بكثير .
الا ان اتباع الخط المنكوس والاعداء ؛ يطلبون من العراقي ولاسيما الجنوبي والفراتي الاصيل ؛ وبعد كل امجاد الحضارات العراقية العظيمة , وما مر به اسلافنا الاوائل واجدادنا القدامى من ماسي ونكبات وازمات وفيضانات والام وعذابات ... الخ , وما كابدوه في مقارعة الغزاة والاحتلالات , و ما خاضوه من الملاحم والمعارك والثورات والانتفاضات المصيرية والتاريخية ... ؛ بأن ينسلخ عن هويته الحقيقية ويتنكر لتاريخه العريق وقضاياه وهمومه ويبغض اهله وقومه ورموزه , ويتزى بزي الاجانب والغرباء ويرفع شعارات الدخلاء ؛ بشتى الذرائع والحجج !
والعراق الان امام مفترق طرق ؛ وامامه خيارات معدودة احلاه مر , فقد تنسلخ منه الكثير من الاراضي كما حصل في السابق , مما يعرض وجوده للفناء والاضمحلال او التقزم , وان بقاء العراق وشموخه وقوته مرهونة بوحدته الجغرافية والسياسية وهذا الامر مرتبط بوحدة الامة العراقية , و وحدة الامة العراقية لا تتحقق الا بوحدة الاغلبية الاصيلة , و ليس من شك بأن وحدة الأمة العراقية من أهم عوامل استمرارية وجودها، وحيويتها، وقوتها ، وأن السعي لتحقيق هذه الوحدة ومقاومة أفعال التدمير والتجزيء والتفتيت والتشرذم التي تطال مكونات امتنا العراقية ... ؛ يجب ان تكون من أولى واجبات القيادات السياسية والفكرية الوطنية والنخب الثقافية ؛ واحرار وغيارى الاغلبية والامة العراقية الذين من المفروض بهم بث الوعي الوحدوي والعراقي الاصيل بين ابناء العراق , والتصدي لكافة الاستهدافات الخارجية والمنكوسة .
وقد استهدف اعداء الاغلبية واتباع الخط المنكوس ؛ خلال العقود الثمانية العجاف والقرون العثمانية المظلمة ؛ وحدة و وجود الاغلبية الاصيلة بمختلف أنواع التدمير، وبمختلف الأساليب، وفي أزمان متتابعة ... ؛ لان الاعداء والاجانب والغرباء والدخلاء يدركون أن قوة أمتنا العراقية في وحدتها و وحدتها لا تتحقق ما لم تتبلور وحدة الاغلبية الاصيلة ، لذلك عمل هؤلاء المنكوسون على تدمير الاغلبية و إضعافها وتدجينها واذلالها والسيطرة عليها ، وسرقة مقدراتها وخيراتها , لان نهوض الاغلبية يعني نهوض العراق ... ؛ مما اسفر عن نتائج مروعة طالت ابناء ومدن وقرى الاغلبية الاصيلة , حيث عمت مظاهر البطالة والمشاكل الاجتماعية والفقر والعوز والحرمان والتهميش والاقصاء , والمطاردة والمتابعة الحكومية والتضييق الامني , والانحرافات والسلوكيات الهابطة بين اوساط الاغلبية ؛ بالإضافة الى انتشار الجهل والغباء والسذاجة والامية والشعوذة والدجل والخرافات والخزعبلات بين اوساط العامة .
لذا لا تستغرب عزيزي القارئ الان , من سلوكيات بعض حمقى وجهلة ومرتزقة الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ الذين يهرفون بما لا يعرفون ؛ ويخبطون خبط عشواء , فهؤلاء ( الغشمة والثولان ) الحمقى تنطبق عليهم الامثال الشعبية التالية : ( يخوط بصف الاستكان ) و ( اجه يكحلها عماها ) و ( يطبل صفح ) ... الخ ؛ فأن انتقد الاكراد الانفصاليون الوضع الجديد والتجربة الديمقراطية ... , وان تهجم الطائفيون والارهابيون من ابناء الفئة الهجينة , و المغرر بهم من ابناء الطائفة السنية الكريمة على رموزنا ورجالنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ... ؛ وتنمر البعثيون والصداميون على الامنا ورقصوا على جراحنا ... ؛ فهذا أمر طبيعي جدا ؛ وجاء نتيجة لعوامل سياسية معقدة ومقدمات تاريخية منكوسة ؛ فأسفر عن هذا الحقد الدفين والعداء التاريخي العنصري والقومي والطائفي المقيت ... ؛ الا ان العجب كل العجب من حمقى وجهلة ومرتزقة الاغلبية العراقية الاصيلة , فهؤلاء مثلهم مثل اليهود في هذه الآية القرآنية الكريمة : (( ... يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ... )) فهؤلاء الحمقى المنكوسون والجهلة المأجورون يخربون العملية السياسية الديمقراطية ويرفضون مبدأ التداول السلمي للسلطة من الداخل ... ؛ وينشرون الشائعات ويصدقون بالأكاذيب والدعايات , ولا يميزون بين الزين والشين والصالح والطالح والجميل والقبيح ... ؛ ولا يقدموا الاهم على المهم والاوجب على الواجب ... ؛ ولا يعرفون بواطن الامور ولا دهاليز السياسة ولا فنون الحكم والادارة ؛ وهم كالدواب همها علفها ... ؛ لذا تراهم يصفقون مع الاعداء والاجانب والغرباء والدخلاء ضد قومهم وابناء جلدتهم ؛ فكأنهم عملاء وخدم للأعداء من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون ؛ فهم يهدمون البنيان من الداخل والاعداء من الخارج ؛ وهل يوجد احقر واجهل وافشل من الذي يساعد عدوه على نفسه وقومه ...؟! .
بل ان البعض منهم , يحن حنين العبيد الى ايام العبودية , ويشتاق اشتياق العاشق الولهان الى سنوات الجمر وحكم الحديد والنار والارض المحرقة , والحقبة الدموية والمعتقلات الرهيبة والسجون المرعبة والاعدامات والمقابر الجماعية , وايام الجوع والحرمان والبؤس والمرض والعذاب ... ؛ ولا غرو في ذلك , فالبعض لا يستطيع العيش الا في ذل وقهر وظلم وجور وعنف ودكتاتورية وتسلط واقصاء وتهميش وخوف ورعب وعذاب ... ؛ نتيجة للتربية المنكوسة والتدجين الحكومي الذي طالهم طوال عقود متمادية ... .
ومن هنا تعرف سبب خوف الطغاة واعداء الامة والاغلبية العراقية من مراسيم عاشوراء وذكرى كربلاء ؛ فهم لا يخافون من شهداء كربلاء الذين استشهدوا منذ مئات السنين , ولا من قبورهم ومراقدهم , ولا من قدور الطبخ والطعام ؛ انما يخشون من العصبية الشيعية والعراقية التي تجمع الملايين والتي من الممكن ان تستغل ضد الحكومات الظالمة و الحكام الطغاة والمحتلين الغزاة , لذا تراهم يعملون على شق الصف الشيعي والعراقي من خلال تأسيس المزيد من المرجعيات والحركات والتيارات والاحزاب والجماعات الدينية المتصارعة والمتنافرة داخل الجسد الشيعي الواحد ؛ من اجل اضعافه وتقزيمه ؛ وافراغ العصبية الشيعية الحسينية – ان صح التعبير – من محتواها الايجابي والذي من الممكن ان يتحول الى تنين كبير يلتهم رؤوس الاعداء ... ؛ وكذلك يخافون من التظاهرات الجماهيرية والاحتجاجات الشعبية العارمة ؛ لأنها توحد شرائح الاغلبية الاصيلة والتي تؤدي بدورها فيما بعد الى توحيد اطياف ومكونات الامة العراقية .
......................................................................................
- استخدامنا هنا لمصطلح التعصب لا يدل على معناها الاصطلاحي او اللغوي الدقيق , بقدر ما نحاول اضفاء شعلة من المشاعر القوية والاحاسيس الوطنية المبالغ فيها للمواطنين العراقيين في الوقت الراهن ؛ وذلك لخطورة التحديات المعاصرة و كثرة الاخطار الانية .
- 1-العصبية… أو انتصارات ابن خلدون وهزائمه / حازم صاغية / بتصرف .
- 2-الكافي: ٢ / 308 / 7 .
- 3-نهج البلاغة: الخطبة ١٩٢، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
- 4-سنن أبي داود : ٥١٢٠.
- 5-غرر الحكم: ٣٧٣٨.
- 6-نهج البلاغة: الخطبة 180.