و اندلسااااه !! رباه اسألك ان اري يوم عودتنا الي الاندلس ، قلبي يحدثني يوما سنعود ، يوما سنستعيد قصر الحمراء ، لا لننتقم و لكن لنُري العالم هذا الاسلام الذي لايعرف محاكما لتفتيش ضمائر البشر ولا اجبارا لاهل بلد علي الدخول فيه.
أبهرتني الاندلس كالمعتاد و لكن الرواية لم تفعل !
ربما لان توقعاتي كانت مرتفعة بشدة او لانها لم تكن المرة الاولي التي اتعرف فيها علي الاندلسا و ربما بسبب بعض الاشياء التي ازعجتني و انا اتنقل بين صفحاتها الخمسمائة. عموما دعوني اتحدث عما ازعجني قبل ان اذكر ما جذبني و شدني و قبل ان اشارككم ما جال بخاطري و انا اقرا بعض الاجزاء. في الحقيقة لم تبهرني لقطة البداية في الرواية ، احسستها مصطنعة و كذا كان التعريف بالشخصيات في البداية مبهما ، حتي انني اضطررت للرجوع بضع صفحات اكثر من مرة لكي اربط الشخصيات ببعضها ، كذا تضجرت من التفصيلات الجنسية التي لم أجد لها داعي او فائدة في كثير من الاحيان علي تعددها.
ما اَلمني حقا و نغص علي قراءة الرواية و كاد يبعدني عن اكمالها هي الطريقة التي تتعامل بها شخصياتها مع الله عزوجل و ذلك الشك الغريب الذي يخالطهم في قدرته و وجوده سبحانه و تعالي.
المشاهد تبدأ مع ابي جعفر عندما يدفعه احتراق الكتب –اجل و الله مجموعة من الكتب- الي انكار وجود الله عزوجل ثم يموت و هو يشك في وجود خالقه فقط لان المعجزة لم تتحقق امامه كما لو ان الرجل لم يسمع قط عن الاذي الذي تعرض له النبي (ص) لسنين دون ان تمنعه السماء عن قريش.
يستمر هذا الخط في الرواية من خلال سليمة التي لم اتفق كثيرا معها تلمست من افعالها محاولة لاظهار تباين و تنافر بين الايمان و العلم ، لا أدري ان قصدت الكاتبه من تعلمها الطب سعيها لمحاربة قضاء الله (الموت) بالعلم ، و هي الشاكة في حكمته و قدرته الناسية اللاهية عن انه سبحانه و تعالي قد امرنا بالاخذ بالاسباب بعد التوكل عليه وحده. ربما أتفهم ان الكاتبة تريد ان تنبهنا –و ان كنت اعترض عليها بشدة - بتلك الاساءات المتكررة في الادب مع الله من سليمة الي تفكيرها المشوش و ايمانها الضائع الذي اودي بها الي ما هو اشبه بالالحاد ، و لكن حقيقةً لا أدري ماذا يمكنني ان افهم من تعليق الكاتبة داخل النص الذي تضمن تلك الجملة ، "تركك وحدك تصطلي بنار لم يعد الله بها قومه الصالحين". فهل يعد الله وعودا كاذبة !؟ ،
لا أريد ان ازيد عن ذلك و لكني اختم بملاحظة و هي ان هذا الخط الذي يحمل الشك في وجود الله طوال الرواية لم يكن هناك ما يخففه او يرد علي تساؤلاته اللهم الا التساؤل الاخير الذي جاء من علي في الفصل الثالث.
لغه الروايه :
سحرتني رصانة اللغة و جزالة الالفاظ و تنوعها و ابهرني اتساع المعجم اللغوي لمفردات الرواية و للاسف اكد لي التقوقع اللغوي الذي نعيش فيه اضافة الي ضعف قدراتي اللغوية فقد مررت في الرواية بالفاظ لم افهم معناها الا من خلال سياق الكلام فقط.
التفصيل الزائد يبعث علي الملل في كثير من الاحيان و رغم اني قد أستانست ببعض التفصيلات و احسست انني اتمشي في شوارع الاندلس ، اقترب من حمام ابي منصور الذي لما ار مثيله ، أتحسس تفاصيله الزخرفية و اتنقل بين دار عين الدمع حيث الهواء العليل و دار البيازين حيث العراقة و الاصالة و الذكريات و الالام و الافراح و الاحزان الا ان المعظم كان يحشو الرواية بتفصيلات لم اجد داعي لذكرها.
تأملات في بعض المشاهد :
من بين كل الشخصيات التي مررت بها في الرواية لم أعجب في الحقيقة و لم انجذب الي اي منها كما انجذبت الي شخصية "عمر الشاطبي" سليل الاسرة الاصيلة التي لم تعرف بين الحق و الباطل طريقا ، رجل لا يشغله شئ عن تجهيز من حوله ليكون من بينهم طارق ابن زياد الجديد او موسي ابن نصير حتي و لم يأتي النصر في حياته فهو يعمل ، لا يكل و لا يمل ثقته بربه لا تنقطع و عمله الدؤوب لا ينتهي امله في الفرج دائم و محبته في قلوب العباد راسخة ثابتة. حزنت عندما مات فحقيقة لولاه لم كان للفصل الاخير اي متعة تذكر و لولا عيد الحلاق -الذي لم تشغله هموم الامة بكاملها عن ان يمتع نفسه و يجمع بين زوجتين- و شكواه لظللت مشغولا به حتي اخر الرواية.
لم تعجبني نظرة الانبهار التي ظهرت علي اهل بيت ام جعفر عندما رأوا النظارة الزجاجية فكيف ينبهر مثلهم –و هم من شيد اجدادهم حضارة ما زال الجميع يعترف بفضلها و يفسر الغازها- باختراع كهذا او غيره ولا خوف ام عبد الكريم من تطبيب سليمة لها و خوفها من السحر ، ربما كانت الكاتبة تريد ان تصور الانحدار الفكري الحادث للمجتمع و لكني لم استسغ تلك المواقف في الحقيقة. لقيد شيد اجدادهم الحمراء التي ما زال العالم يحكي عنها فرفقا بهم !
تمنيت ان اتلمس في الرواية الاندلس التي ارسل الاوربيون اليها اولادهم ليتعلموا الادب و العلم في جامعاتها ، أدري ان الزمن ليس الزمن و لكن العلم لا ينتقل فجأة و انما يحتاج الي وقت و ما كان مجئ ابي عمر الشاطبي الا سعيا اليه.
مات حسن بعد ان عاش دافنا رأسه في الرمال كالنعام ، لم يذكره احد اللهم الا بفضل اللغة العربية التي تشجع و علمها لحفيده علي ، مات كما مات غيره و هل هناك فرق بين صنوف الموت ؟! فالموت قادم لا محالة و لكن يموت الانسان و يبقي العمل فلا هو جاهد كسعد او حتي كما فعل ابنه هشام و لا تعلم و درس واجتهد كسليمة فهل اغني عنه حرصه و جبنه شيئا ! مات و لم يجد اي ممن كان يعادي الجميع ليحميهم ، رحلت بناته عنه و هجره ابنه !.
واحد من تلك المشاهد التي امتلئت بالكثير من الدروس و العبر هو مشهد ذلك العائد من الحج و هو يروي و يحكي رحلته الي بيت الله الحرام و حين يتحدث عن ظلم المماليك و الاتراك قلت حقا هانت علينا انفسنا فهنا علي اعدئنا ! ففي الوقت الذي كان الاندلس تأن و تشتكي كان العالم الاسلامي مطحونا في صراعات قوية لم ينقذه منها الا اشتداد الدولة العثمانية بعد ذلك.
تأثرت بشدة عندما رأيت واقع الاندلس يتكرر ! يتكرر في سوريا و في فلسطين و في العراق و في الشيشان و في بورما و في غيرها ، ربما استبدلنا "مصري فلاح" ب "مصري شحات" ! او ب"خليجي جاهل" اوغيرها من صور العنصرية التي ينمو و يترعرع شوكها في ارض الامة.
ثم لكأني بعلي يضحك علي سذجاته في قبره و هو يري القدس تغتصب فلا يتحرك لها احد و العراق تحتل فلا يحس بها غير أهلها ثم درة الشام دمشق يداس اهلها تحت الاقدام فلا يري اهلها -ممن وصلهم البحر بما حولهم من البلدان الاسلامية- نصرة او معونة فيبكي بحرقة و يدرك ان الامر ليس له صلة بالمسافات ، يدركه و هو يسترجع ذكري خليفة للمسلمين حرك جيوشه لصرخة امرأة في بلاد الفرنجة !
يقارن بين موقف السلطان قايتباي الذي ارسل المراسيل الي البابا والي ملوك اوروبا و منهم فيردناندو و اليزابيث يطالبهم بحسن معاملة المسلمين و الا عامل النصاري بالمثل و بين حال الحكام العرب من فلسطين و العراق و سوريا اليوم و بين فرحة المسلمين ببعض الحوداث التي تحدث في بلاد اعدائهم الان و فرحة الاندلسيين (المورسكيين) بانتصارات الانجليز و الفرنسيين!
كثيرة هي التعليقات و ربما اكتب مرة اخري اذا ما راودتني الافكار و لكن اختم بالقول اني حقا تعلمت من الأندلس ان الامة لا تملك الا لغتها و دينها، والعلم الموجود في الكتب هو ضمان حفظ الاثنين ، كما ان اللغة مفتاح فهمهم فان سقطت سقطوا.