أدلى نحو 50 مليون تركي, أرائهم حول التعديلات الدستورية, في انتخابات شهدت مشاركة واسعة, من قبل الأتراك بنسبة 86 %, وأسفرت النتائج النهائية, عن فوز مؤيدي التعديلات الدستورية, التي دعا لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, وحزبه العدالة والتنمية, بنسبة 51.3 % .

   وهو إستفتاء عبر عنه الرئيس التركي, بأنه ليس استفتاءا عاديا, كونه يتعلق بتغير نظام إدارة الجمهورية التركية, وهو فعلا كذلك, كونه سيلغي الكثير من مفاصل إدارة الدولة, وأهمها رئاسة الوزراء والسلطة التنفيذية, مرورا بالسلطة التشريعية, وانتهاءا بالسلطة القضائية, ليجعل من هذه التعديلات, وكأنها كتابة دستور جديد للجمهورية التركية الرابعة, التي ولدت بعد هذا الاستفتاء, فقد أسس كمال أتاتورك, الجمهورية العسكرية العلمانية الأولى, التي اكتملت عام 1924, تبعتها الجمهورية الثانية بعد انقلاب 1980, التي أسسها كنعان افرين ذات الطابع العسكري العلماني, ثم عام 1997 جاءت الجمهورية الثالثة, بعد الانقلاب الأبيض, الذي قاده حزب العدالة والتنمية, ذات الطابع الإسلامي, واستقرت منذ عام 2001 والى يومنا هذا, ويبدو أنه بعد هذه التعديلات, سيبقى حزب العدالة والتنمية ممسكا بالسلطة, لنصف قرن قادم .

     فهذه التعديلات, أعطت صلاحيات واسعة للرئيس للامساك بالسلطة, فقد ألغت منصب رئاسة الوزراء, وتحويل جميع صلاحياته لرئيس الجمهورية, وألغت المادة التي تفرض على الرئيس, قطع صلاته الحزبية, وكذلك تسمح للرئيس, بتعيين نوابه والوزراء وكبار موظفي الدولة وإقالتهم من مناصبهم, دون الرجوع الى البرلمان, وهو يملك حرية إختيار فريقه الحكومي من البرلمان او خارجه, وكذلك يتولى تحديد سياسات مجلس الأمن القومي وكيفية تطبيقها, وبعد كل هذا فإن عملية محاسبة الرئيس, لن تكون بالعمل السهل أبدا, فهي تحتاج لموافقة غالبية جميع أعضاء البرلمان, البالغ عددهم 600 عضو بحسب التعديل الجديد, ولا تتشكل لجنة للمحاسبة, إلا بموافقة ثلاث أخماس أعضاء البرلمان, ومن تفاصيلها يبدو إنها لن تحدث أبدا .

    وقراءة في نسبة التصويت لهذه التعديلات, والنسبة الضئيلة التي فازت بها, تبين لنا حجم الانقسام, في الوسط التركي إزائها, والتي لم تكن لتحدث, لو لا إمساك حزب العدالة والتنمية بالسلطة, وتسخير الرئيس التركي أردوغان كل إمكانته, من اجل حصول هذه التعديلات, وهي نتيجة هزيلة لأردوغان في ظل القمع, وحالة الطوارئ وغياب الأصوات المعارضة, كصلاح الدين ديمرتاش والكثير من الأصوات, التي زجت في السجون, والكثير من القضاة والمدعين العامين, الذين فصلوا, والتقارير الرسمية للأمم المتحدة, التي تشير الى الوضع الغير طبيعي في تركيا, وقمع الرأي الآخر .

    فتركيا لايوجد فيها قضاء, يقف بوجه الرئيس, كما هو الحال في أمريكا, خاصة وأن هذه التعديلات, منحت الرئيس صلاحيات تشريعية, حيث تم بحسب التعديلات, تخفيض أعضاء مجلس القضاء التركي, والنواب العامين الى 13 عضوا, يكون وزير العدل ومستشار الوزارة, المعينين من قبل الرئيس, أعضاء تلقائيين فيه, وكيف يكون ذلك, وتركيا تشهد تدهورا في استقلالية القضاء, وهي أيضا تقبع في المركز 151من 180 بلدا, في سلم حرية الصحافة, بحسب منظمة مراسلون بلا حدود, حيث شهدت اعتقالات, طالت الكثير من الصحفيين, بعد الانقلاب الأخير .

مما حدث, وبعد فشل تركيا بالانضمام الى الاتحاد الأوربي, وتأكد الحزب الحاكم, إن هذا الأمر أصبح من الصعوبة بمكان أن يتحقق,وتأزم الوضع الداخلي بعد الانقلاب الاخير, فقد توجه للامساك بزمام الأمور في تركيا, بزعامة رجب طيب أردوغان, والعودة بها الى الطابع العثماني, الذي يجعل من الرئيس صاحب السلطة العظمى, في إدارة البلاد, وتقرير مصير الملايين وربما جرهم الى الهاوية, مع رجل لم يعرف الاستقرار, في علاقاته الداخلية والخارجية, فهو يعاني المشاكل والأزمات مع الجميع, سواءا على الصعيد الداخلي أو الخارجي, وهو على وضعه الآن, فكيف إذا أصبح الباشا العثماني .