من المعروف عند العقلاء أن الحكم على شيء يقوم على فهمه على حقيقته أولًا، فالفهم الصحيح والكافي للشيء هو ما يؤدي إلى انتاج الحكم الصحيح عن هذا الشيء!.. إذن لابد من فهم ما هي ((الليبرالية)) بشكل صحيح ودقيق قبل اصدار الحكم عليها، هل هي تتعارض أم تتوافق مع قيم وتعاليم الاسلام أم لا؟؟

ما هي الليبرالية؟؟
الجواب أن لليبرالية ثلاث مفاهم أساسية:

(1) الليبرالية كمنهجية للتفكير والتعامل!
وعرّبها البعض للعربية إلى ((التحررية)) وهي  تعني التحرر من التقليد واجترار الافكار والتقاليد الموروثة السائدة والمعتادة التي تسيطر على العقول والاوضاع بحكم العادة، فالليبرالية بهذا المعنى عكس ((المحافظة والجمود والتقليد))، فالليبرالي التحرري عكس السلفي المحافظ - السلفية بالمفهوم العام أي تقليد واتباع السلف في كل شيء، فمن يقلد ويتبع نظريات العلماء القدماء في الفيزياء مثلًا دون مراجعة ويتعصب لها ويرفض أي نقد لها بدعوى أنهم هم أباء الفيزياء فهو سلفي محافظ مقلد في هذا الباب!!، فالليبرالية - أي التحررية - هي دعوة للتجديد ولإعمال العقل في الموروث العلمي والفكري والسياسي والثقافي والاداري، وفحصه ومراجعته وتصفيته وتنقيحه بشكل دوري بمنهج عقلاني مستنير حتى لا تختنق المجتمعات في قوالب هذه التقاليد المجترة عبر القرون ويصيبها الجمود ثم (التعفن) فالانحلال!!.. فهل الليبرالية بهذا المعنى تتناقض مع الاسلام ؟؟ وكيف؟

(2) والليبرالية كفلسفة اجتماعية وكنظام اجتماعي هو أساس النظام الاقتصادي والسياسي للمجتمع!
و عربها البعض للعربية إلى ((المذهب الفردي)) لأنها تقوم على مبدأ ((التسامح مع الافراد والاقليات واحترام مجالهم الخاص)) أي ((احترام حقوق الفرد المدنية وحرياته الشخصية وخصوصياته الفردية والعائلية وملكيته الخاصة وعدم التعدي لها من قِبل الافراد الآخرين أو قِبل رجال الدولة ((السلطة السياسية)) أو رجال الدين ((السلطة الدينية)) مادام لا تلحق هذه الحقوق وهذه الحرية والملكية الضرر بالآخرين ولا تنتهك الحقوق الحمراء للمجتمع الوطني المتفق عليها بين مجتمع الافراد))  فهل الليبرالية بهذا المعنى تتناقض مع الاسلام؟ وكيف؟؟

(3) الليبرالية كنظام سياسي وطريقة للحكم والإدارة العامة!
وتعني الحد من سلطة الدولة وتقييدها بقوانين ومؤسسات تمنع تحولها إلى سلطة شمولية ((توليتارية)) مطلقة تتدخل في أدق تفاصيل شؤون وخصوصيات الافراد وتحد كثيرًا من حقوقهم المدنية والشخصية وتقوم بتأميم الملكيات الخاصة لوسائل الانتاج الزراعي والصناعي وتحرّم وتجرّم نظام التجارة والإجارة وتضع يدها بشكل كامل على حركة السوق!.. أي أن الليبرالية والحكم الليبرالي عكس التوليتارية والحكم الشمولي الذي يتغول على حرية الافراد بما فيها حرية الاعتقاد ويتغول على حرية الاقتصاد كما هو الحال في انظمة الحكم الشيوعية سابقًا وأنظمة حكم الاشتراكية القومية كما في النازية والفاشية وأنظمة الحكم التي اقامها التيار الاشتراكي القومي العربي وخصوصًا في ليبيا ((جماهيرية القذافي الشمولية)) في مرحلة آواخر السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات أي حتى نهاية وسقوط المعسكر الاشتراكي الشمولي بدايةً من عام 1989 فكل هذه الانظمة هي أنظمة حكم شمولية بعكس الممالك العربية التي ظلت على ليبرليتها التي اكتسبتها بعد فترة الاحتلال والاستقلال، فهي ممالك ((ليبرالية)) لكنها لم تتحول إلى دول ديموقراطية أي كحالها اليوم باستثناء المملكة المغربية إلى حد ما فهي تتمتع بهامش لا بأس به من الديموقراطية بالقياس للجمهوريات العربية ... فالليبرالية هنا تعني نظام حكم مقيد بحريات الافراد وحرية الاقتصاد بعكس الحكم الشمولي الذي يصادر هذه الحريات الأساسية للأفراد وللاقتصاد!... فهل الاسلام يتناقض مع هذا المبدأ في طريقة الحكم؟؟ وكيف؟؟

ملاحظة أخيرة ومهمة
يجب الانتباه هنا أننا عندما نتحدث عن ((حريات الافراد)) إنما نعني بها ((الحريات الشخصية والمدنية)) وليس ((الحريات السياسية)) فالدولة قد تكون ليبرالية تحترم الحريات الشخصية والمدنية للافراد والمواطنين لكنها في الوقت ذاته هي دولة ديكتاتورية غير ديموقراطية أي لا يوجد بها تداول على السلطة، فالسلطة يستحوذ عليها فرد أو عائلة أو طائفة بشكل دائم ولا وجود للاختيار الشعبي للسلطة، وهكذا كان الحال في أوروبا فهي اصبحت دولًا ليبرالية لعدة قرون قبل أن تصبح دولًا ديموقراطية، وربما نحن كذلك نحتاج لترسيخ الروح الليبرالية أولًا في مجتمعاتنا قبل اقتحام عالم الديموقراطية بنفوس وعقول وتنظيمات غير ليبرالية تشكل خطرًا على المشروع الديموقراطي وتؤدي إلى تقويضه كل مرة في مهده!!.... فمن لم يستطيع التفريق - بشكل دقيق - بين الليبرالية كنظام للحقوق والحريات المدنية والشخصية ، وبين الديموقراطية كنظام للحقوق والحريات السياسية للافراد والشعب، فلن يفهم هذه القضية أبدًا وستختلط عليه الأمور ويظل يلف ويدور تائهًا بين المصطلحات!  
تحياتي
أخوكم العربي المحب

أعجبني



تعليق


مشاركة