تجري التغيرات الاجتماعية ببطء، لكنها تحدث في نهاية المطاف. أما القواعد الاجتماعية التي تُدعّم من سلطة الدولة، وترسخها عبر جهازها البيروقراطي، فتغييرها صعبٌ ومؤلمٌ ومكلف، ولا يحدث بلا صخب. وهنا الحديث عن القواعد التي تظلم شرائح اجتماعية واسعة، أي يُراد تغييرها لتحقيق قدرٍ أكبر من العدالة.
وكون الدولة من رسّخ تلك القواعد، وساهم في تثبيتها بالقوانين، فيجب أن تبادر هي بإزالتها، لا بهدف إحداث تغيير اجتماعي موجّه، وإنما لإتاحة المجال للمجتمع، ليتصرف من دون ضغط من جهاز الدولة البيروقراطي. بمعنى أننا نصل إلى النقطة التي نريد فيها من الدولة أن تترك للأفراد حق التصرف، باعتبارهم مواطنين متساوين، بغير انحياز لاختيارات اجتماعية أو ثقافية معينة، تراها شرائح من المجتمع مجحفةً وظالمة. وهذا لا يعني فرض قيم على الأسرة، وإنما إتاحة المجال للأفراد للتصرف وفق رؤيتهم للأسرة والمجتمع، بلا تدخل من سلطة أعلى.
في النقاشات حول "إسقاط الولاية" في السعودية، العنوان الواسع، والمربك للوهلة الأولى، لإلغاء التمييز على أساس الجندر في قوانين الدولة البيروقراطية وأجهزتها، تأتي وجهات نظر مضللة حول معنى إلغاء التمييز ضد المرأة، باعتبارها نابعةً من رؤى غربية، لا حاجة محلية.
في المقابل، وعلى الرغم من التباين الكبير في وجهات النظر بشأن قضايا المرأة، إلا أن هناك إجماعاً من الدولة، وشرائح مختلفة من المجتمع، على وجود مشكلة. حاولت الدولة معالجة بعضها، وتحاول بعض النخب، والنساء، الدفع باتجاه تحقيق مكتسباتٍ أكبر.
نجد على سبيل المثال أن دفع الدولة بمزيد من النساء إلى مجلس الشورى، وعلى الرغم من أن الخطوة نُظر إليها على نطاق واسع باعتبارها دعائية، إلا أن النتائج لم تكن كذلك. لم تحدث تغيراتٌ كبيرة في القوانين، إلا أن وجود نساء أكثر في مجلس الشورى، مع ضعفه الهيكلي، ولعبه دوراً هامشياً، جعل المطالب المتعلقة بالمرأة أكثر وضوحاً، ووُضعت قضاياها على أجندة المجلس، وتم تناولها إعلامياً، بصورة أكبر.
في سياق مختلف، ساهمت بعض الإصلاحات المتعلقة بالقضاء، بإزالة بعض المظالم التي تتعرّض لها المرأة. وإن كانت قوانين الحضانة والنفقة وما يتعلق بها تتعرّض لنقدٍ كثير، وينظر إليها باعتبارها قوانين مجحفة، مقارنة بدول خليجية أخرى، تطورت فيها هذه القوانين، وأصبحت أكثر إنصافاً للمرأة، إلا أن تطوراً قضائياً حدث في السعودية فيما يتعلق بقضايا الطلاق والخلع.
هذا التطور البطيء جيد، ويجب ألا يتم إهماله، وأن يتم تسليط الضوء عليه، لإثبات أن هناك مشكلة حقيقية، تعاني منها المرأة في السعودية، وهناك محاولات متعدّدة لعلاجها، بعضها بطيء وغير كاف، في ظل تصاعد الشعور بهذه المظالم.
من الحجج التي تقال دائماً، في سياق رفض تعديل القوانين المتعلقة بالمرأة، إن التعسف في "نظام الولاية" أمر نادر، فقلة هم من يمنعون النساء من التعلم أو العمل أو العلاج. وهذا النادر لا حكم له. لكن السؤال هنا، وهل تأتي القوانين (أو إزالتها) إلا لضبط ما هو نادر وشاذ؟
بمعنى أن مجرد وجود قوانين تميز بين المواطنين يجب أن ترفض، فكيف وهذه القوانين تستخدم تعسفياً، وتصبح أدوات ابتزازٍ لبشر؟ وهنا لا ننسى قصة المواطنة السعودية ملكة، والتي أشار إليها برنامج داود الشريان في "إم بي سي". وكيف أصبح "الحق بالسفر" أداة ابتزازٍ مارسها عليها وليّها لمنعها من حقها في ميراث والدها. وهذه واحدةٌ من قصص استدعت تدخل الدولة لمعالجتها.
ليس المطلوب من الدولة فرض رؤية محافظة أو ليبرالية على المجتمع، لكن المطلوب أن يكون تدخلها في المجتمع في حدّه الأدنى، الحد الذي يساعد الفئات المهمشة على النهوض بنفسها، ونيل حقوقها، من دون فرض نمط معين للحياة. وهذا لا يتم إلا بإلغاء القوانين التي تميز بين المواطنين.
(العربي الجديد)
https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/4/19/%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-1