في يوم الجمعة الخامس والعشرين, من رجب سنة 183 بعد الهجرة, خرج نعش من سجون الخليفة العباسي هارون الرشيد, ووضع على جسر الرصافة لثلاثة أيام, قد أحاطت الشرطة بجثمانه, وكشفت عن وجهه, والمنادي ينادي : هذا إمام الرافضة ! .
أنه ذلك الهاشمي العلوي, موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام, أشرف الناس حسبا ونسبا, وأعظمهم محلا وأشهرهم صيتا, لم يعرف في زمانه, من هو أكرم منه, وأورع أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم, كان يصلي نوافل الليل, فيصلها بصلاة الصبح, ثم يعقب حتى طلوع الشمس, فكان حقا صاحب السجدة الطويلة, يتفقد فقراء المدينة, فيحمل الصرار اليهم, التي كان يضرب فيها المثل, وكان أهله يقولون, عجبا لمن جاءته صرة موسى, فشكا القلة .
ولأنه أولى الناس برسول الله "ص", من جميع المسلمين, وأحقهم بخلافته, فهو أحد أسباطه ووريثه, فقد اقض هذا الأمر مضاجع الظالمين, وصار لايهدأ لهم بال, إلا وموسى بن جعفر عليهم السلام يتنقل في السجون, التي قضى فيها, خمسة عشر عاما من عمره, فقد سجنه الخليفة العباسي محمد المهدي, تم أطلق سراحه, ثم سجنه هارون الرشيد, في سجن البصرة, ثم نقله الى بغداد, في سجن الفضل بن ربيع, ثم سجن الفضل بن يحيى, ثم الى سجن السندي, حيث قيد بثلاثين رطلا من الحديد, ووضع في قبو اظلم, لايعرف فيه الليل من النهار .
لكن الظالمين لايغمض لهم جفن, وأحرارها أحياء, حتى وإن كانوا في السجون المظلمة, فعمد هارون الرشيد, الى دس السم, للإمام الكاظم ع بواسطة التمر, ووضعوا جثمانه, على جسر بغداد, في محاولة منه لإهانة الشيعة, التي كادت تثور على الأسرة العباسية, فقام سلمان عم الخليفة العباسي, بتغسيله وتكفينه, ودعوة الناس لتشييعه, فكان يوم تشييع الإمام, يوما أغر لم تشهد له بغداد مثيلا, خرجت فيه الجماهير, عن بكرة أبيها, تجوب الشوارع والطرقات, وتصرخ بلوعة وحزن .
واليوم يقف مرقد أسد بغداد شامخا, يطاول عنان السماء, يحكي قصة السجين, الذي انتصر على سجانه, ويروي ظلامة أهل البيت, من ملوك الجور والطغيان, وهاهي شيعة الكاظم ع, تسير نحو مرقده الطاهر, قوافل تلعن الظلمة, وتشيعه في مواكب مهيبة, لتقول إن للباطل صولة, وللحق دولة .