يأخذ قلمه العتيق ليكتب في أوراق أرهقها الحنين على أريكةٍ ممزقة في ليلة سوداء و رياح عاصفة تحرّك تلك النافذة المفتوحة و بأصوات الذئاب المزعجة يبدأ بكتابة أول حروف التفاؤل ، ( أيها البشر لقد وُعدت بأن لا أبقى وحيداً لكن أمور الدنيا أقوى من وعودنا كثيراً ، وُعدت بأن يكون هناك فرق بين فراقي و فراق غيري ، لم أفقد الأمل بعودتها و لن أفقده فقد وعدتني بالعودة و وعدها ليس كوعد أحدٍ من البشر ) ، عبارةٌ يكتبها كل يوم في أوراقٍ مختلفة على أمل أن تعود كل يوم يجدد أمله بالله ثم بها لم يقنط أو يَرهق بل لازال يحلم و يحلم لأن الله ربه ، كل صباح يحلم بأنه سيذهب للقاء بها يلبس أجمل الملابس و يستخدم أفخم العطور ! ثم يجلس في قارعة محطة القطار على أملٍ برؤيتها ، و عند حلول المساء يعود إلى منزله آسفاً من نفسه يخلع ملابسه الرسمية المعطرة و يجلس على أريكة الإنتظار ليكتب عبارته المعرّفة سابقاً ، إلى متى يا عزيزي تفعل ذلك ! هذا سؤال قلبه فيُجيبه عقله : إن ربي لا يحذل عبداً توكل عليه و علق أمله به ، إن ربي مُجيب و سيجمعني بها قريباً .. يعود له عقله قليلاً ليذكّره بحقيقةٍ مؤلمة دفنها في صندوق خشبي مليء بأوراق رُسم عليها حروف من ألم فضيع ،( لقد ماتت زوجتك منذ خمسة أعوام ) ... لا يا عقلي لا تقول ذلك فزوجتي لم تمت ما دمت حياً !
الموت ليس موت الجسد من الحياة ! فالموت هو موت الأرواح من القلوب .