د. علي بانافع 

     من سنن الله الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل النقصان بعد التمام، أي: أن الشيء إذا وصل إلى قمة تمامه عاد إلى نقصانه، ثم يسير سيره نحو النقصان حتى يتلاشى وينتهي. وتجري تلك السنة على كل مفردات الكون، وأول مفرداته: الإنسان الذي يخرج إلى الحياة طفلًا ضعيفًا، ثم يبلغ أشده، ثم يعود إلى ضعفه ثم يتوفى. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى ﴾ [غافر: 67]، كذلك الأمر في الزرع ﴿ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ﴾ [الحديد: 20]. وفي الأشجار، والحيوانات، والجبال …الخ.

     وما يسري على الكائنات يسري على الأمم والحضارات فكم من أمم نهضت وازدهرت حتى بلغت أوْجَ مجدها من التقدم الحضاري، ثم أخذت في الضعف والوهن، والهرم حتى شاخت وتلاشت، وأمامنا من التاريخ الإسلامي ما حدث للمسلمين في بلاد الأندلس، فقد وصل العرب المسلمون الأندلسيون إلى قمة الحضارة التي لا تزال آثارها شاهدة على عظمتها في قرطبة وغيرها من المدن الإسبانية ثم انتهت تلك الحضارة وأهلها وأصبحت أثرا بعد عين، وما كان ذلك إلا تطبيقا للسنة الكونية النقصان بعد التمام، ولقد تنبأ الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي بقرب وقوع هذه السنة الكونية في بلاده، فقال: 

لكل شيء إذا ما تم نقصان ::                                   فلا يغر بطيب العيش إنسان                                    

هي الأمور كما شاهدتها دول ::                                 من سره زمن ساءته أزمان ‼️ 

     وسوس الحضارات الذي يسلطه الله على أهلها ليقضي عليهم وعليها، هو: الترف، أي شدة الثراء والغنى الذي يؤدي بهم إلى الفسوق والفجور وارتكاب الموبقات والفواحش وكل ما حرمه الله ونهى عنه، ويشير الله سبحانه وتعالى إلى هذا السوس المدمر المهلك للحضارات، في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء : 16] ولقد دب هذا السوس بقوة وعنف في الحضارة الأوروبية التي استباحت كل فسوق وفجور وعلى رأس ذلك الفسوق والفجور التقنين للعلاقة بين الرجل والمرأة خارج الزواج حتى لنرى أبناء تلك العلاقات يحضرون زفاف آبائهم ويتعلقون بفستان العروس التي هي أمهم.

     ثم جاءت أم الأثافي التي ستعجل بنهاية تلك الحضارة، وهو التقنين للعلاقات المثلية بين الرجل والرجل، والمرأة والمرأة، ومحاولة فرض تلك المثلية على الأمم الأخرى، وقد وضعت فرنسا مسمار نهاية النهاية في نعش الحضارة الغربية بتولية أحد الشواذ جنسيا رئيسا لوزراء فرنسا، والمسمى بـ جبراييل أتاي، وقد جاء في التعريف به - بكل فخر للفرنسيين - بأنه أصغر رئيس وزراء، وبأنه مثلي شاذ، حيث يرتبط بعقد علاقة مثلية رسمي مع شخص يدعى : استيفان سيجوري، وقد قام جبراييل بتعيين زوجة شريكه في العلاقة وزيرة في وزارته، وهكذا أصبح أهل الفسوق والفجور من المترفين يحكمون من كانت يومًا عاصمة للنور والحضارة، وإحدى الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن، والدولة المهمة في حلف الناتو والاتحاد الأوربي، وكثيرًا من المؤسسات الدولية، فهي تعد من أهم الدول التي تقود أوروبا والعالم، وسوف تنتقل عدوى الحكام المثليين من فرنسا إلى كل الدول الغربية، انتظارا لأمر الله فيهم وفي حضارتهم ﴿ فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء : 16] ولا حول ولا قوة إلا بالله.