يدور جدلٌ لا يكاد يخفى على أحد في مجتمعنا حول حقوق المرأة، رغم أن كثيرًا من هذه القضايا قد طرحت كثيرًا في السابق، لكن ربما أن طريقة طرحها، وهوية من طرحها أثّرت في انتشاره، وساعدت على محدودية تأثيره، مؤخرًا صُدم الكثيرون – ربما النساء أيضًا – بقوة الحملات الحقوقية وإصرار معتنقيها وقوة إيمانهم بها، أحدث هذا السيل الجارف من المطالبات والمطالبين بحقوق المرأة جدلًا واسعًا، فأصبحت قضية المرأة وحقوقها الموضوع الأكثر مناقشة على مدى شهور، وبذلك اختارت كل أيديولوجيا أن تصطف في جانب، كان الخطاب الإسلامي – في معظمه – وخاصة طبقة المثقفين المهتمين بالنشاط الفكري على الجانب المضاد للخطاب النسوي، وأعني هنا الإسلاميين السعوديين فقط، أصبحت قضية حقوق المرأة بين مطالب ومعارض هي قضية هوية إسلامية عطفًا على المنحى الذي تأخذه المجادلات.

يقدم الخطاب الإسلامي المثقف، رغم أنه لا يمكن الادعاء بأنه منظم، لكن تماهي غالبية أفراده مع ذات الخطاب يجعلني أغامر وأضعه في سلة واحدة، يقدم هذا الخطاب – بعيدًا عن صلب المشكلة – قضية المطالبات الحقوقية كخطاب نابع من فكرة المركزية الغربية، عرضًا من أعراض العولمة يريد أن ينقض على الجسد الإسلامي فيجعل منه أشقر الرأس أزرق العينين، لهذا الخطاب تأثيرٌ لا يستهان به، فقضية الهوية والزحف العولمي الذي ينهش بها لها بالغ الأثر في نفس المتلقي، ولهذا يجد كثيرٌ من الناس القضية بين إسلام وتغريب، يجدها كثيرٌ من الفريقين كذلك، فيأخذ الإيمان بالقضية البعض لرفض الإسلام بعمومه، والبعض الآخر يأخذه الإيمان بالإسلام لشرعنة الظلم والدفاع عنه.

كثيرٌ من متبني الخطاب لا يرون الأمر على هذا النحو، فيمكن أن ترى متدينًا أو متدينة يتبنون الخطاب النسوي، سواءً قبلوا المصطلح أم رفضوه، هنا يأتي السؤال الأهم، هل القضية حقًا هي قضية إسلام وتغريب؟ المثير للعجب في الأمر أن كثيرًا من متبني الخطاب المعارض للحملات الحقوقية النسوية يحمّلون من ألحدت لأنها رأت أن الإسلام يتعارض مع حقوقها كإنسانة، يحملونها مسئولية جهلها في القضية، وأنه كان لزامًا عليها أن تقرأ أكثر لتعرف، ثم يعود بعد هذه المحاجة إلى إثبات أن القضية بين هوية إسلامية وتغريبٍ يريد أن يلغي الهوية وربما الإسلام.

برأيي أن ثنائية الإسلام والحقوق التي يُقدم لها كحجة مناهضة للحقوق قد أتت أُكلها، الناس ليسوا مفكرين بطبعهم، ولا يمكن أن تتوقع من كل من يتصدى للخطاب الحقوقي وحتى الفكري لا يمكن أن تتوقع منه أن يكون مفكرًا، الناس عاشوا ويعيشون وفق الأنظمة القائمة، وفق الخطابات المطروحة سلفًا، لذلك تجد أن سير المصلحين والثائرين نادرة، عميقة التأثير ولكن نادرة الحدوث، عندما تقدّم خطابًا عن ثنائية الإسلام والحقوق – بقصدٍ أو بغير قصد – فإن هذا الخطاب لن يبقى ضيق التأثير، لن يدفع الناس إلى البحث وتكوين خطابٍ مغاير، إن الخطاب الذي يقدمه الإسلامي، كغيرة على الدين، ومصادمةٍ لمن يريد هدمه، كافٍ لدى الكثيرين ليكون حجة على أن الإسلام والحقوق لا يجتمعان، ومن المثير للسخرية والبكاء في آن أن كثيرًا من متبني هذا الخطاب يعتبرون أن دعوى معارضة الإسلام لحقوق المرأة نامٍ عن جهلٍ في قائله، وهو من يتبنى هذا الخطاب باستماتة.

ربما هذه النقطة تفسر تحميل الخطاب الإسلامي المسئولية عن ظلم المرأة، ورغم أن بعض الإسلاميين يسخر من هذا – من وجهٍ وجيه – لكنه ينسى أن الإسلاميين يتبنون خطابًا يشرعن ويبرر الظلم من منطلق إسلامي، لهذا فإن تحميل الخطاب الإسلامي المسئولية كليًا خطأ، ولكن نزعها عنه بالكلية خطأ.