صاحبنا المجاهد المتقاعد يمتلك سيلا من الذكريات , اذ تتراءى امامه الاحداث والوقائع والشخصيات والاعوام والسنين ؛ كأنها شريط سينمائي مليء بالدراما الحزينة والاكشن واحيانا الكوميديا الساخرة ... ؛ وسيسرد علينا ذكرياته على شكل حلقات , واليكم هذه الحلقة الاولى : 

عندما كنا في عنفوان الشباب وريعان  الفتوة  وهيجان العواطف الدينية والمذهبية والجهادية والثورية ؛ نقرأ الكتب الدينية بنهم شديد وإقبال منقطع النظير ؛ ففي إحد الإيام قرأت كتابين كبيرين بنفس اليوم , ومن ثم نتحاور فيما بيننا , وعندما تقدح في أذهاننا فكرة ما أو نطرح سؤالًا هامًّا حول الواقع الديني والعراقي ؛ نهرول إلى عليِّة القوم من المجاهدين والدعاة الذين سبقونا إلى المهجر ؛ علَّهم يجيبون عن أسئلتنا ويثرون أفكارنا ويطورون قابلياتنا ... ؛ وإذا بنا نصدم بهم ؛ فقد كانوا يتجاهلون الأسئلة ويتحاشون الاجابة عن الاشكالات , ويستخفون بأفكارنا ويستهزئون بها , بحيث يزرعون الشكَّ والضعف في نفوسنا وعدم الثقة بقدراتنا الذاتية ,  ويتعاملون معنا بفوقية  وحقارة ... لاسيما العجم منهم والمستعجمين - مما لا شك فيه اني اقصد البعض منهم -  من ابناء المدن المقدسة  والعوائل  الدينية ومن لف لفهم ؛ ولا زلت أذكر إننا في منتصف عقد التسعينيات من القرن المنصرم , وقبل حادثة اغتيال المجرم عدي , قامت مجاميع من شباب حزب الدعوة بالدخول الى العراق , لإغتيال مجرمي عتاة البعث , وتكللت تلك العمليات بالنجاح , وعلى اثر تلك العمليات الجهادية , تملكنا الحماس والاندفاع , واتخذنا قرارًا باغتيال المجرم عدي او المجرم قصي ؛ وشددنا الرّحالَ نحو طهران , للالتقاء بالقيادي (ي* أ ) وكنا نأخذ له الحليب الطازج بين فترة واخرى , وكنت أجلبه من بيت ابن عمي المتزوج من اختي – ابو حمزة -  في الاحواز , وكانوا يربون البقر والجاموس , وصاحبنا القيادي كان يعشق كل شيء يأتيه مجانا حتى لو كان ترابا , وعندما جلسنا معه ؛ انا وابو حمزة وابو جعفر من أهالي  الثورة - بغداد - ؛ وطرحنا عليه فكرة اغتيال الأخوين المجرمين عدي وقصي ... ؛ فأجابنا: إن عملية اغتيال قصي صعبة و( انتم ما تكدرون تصيدوه ) , و لا تستطيعون اغتياله , واما اغتيال عدي فممكن ... ؛ ثم اردف قائلا : ( زين اذا انتم عازمون على اغتيال قصي ؛ ماذا تريدون مني ؟ ) ... ؛ فقلنا له : ( لا نريد شيء سوى مبلغ من المال نستطيع من خلاله شراء سيارة ودفع ايجار البيت  لمدة ستة أشهر  والذي سوف نسكن فيه في العراق ومسدس ورشاشة ) وبدأ يشكك فينا , وكأنه لا يعرفنا , ثم قال : (( آني هسه هم اكيف اغتال عدي لو قصي وهذا فد شيء عندي  )) وبدأ يطبَّق علينا جميع نظريات علم النفس الذي قرأها، ثم اكثر علينا بالأسئلة والاستفسارات وقد اجبنا عليها كلها , ثم قاطعنا قائلًا: ( اذا انتوا هيج سباع , سلبوا سيارة ونفذوا بها العملية )) ونحن اندهشنا عندما سمعناه , فهو يريد منا ان نسرق سيارة ؛ كي ننفذ فيها عملية جهادية مقدسة ...!!

اذ قال : ( انا لا استطيع ان ادفع لكم اي شيء , ونحن لا نتملك لا مال ولا سلاح ولا اي شيء ... ) , وأخذ الكلام منحنى آخر وتحدث فيه عن عزة الدوري باستهزاء ؛   فقلت له : ( هذا الما يعجبك أعتبره انا أخطر إنسان في حزب البعث، وهو الوحيد الذي رافق صدام منذ بداية مشواره السياسي  والى هذه اللحظة ... )   .

وقلت له : ( اعرف شخص لديه معمل وهو منتمي لاحد الاحزاب العلمانية , يتبرع للحزب من ماله الخاص ... ؛ بينما يوجد لدينا الكثير من الدعاة الاثرياء والمسؤولين الاغنياء الا انهم وللأسف ابخل من بخلاء الجاحظ ... ؛ واكملت قائلا :  لماذا نحن مبعثرون متفرقون , غير متكاتفين وكل جهة تحمل الجهة الاخرى المسؤولية , واعداءنا متحدون , ولا نتقن سوى الكلام والثرثرة والتنظير الفارغ ... ؟! ) .

وعندها ضاق ذرعنا بنا , وقال لنا : (   هذا الموجود يعجبك يعجبك ما يعجبك انت بكيفك بعد ) وخرجنا منه بخفي حنين ... ؛ وقد افترشنا الارض فيما بعد , لبيع الكتب , وعلى الرغم من كل هذه الصعاب كنت من الدعاة الحركيين والذين يبذلون قصارى جهدهم لخدمة القضية ؛ وكان النجيفون والكربلائيون والكواظمة والكراديون ؛ يضحكون عليَّ وعلى أمثالي , لانهم يعدونا من البسطاء والسذج ( ومال كراب , ومصدكين بالقضية ، ولا نصلح لشيء سوى القتال في الأهوار أو في الجزيرة  ؛ وفي حال  استشهادنا او وفاتنا , يقيمون العزاء علينا ولمدة ساعتين لا غير ) . 

ودارت الأيام وبعد اللتيا والّتي ؛ ادخلوني ضمن لجنة الطلبة  المسؤولين عن ملف الطلبة , ويشمل طلبة الدراسات الاكاديمية والحوزوية , وعندها شعرت بقيمة جهودي الدعوية وتاريخي الجهادي , اذ اتاح لي هذا العمل التنظيمي الجديد ؛ التواصل مع مختلف شرائح الطلبة والتعرف عليهم عن كثب , ولم تمض إلا فترة زمنية وجيزة حتى تم اعفائي من المسؤولية , على الرغم من إخلاصي في العمل ؛ وذلك بسبب مجيء شخص من اهالي كربلاء , يدعى ب (ع) الكربلائي , وقد إدعى انه طبيب ومعارض وجاء من العراق بسبب مطاردة النظام البعثي له , وعندها , كلمني المسؤولون الدعاة عن ضرورة التنحي وإفساح المجال للدكتور (ع) الكربلائي , ليأخذ موقعي , لأنه من النخبة والحزب يحتاج النخب لاسيما الأطباء , وقد استجبت للأمر عن طيب خاطر ولم اعترض وقتذاك , لان الأمر فيه مصلحة للحزب والاسلام والمذهب ... ؛ و قد تدرج في المسؤوليات الحزبية , وانتقل من موقع إلى أعلى منه ؛  بسرعة الضوء وهكذا ... ؛ و لقبه قد  شفع له وقربه من المسؤولين ... ؛  ومضت الأيام وانطوت الأعوام وسقط النظام  وعدنا إلى العراق ؛ وإذا بصاحبنا (ع) الكربلائي غير لقبه المناطقي واستبدله باللقب العشائري , وتبين ان اخاه ارتكب جريمة قتل  في عهد النظام البائد , وهرب هو وعائلته الى ايران ,  وادعى كذبًا معارضة النظام , بالإضافة إلى أنَّه كان طالبًا في المرحلة الرابعة ولم يكمل دراسته ولم يحصل على شهادة البكلوريس في الطب ... ؛ ومع كل هذا السجل الحافل بالادعاءات والاكاذيب ؛ تقلد المناصب العليا في الحكومة الجديدة  ... , وقد حز في نفسي كثيرا ما سمعته عنه من انحراف عن جادة الصواب وارتكاب الموبقات التي انزه لساني واسماعكم عن ذكرها , والتي قد مارسها مع البعض ؛ و وصل خبر انحرافه وسلوكه المشين الى القيادة الحزبية الا انها لم تحرك ساكنا ... .

في الوقت الذي يحتفي فيه الحزب بأمثال هذه الشخصية , يدير ظهره لأمثالي ؛ علما ان عائلتي قد رفعت راية المعارضة وهي في العراق , مما دفع اجهزة النظام القمعية لقتل اخوتي ومصادرة بيتنا , واموالنا المنقولة وغير المنقولة ... , وللحديث بقية .