الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد تلقيت خبر اعتزام السيدة نورية بن غبريت رمعون وزيرة التربية الوطنية في بعض إصلاحاتـها لقطاع التربية والتعليم باقتراح تـمديد أسابيع الدراسة وتقليص العطل المدرسية.
وإن كان التـفكير في إصلاح جذري للتعليم في الجزائر مطلبا جماهيريا وتربويا مشروعا كونه يقصد إلى تحسين المردود التعليمي والمعرفي لتلاميذنا ، لإتمام البرامج براحة معنوية وبدنية ومعرفية دون حشو بسبب ملاحقات الأوقات ، رجاء تحسين النتائج النهائية في كل سنة.
فإن مبادرة كهذه ينبغي أن تخضع في رأيي لدراسة ميدانية ونفسية وبيداغوجية ومالية وغيرها من المجالات المؤثرة في الفعل التربوي التعليمي ، متوخين المقارنة الجادة بين المنافع والمفاسد الناجمة عنها ، فما رجح منها سرنا معه إيجابا أوسلبا ، لبناء قرار فعال إثرها ، يكون له الوقع الناجح على كل الأطر ، نضمن به استقرارا طويل المدى ، نرجو به معارف رائدة ، ولأن قيادة البلاد على رأسها السيد رئيس الجمهورية ومنها السيدة وزيرة القطاع تحث دوما على تبادل المبادرات والاقتراحات للخروج بالتعليم في الجزائر من عنق الاضطراب المتواصل على كل المستويات.
وإن كنت قد كشفت عن رسالة مفتوحة إلى السيدة وزيرة التربية بخصوص مواد التعليم في فترة سابقة ، فإني اليوم أريد المساهمة بما أراه مناسبا للخروج بقرارات قيمة فيما يخص التوقيت.
لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أهمية الوقت في التعليم ، من حيث المحافظة عليه ، ومن حيث حسن استغلاله ، وإجادة التحكم فيه .
كما لا ينبغي إخفاء قيمة البرامج التعليمية واستمرارها بشكل انسيابي يضمن التحديث المتواصل للمعارف لدى التلميذ ، وكذ الأستاذ ، لإدامة الوتيرة العلمية لكليهما .
شأنـهما شأن لاعب كرة القدم الذي يكره له الانقطاع عن اللعب كي لا يشعر بربط في رجليه يشدهما عن مسايرة اللعبة.
نعلم أن إطالة العطل المدرسية يقطع ذلك الوصل ، ويحدث جفاء ولو مؤقتا بين التلميذ والأستاذ من جهة والعلم من جهة أخرى ، لذلك لابد لها من التوازن.
كما ندرك أهمية الوقت الكافي لإنـهاء البرامج بتوأدة دون خلل ولا إرهاق معنوي أومادي أوحتى تحصيلي.
فطول الأوقات يضمن التدريس والتطبيق والتقويم ، أما ما نراه اليوم فهو تدريس بدونـهما ، وهو سبب يلجىء معظم تلاميذنا إلى الدروس الخصوصية للترسيخ المعرفي بكثرة مسائل يـمرنون بـها أذهانـهم على الحفظ والفهم والتطبيق السليم.
إلا أنه لا ينبغي أن نغفل قيمة العطل المدرسية لمنح التلميذ وحتى الأستاذ فترات استرخاء ذهني واسترجاع بدني ، وخروج مؤقت من الملل الحاصل بسبب الطول والاستمرار.
فالعطل كالنوم الذي يحتاج إليه التلميذ وأستاذه للخروج من كلل التعلم والمراجعة والحفظ، والتعليم والتحضير والتصحيح ، استعدادا لنـهار جديد من النشاط والجد والكسب العلمي والمعرفي .
ولا يقصر عنا التأثير الواضح لكثرة البرامج بسبب عدم تخطيط في تعداد المواد الدراسية مع انعدام توازن في ترتيب أولوياتـها وأحجامها الساعية ، فهو من مسببات الآلام الذهنية للتلميذ والإرهاق النفسي والتخوف من الامتحانات لعددها .
ولا ينبغي السهو عن ضرورة تواصل بنائي مع التعليم الجامعي ، يمنع انقطاعا بين مختلف الأطوار ، يجنبنا تلك المهاترات المتبادلة بين الجامعي وغيره في تحميل مسؤولية المستوى تحسينا أوتدنيا ، لقد رأينا تبادلا خطيرا يحمل كل طور مسؤولية التدني التربوي والمعرفي لمن قبله.
فلا أرى الحل في جزئي بسيط فقط وهو تقليص العطل وتمديد أسابيع الدراسة ، فالإصلاح ينبغي أن يكون بالكليات ، في الإطار التنظيمي ، والقواعد التربوية المصممة لبناء صرح مكين ، يستمر آجالا بعيدة جدا.
إن الإصلاح المجدي نفعا أراه يتمخض عن جلسات صادقة مخلصة أمينة ، تضم خيرة خبراء القطاع من كل النواحي، بعيدة عن التجاذبات السياسية والإيديولوجية والموالاتية ، لا تبتـغي إلا قوة أداء ترافقه وفرة النتائج ، لا تراعي رغبات مختلف الضاغطين الراغبين في تصميم واقع طبق الأصل عما يرام من الغالب للمغلوب.
فنحن أمة مسلمة لا تعنينا اختلافات العقائد والإيديولوجيات كي تتسبب في فقدان منظومتنا التربوية توازنـها ، لذلك أرى أن تبتعد كليا عن الصراعات غير العلمية الهادفة ، فاقتصاد وأخلاق وسياسة بلدنا تنتظر أجيالا تـقودها بإحكام ، ولن يتأتى ذلك إلا من بوابة التعليم.
أما إذا أردت الحديث عن اقتراح السيدة الوزيرة ، فإن البديل عنه أراه مايلي :
1 / بناء أطوار التعليم على قاعدة عشرين سنة من العمر قبل الجامعي : ست سنوات في الابتدائي ، أربع في المتوسط ، أربع في الثانوي ، دون تقليص في العطل المدرسية ، ولا زيادة في البرامج ، ولا في أسابيع الدراسة.
إن هذا الاقتراح يوفر لنا ما يلي :
1 / التوسع في الحجم الساعي لكل مادة .
2 / توزيع البرامج على هذه السنوات بـما يضمن تدريسها بإسهاب في مفاهيمها وانبساط في تطبيقاتـها.
3 / التدرج السليم والفعال والدقيق لسير المناهج.
4 / تجنب ضيق الوقت المشتكى منه فيها.
5 / نتوخى الانتقال السلس إلى الأقسام الأعلى بسبب النضج المعرفي ، ونتـقي مشكل الإعادة بذلك ، وبالتالي التسرب المدرسي.
6 / بلوغ التلميذ في السنة الرابعة ثانوي الرشد حيث يكون عمره عشرين سنة ، يكفل له دراسة رحبة مع مواده وأساتذته ، نحصد به نتائج باهرة في امتحان شهادة البكالوريا.
وإني على يقين أن كثيرا من الإخفاقات في هذا الامتحان راجعة إلى صغر السن غير المتناسب مع طبيعة الامتحان للمرحلة وشدته وحتى عالـميته ، لذلك يكون عمر التلميذ في السنة السادسة ابتدائي إثنتي عشرة سنة مناسبا جدا طبيعة امتحان الانتـقال إلى الطور المتوسط ، فيكون في نـهايته بلغ ست عشرة سنة ، تتناسب مع امتحان الانتقال إلى الطور الثانوي الذي يكون عمره عند نـهايته عشرين عاما ، وهو سن الرشد المستقر المتبصر، المقدر للأمور بشكل منطقي ، المراعي ظروف زملائه وأساتذته وإدارة مؤسسته ، الـمتحمل كامل المسؤولية في تمدرسه ومستـقبله ، لأن الضعف الذي يعانيه المنتـقل إلى الفترة الجامعية في رأيي ررأيي غالبا سببه صغر السن غير المناسب لها ، فنتجنب معه ما نجده اليوم عند تلاميذنا في فترة المراهقة التي غالبا ما تفسر ــ خطأ ــ بالطيش ، كما أن الأستاذ حينها سيتعامل مع شاب في تفكير الرجال يستحق الاحترام، وكأننا نحول السنة الأولى جامعي إلى آخر الطور الثانوي دون إنزال برامجها إليه.
فتلميذنا لم يعد ذهنيا مثل ذلك الذي كان يتحمل تبعات كبيرة وهو صغير كمثل من جاهد المحتل في بلادنا ، ومواد التعليم لم تعد بالعموم الذي كان في سابق الزمان ، فلابد من مراعاة هذه التـغيرات ، وإلا فلا معنى للحداثة التي يتـغنى بـها البعض إن لم تعني مواكبة التغيرات النافعة والتكيف معها بما يخدم مصالحنا ؟
7 / تأخر الرغبة في مناصب العمل بسبب تـمديد الفترة الدراسية من اثنتي عشرة سنة إلى أربع عشرة سنة ، وهذا في حد ذاته شيء مربح للاقتصاد وتأجيل سوق التشغيل للشباب المتخرج.
إني أطالب السيدة الوزيرة النظر الجيد المتـفحص لهذا الاقتراح ، مع الاستعداد لمقابلة معاليها أوأي مسؤول بيداغوجي للتـفصيل في الموضوع ولن آلو جهدا في أمانة النصح وبيان ما أراه ، غير راغب في مال ولا مقابل ولا حفظ حقوق الابتكار بل هو هدية لأبناء بلدي ، راغبا بكل أخوة وإخلاص وصدق في رؤية مستـقبل مصمم مخطط ، فنفرح جميعا حين الوصول بـهم إلى المعالي ، غير مدع العصمة بل الإضافة الجديدة في حقل خصب لو أولي حق الرعاية لقطفنا منه ثمارا تزين واقعنا بألوان الاكتشاف الذي به تسمو أمتنا ونحقق سيادتنا المنشودة ، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
اقتراحات بن غبريت في ميزان النظر
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين