وفي لقائه الأخير - ربما - قد جاد أديبنا الهَرم بكل ما لديه ..

’’ فماذا إن أصاب سهم الهوى العقل ؟ ..

كانت تلك الطامة الكبرى في حياتي كلها ،

فالمألوف لدينا أن الفؤاد هو المُذنب الوحيد والمتهم التام في شريعة الحب ، والعقل يبقى في منأى تام عن ذلك فهو صوت الردع والمنع .. وسوط الحق الذي يجلد صاحبه إذا ما حاد عن مثواه المنشود ،

إنه الحصن الأخير والأقوى .. فإذا ما خر القلب صريعًا وأعلن استسلامه سواءً أكان بعد تمنع وإباء أو بعد رضوخ وخنوع من أول وهلة في حضرة المحبوب انتفض العقل مستصرخًا ! حذارِ حذارِ .. ورفعت حالة الاستعداد وقُرعت أجراس الحرب ،

أما في حالتي تلك فلقد أصاب الهوى عقلي كأول بقعة يدق بابها ذلك السرطان الذي لم يبقِ على الأخضر ولا اليابس من خلايا جسدي ...

اعتبرت تلك خيانة .. ولكن بعدما فات الآوان ، هل حقًا يخونني أكثر من وثقت به وعوّلت عليه مُستقري وارتقائي ؟! ..

لابد أنه قد مسَّه الجنون أو تلاعب به أحد مردة الجان .. بل أعتاهم ! ،

المؤكد أنه قد سُحر وفُتن فتاه وهام .. فكان في سُكره كالطين الرخو الذي يمكن تشكيله كيفما تشاء ..

فاعتنق ما كفر به من الأفكار ، فلا ضيرَ من أن أحب الأسود وأنا من أكثر المقاتلين ضده أبدا ، ولا بأس أن يكون أثيري .. ولا ضرار إذ يمتزج الزيت بالماء ،

وكل ما أكره وأستنكر يصبح الآن كل ما أعتنق وأمدح ، وليس هناك تناقض إذا اجتمع لدي مجمع الأضداد في كل شيء ..

والمبرر الظاهري أن التغيير هو سُنة الكون ، وما خفي كان سحرًا .. سحر الغرام وفتنته ، غشاوة على العقل تحيل من المبصر أعمىً ومن اليقظ مخمورًا .. ومن الأبيض أسود ،

كانت تلك الكاملة المُكمَلة لنساء الأرض قاطبةً .. والمنزهة عن الأخطاء فكل زلة تحُسب لها فضلاً .. فكنت أعيد تشكيل عجينتي لتتوافق معها تمامًا ،

ووسط كل هذا كان هناك صوت خفيٌ ينتفض بين الفينة والأخرى .. صوت مجهول لم يدكه السرطان بعد ، إنه صوت الحق الذي كان يحاول جاهدًا إحياء أي شيء في داخلي ،

كنت أسمع همسه دائمًا مرددًا ’’ ألا تستفيق ؟! ’’ ولكن كانت المرحلة النهائية أو كما يقولون أنك قد ذهبت إلى حيث اللا عودة .. !

بيد أنه لم يستسلم ولم يتركني فلطالما حاول إنعاشي من غيبوبتي ..

ولكن كنت قد أخبرتك أنني قد وصلت إلى المرحلة النهائية فلابد أن تُقتل الآن حتى تحيا ! ..

لابد أن تقع الكارثة التي تمزقك إربًا إربًا .. الحريق الذي يندلع ليحرق كل خلية تلو الأخرى ، والآن أنت تستيقظ وتعود إلى الحياة .. تملك الكثير من الندبات والجروح ..

تفقد الثقة في أعز ما لديك ، وتعض أصابع الندم بين كل شهيق وزفير .. قسا قلبك وانحسر عقلك في ركن مظلم خجلاً وتحسرًا .. وأما أنت فقد استحلت من طور الهيام إلى اللا شعور فلم يعد يصل لفؤادك عابر سبيل ومر فإن كل الأبواب موصدة مكبلة بأغلال الذكريات .. أنت لست الآن بهائم ولكن لست بحيّ كذلك ! ’’

#مُحمد_الرويني