انتهينا عند معركة وقعت عند بني اسرائيل وبالتحديد في فلسطين ، تلك المعركة التي وقعت في عهد طالوت وجالوت ، لما تقاتل الجيشان وانسحب كثير من جيش اهل الايمان ولم يبقى إلا القليل ، في هذه المجموعة القليلة كان هناك شاب شجاع قويا بارز جالوت قائد الكفار وكان جالوت رجلا قويا شجاعا بطلا محصنا مدرعا الكل يهابه ويخاف منه ، بارز جالوت وقتله وكبر اهل الايمان وانتصر اهل الايمان " فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ " كل بني اسرائيل احبوا هذا الشاب الذي صار ملك عليهم ، والغريب ان بني اسرائيل كانت زرية الملوك معروفة وزرية الانبياء معروفة ما كان يجتمع هذا مع هذا إلا في داؤود عليه السلام ، فصار ملكا نبيا ، كان قصير القامة ازرق العينين قليب الشعر حسن الخلق طاهر الصدر والقلب كان كثير العبادة كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، قال احب القيام الى الله قيام داؤود كان ينام نصف الليل ويقوم سدسه وينام سدسه " كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " نومهم قليل ، تخيل داؤود عليه السلام كل يوم يقوم أنزل الله عليه الزبور وكان يقرأه بصوت حسن كان يرتل الزبور ويترنم بها اكثر من سبعين صوتا كل صوت احلى من الاخر وتخيلوا كان داؤود يخرج من بيته كل صباح وكل عشي يترنم بالزبور ، ليس هذا فقط بل كانت الطيور تردد معه وكانت الجبال تردد معه الزبور " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ " رددي معه .
كان في العبادة القمة كان يقرأ كان يزكر الله كان يبكي من خشيته كان طاهر القلب كان كثير العبادة ، ليس هذا فقط بل من كثرة تسبيحه اسمعه الله عز وجل تسبيح الجبال " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ " قفد كان يسمع الجبال والحصى والطيور تسبح لله عز وجل ، وكان ايضا يصوم كثيرا يصوم يوما ويفطر يوما كان صواما قواما كثير العبادة . في الليل قوام وفي النهار صوام ويزكر الله كثيرا وفي الجهاد يقاتل في سبيل الله " وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " كل بني اسرائيل رضوا بداؤود عليه السلام نبيا وحاكما عدلا قويا انه داؤود عليه السلام . مع هذا كله إلا انه كان رجلا قويا يأكل من كسب يده " وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ " داؤود صاحب القوة ألان الله عز وجل له الحديد كان داؤود بيده يزيب الحديد لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة معجزة اعطاه الله عز وجل اياها "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ" وماذا كان يعمل داؤود عليه السلام بالحديد ؟ كان يلين الحديد ويجعل منه دروعا وهو اول من صنع الدروع كما قال الله عز وجل " وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ " اي لتستفيدوا منها في الحروب ، فكان يعمل كل يوم بيده ، فإذا صنع درعا باعه للناس بيعا وأشترى طعاما ليأكله ، لم يقل انا حاكم لم يقل انا ملك لم يقل انا نبي ارفع يدي الى السماء فيأتيني الطعام والشراب ابدا ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يديه " اذا عمل عملا وكسب مالا واشترى طعاما هذا اطيب الطعام وداؤود عليه السلام كان يعمل من كسب يده . فقال الله عز وجل يعلم داؤود عليه السلام اذا عملت فأتقن الصنع ولا تعمل اي شئ يستفيد منه الناس الا وأنت متقنه ، بل اذا عملت مسمارا تريد ان تضعه في مكان فقدر هذا المسمار " أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " قدر المسمار الذي تضعه فلا يكون كبيرا ولا صغيرا ، ان الله يحب ان يعمل احدكم عملا فاليتقنه .
أعطى الله عز وجل داؤود عليه السلام ملكا عظيما وحكما سديدا وكان يجلس للناس يتحاكمون اليه اذا اختلفوا ويحكم فيهم بحكم الله عز وجل لأنه يعلم ان الانسان اذا حكم لابد ان يحكم بالعدل "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " . في مرة من المرات دخل عليه رجلان ، رجل يدعي على صاحبه انه سلبه بقرته حاول داؤود عليه السلام ان يعلم الظالم من المظلوم والناس مجتمعون يريدون ان يسمعوا حكمه ، فلم يعرف داؤود فأجل الحكم بالقضية انتظر الى الليل ويدعو الله عز وجل ، فدعى الله فأوحى الله عز وجل اليه ان اقتل الرجل المدعي ، سبحان الله القضية بقرة سلبت وإن كان كاذبا فلم اقتله ، فأصبح الصباح والناس اجتمعوا يريدون ان يسمعوا حكم داؤود ، فقال يا فلان للمدعي الذي بقرته سلبت منه يا رجل ان الله عز وجل اوحى الي ان اقتلك ماذا صنعت انت ؟ هل هذه البقرة بقرتك هل انت صادق في هذا الإدعاء ، فقال الرجل والله البقرة لي وقد سلبتها وتعجب الناس كيف يحكم داؤود بالقتل وهو صادق في قوله ، فقال الرجل بعد ما الح عليه داؤود وعلم ان الله عز وجل فاضحه فقال لقد قتلت ابا الرجل قبل زمن ولم يدرى احد ، فكبر الناس وعلموا ان داؤود عليه السلام لا يحكم الا بحكم الله عز وجل فقتل الرجل " وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " كان داؤود عليه السلام من احكم الناس في زمنه احبه كل بني اسرائيل ما اختلف اثنان الا وحكم فيهما داؤود عليه السلام .
في يوم من الايام كان داؤود جالسا فتسور عليه السور رجلان ففزع داؤود عليه السلام منه " وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ " ما دخلوا عليه من الباب بل تسوروا الجدار وقال لهم ما الذي ادخلكما ؟ فقالوا لا تخف جئنا نتخاصم اليك واحكم بيننا بحكم الله عز وجل فقال لهم ما الذي حدث ؟ فتكلم الاول وهو يبكي عند داؤود عليه السلام قال هذا صاحبي عنده تسعة وتسعون نعجة ولم يكتفي بهم وانا لا املك الا نعجة واحدة وغصبني هذه النعجة وعزني في الخطاب ، انظروا الى الاسلوب الذي جاء به الاول ليتصور الى داؤود انه مظلوم ، داؤود يسمع الى هذا الرجل والثاني لا يتكلم " إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ " فإذا بداؤود عليه السلام لأول مرة يحكم مستعجلا مهما كمل الإنسان لابد من خطأ فكل بن أدم خطاء وهذا خطأ داؤود عليه السلام لم يسمع الى الثاني ربما يكون الحق معه ، قال داؤود عليه السلام " قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" كثير من الناس يظلم بعضهم بعضا ، داؤود عليه السلام حكم بغير ان يستمع من الرجل الثاني فأخبره الله عز وجل ان هذا اختبار لقد استعجلت الحكم يا داؤود حتى لا يقول الناس ان هناك انسان معصوم " وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" فجلس داؤود يبكي ويصلي طوال عمره على هذا الذنب فغفر الله عز وجل ذلك وجعل له حسن المآب " فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ " وظل داؤود طوال عمره عابدا ذاكرا محبا لربه عز وجل احبه بني اسرائيل لانه كان عادلا حكيما .
نذكر في قصة آدم عليه السلام لما مسح الله على ظهره ونزلت كل الذرية رأى فيها شخصا يزهر ويضئ وكان هذا داؤود وسأل أدم ربه ما عمره ؟ قال ستون عاما فقال أدم زد في عمر فقال الله عز وجل لن ازيده الا من عمرك يا آدم فقال خذ من عمري اربعين عاما له فأتم الله عز وجل لأدم الفا وأتم لداؤود مئة عام .
في يوم من الايام وكان خارج البيت وجدت امرأته رجلا غريبا في البيت فصاحت من انت من الذي ادخلك ؟ فجاء الخبر لداؤود عليه السلام فذهب الى البيت وغضب لما رأى رجلا غريبا في بيته ، فقال الرجل بكل ثقة انا الذي لا امنع من الحجاب ولا اخاف الملوك فقال داؤود وقد كان فطنا إذا انت ملك الموت قال نعم انا ملك الموت فقال داؤود عليه السلام مرحبا بالموت فقبض داؤود وعمره مئة عام " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي " كم حزن بنو اسرائيل على داؤود عليه السلام فقد احبوه حبا عظيما ، اما جنازته فقد كانت جنازة عظيمة حضرها عشرات الالاف من الناس ومن الذين حضروا جنازته اربعون الف راهب يسيرون في جنازة داؤود عليه السلام . في تلك الجنازة اصاب الناس حرا عظيما فذهبوا الى سليمان وقالوا له قد اهلكنا الحر في جنازة ابيك فأرسل علينا طيرا تظللنا وكان سليمان يكلم الطير فنادى سليمان عليه السلام بالطير فأتى وظلل الناس وتشابكت وصار منظرا عظيما حتى اختنق الناس لم يأتي هواء ولا ريح فخافوا الهلاك ، فذهبوا الى سليمان وقالوا له ءأمر الطير فاليفرج عنا شيئا فأمرها ففرجت وحجزت الشمس عن الناس في جنازة داؤود عليه السلام وطويت صفحة من صفحات الانبياء .