كلنا يذكر لما تكلمنا عن نبي الله سليمان عليه السلام ان الله توفاه وهو في بيت المقدس وكذلك تكلمنا عن نبي الله العزير وعرفنا قدرته في أحياء الموتى وأحياء الأرض بعد موتها ، الله عز وجل ما ترك قرية وإلا أرسل لها رسول والله عز وجل يقول عن الأمم وعن القرى " وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ " بل يقال بني أسرائيل أرسل الله فيهم ألوف الأنبياء والرسل لأن الله عز وجل كما قال عن نفسه وأرسلنا رسلنا تترا حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل .
في هذه القصة سنتكلم عن الحقبة الأخيرة من بني إسرائيل في زمن نبي الله زكريا عليه السلام ، زكريا آبتلاه الله عز وجل بأن لم يرزقه الولد كبر بالسن وشاب شعره ومع ذلك لم يرزقه الله الولد ، زوجته كانت عاقر عقيم وسوف نرى في قصة العزراء مريم أن زكريا عليه السلام كان يتكفل بها كان يأتيها بالطعام في بيت المقدس لكن الغريب أن كل ما يأتي زكريا عليه السلام بالطعام لمريم في بيت المقدس يجد عندها طعاما ورزقا طعام الصيف بالشتاء وطعام والشتاء بالصيف من حسن عبادتها والكرامات التي يجعلها الله عز وجل لها أشتهى زكريا عليه السلام الولد " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " فدعى زكريا ربه أخذ يدعو الله عز وجل أن يرزقه الولد ويعلم زكريا عليه السلام أن الله عز وجل لا يعجزه شئ مع أنه كبير في السن وزوجته عاقر لا تلد والله أخبر عن نفسه يهب من يشاء إناثا ويهب من يشاء الذكور فأخذ يدعو الله ويدعو " إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا. قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا " ما دعوتك يا ربي إلا وأستجبت لي فهذا الدعاء أطلبه منك يا رب أن ترزفني ولد " يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا " يا رب أريد ولدا صالحا يرثني بالنبوة والدعوة إليك .
في يوم من الأيام وزكريا يدعو الله عز وجل جاءت الملائكة تقول يا زكريا إن الله عز وجل يبشرك فسأل بأي شئ يبشرني قال يبشرك بولد أسمه يحيى " لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا " الله أكبر أنا يرزقني الله الولد وأمرأتي عاقر وأنا بلغت الكبر فقالت الملائكة " قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا " ففرح زكريا عليه السلام فرحا شديدا لأنه لم يبشر بهذا الولد إلا بعد أن بلغ من الكبر عتيا وأمرأته عاقر وكذلك هذا الولد سيكون نبي من الأنبياء ، فدعى زكريا ربه قال ربي أجعل لي أية وعلامة تدلني على قرب وصول هذا الولد وهذا النبي قال الله عز وجل لزكريا أيتك وعلامتك على وصول هذا الولد أنك لا تتكلم ثلاث ليالي لا تستطيع أن تتكلم " قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا " ومرت الأيام وفعلا فإذا بزكريا عليه السلام لا يستطيع أن ينطق " فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا " لأن عادته كانت العبادة والجلوس في المحراب يعبد الله او يدعو الناس لعبادته ، الأن جاءت اللحظة الموعودة زكريا عليه السلام لا ينطق وفعلا رزقه الله عز وجل بالولد ضغيرا صبي جميلا سيكون سيد للناس ومن الصالحين هو يحيى عليه السلام أبن خالة عيسى عليه السلام خالته مريم العزراء سيدة نساء العالمين .
نشأ يحيى عليه السلام في بيت النبوة في بيت أبيه وهو نبي بن نبي ، نشأ نشأة صالحة وكان يتربى على الإيمان والطاعة ومن هو صغير أتاه الله الحكمة والعقل ، في يوم من الأيام كان الأطفال يلعبون وهو صبي صغير والأطفال يلعبون فنادوه قالوا له تعال نلعب فألتفت إليهم وقال ما للعب خلقنا " وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا " كان كثيرا يخرج للغابات ويتجول بين الأشجار ويأكل من ورقها ويشرب من الأنهار وكان يجلس يبكي ، في يوم من الأيام فقده أبوه وأمه وبحثوا عليه ثلاثة أيام لم يجدوه حتى وجدوه بعد ثلاثة أيام قد حفر حفرة فجلس فسها فقالوا له يا نبي الله ما الذي تفعله ؟ قال يا أبي ألم تخبرني أن بين الجنة والنار مسافة لا يقطعها إلا البكاءون قال نعم ، فقال له إني أبكي لأجل أن اقطع هذه المغازة " مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا " بل كان يحيى عليه السلام من أشد الناس زهدا كان يأكل من ورق الشجر كان يشرب من ماء النهر كان يجلس أيام طاوية لا يأكل كان يجلس مع قومه يذكرهم بالله عز وجل ، كان من أشد الناس برا بوالدته وأبيه " يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا " كان لا يرد لهم امرا كان حليما كان تقيا وخاشعا تربى على الإيمان والتقوى ولذلك قال الله عز وجل " والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " كان زاهدا ولا يلبس من الملابس إلا ما زهد الناس فيها وكان يجلس مع الفقراء والمساكين كان كما وصف الله عباده " وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى " يحيى عليه السلام ما أراد شئ من الدنيا كان يجلس بين الأشجار ويأكل أوراقها ويسبح الله عز وجل ويصلي ويتعبد ويجلس ويتفكر في خلق الله عز وجل فيبكي من خشية الله عز وجل " وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " .
يحيى عليه السلام عاش مع أبيه زكريا عليه السلام على الدعوة الى الله والإيمان والعبادة ، لكن بني إسرائيل الذين قتلوا الكثير من الأنبياء لم يتركوا زكريا وشأنه ، علم الشيخ الكبير زكريا عليه السلام أن بني إسرائيل ينون قتله وذبحه فخرج من بيته ودخل الغابة وأخذ يركض بين الأشجار وبنو إسرئيل وراءه يحملون منشارا فرأى زكريا عليه السلام شجرة في الغابة قد فتحت له أذن الله ان تفتح له هذه الشجرة فدخل فيها زكريا عليه السلام ، فلما أغلقت الشجرة كان إبليس حاضرا أخذ جزا من ثوب زكريا وأخرجه وأطبقت الشجرة ودل إبليس بني إسرائيل على مكان زكريا عليه السلام وجاءوا حول الشجرة وبدأوا ينشرونها وفيها نبي الله زكريا عندما وصل المنشار زكريا أن من الألم فقال الله عز وجل لإن لم يسكت أنينك لأقلبن الأرض بمن فيها فسكت زكريا رحمة بأمته حتى لا يهلكهم الله عز وجل فنشر نصفين إثنين " أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ " نشروا زكريا عليه السلام وبقي إبنه يحيى عليه السلام ذلك الشاب الذي يدعو الى المعروف وينهى عن المنكر وكان هناك ملك من الملوك يعرف أن يحيى نبي من الأنبياء ، أحب هذا الملك إمرأة من أرحامه وأراد الزواج منها وكان في شرعهم لا يحل له أن يتزوج منها وقبل أن يتزوجها وكانت الفتاة تتقرب الى هذا الملك تريد ان تتزوجه لدنيا تصيبها وكانت أمها ترسلها كل يوم إلى الملك للتزين له فقال الملك أتزوجك بشرط ، فقالت ما هو الشرط ؟ قال أن أسأل نبي الله يحيى فإن أذن تزوجتك ، فجاء ليحيى عليه السلام قال أيجوز لي أن أتزوح من هذه المرأة وكان متعلقا بربه قال والله لا يجوز لك أن تتزوج بها ، فجاءت المرأة تسأل الملك متى الزواج فقال لها إن كنت قد قبل بالشرط فإني قد سألت نبي الله وقد نهاني عن الزواج منكي فحزنت المرأة وتضايقت وجاءت لأمها وقالت لها تزيني وتجملي للملك وأفتنيه ، فجاءت في كامل زينتها ، إن كيدهن عظيم فلما أراد الملك أن يمسها قالت لا لن تمسني أبدا إلا بشرط واحد ، فقال ما هذا الشرط ؟ قالت له أن تذهب وتذبح يحيى وتأتيني برأسه فقال الأمر سهل نبي الله لكن الأمر عنده سهل فأرسل جنوده ليأتوه برأس يحيى ذلك البكاء ذلك العابد ذلك النبي والرجل الحكيم ، فدخلوا عليه وهو يصلي في المحراب فقطعوا رأسه والدم يسيل وأسرعوا بالرأس الى ذلك الملك الجبار والمرأة وأمها بجنبها ، فلما أحضروا رأس يحيى عليه السلام الى ذلك الملك فرحت الفتاة وأستبشرت وقالت الأن أتزوح بك ، فأذن الله عز وجل أن تهتز الأرض ويخسف بهذه الفتاة فأخذت الأرض تبلعها والأم تصيح " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ " خسفت الفتاة والأم تنظر اليها والأرض تبلعها ، وقتل زكريا وذبح يحيى هكذا بنو إسرائيل وطويت صفحة من صفحات الأنبياء .