جميل ذلك الشخص الذي يدفعه وعيه لتجنب أمور ينتفع منها لأنها ليست بصالح المجتمع، لكنه أيضاً نادر. لأني لا أؤمن بفاعلية حملات التوعية من قبيل"لا تسرع فالموت أسرع" و غيرها من الشعارات، فقد أعجبني هذا المقال عن مواجهة ولاية كاليفورنيا لمشكلة الجفاف:
How to Get People to Pitch In http://nyti.ms/1IGch3g

تتطلب المشكلة تعاون الجميع من أجل خفض كبير في استهلاك الماء، فكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أول حل قد يطرأ ببالك هو رفع كلفة استهلاك الماء و فرض الغرامات على الاستهلاك المفرط، و هو حل مجدي لكن ليس بالقدر المطلوب. تشير التقديرات إلى أن رفع الكلفة بمقدار عشرة بالمئة سيقابله انخفاض بالاستهلاك الكلي يتراوح بين اثنين إلى أربعة بالمئة. و لو قرر المسؤول رفع الكلفة أكثر حتى تحقق الخفض المطلوب لطار كرسية بفعل أصوات الناس. لذلك على هذا المسؤول أن يكون خلاقاً بأفكاره بمواجهة المشكلة.

الحل الأكثر جدوى بحسب المقال لا علاقة له بالمال، بل باللعب على وتر اهتمام الفرد بصورته أمام المجتمع. و يمكن العزف على هذا الوتر بطريقتين: إما بإبراز تعاون الفرد للناس لينعكس على صورته، أو بإبراز عدم تعاونه ليشعر بالذنب (أو ليقلق حول سوء صورته). في حالة كاليفورنيا مثلاً، يمكن إنشاء موقع على الإنترنت يسجل فيه الناس و يتعهدون بتخفيض استهلاكهم من الماء، و يكافأ من يحافظ على تعهده بلوحة يكتب عليها مثلاً: "حديقتي مصفرة لأني تعهدت أن أساعد مدينتي في الحفاظ على الماء". و لإشعار الناس بالذنب يمكن بعث رسائل يقارن الشخص من خلالها استهلاكه باستهلاك جيرانه. يمكن لهذه الرسائل أن تحقق وفراً يماثل ما تحققه زيادة الكلفة بنسبة عشرة بالمئة.

و اضح أن المعادلة السابقة تفترض أن التعاون بين الناس لا يتم لوجه الله. فهل ذلك صحيح؟ البحوث الاجتماعية تميل لهذا الرأي، و شخصياً أعتقد أن صورة صباحية لأحد حدائقنا صباح السبت تغني عن رأيي في الموضوع (على فكرة: هناك لوحات توعوية كثيرة في الحدائق):
Image title

ذكرني المقال بفقرة قرأتها بكتاب "الاقتصاد العجيب":
أرادت إحدى رياض الأطفال القضاء على مشكلة تأخر بعض الآباء عن المرور بأبنائهم فاتخذت الحل التقليدي و فرضت غرامة على المتأخرين (يتأخر ما معدله 3 أشخاص يوميا). بعد الغرامة، حصل مالم يكن بالحسبان: بدأ عدد المتأخرين يتزايد حتى صار يتراوح بين العشرة و الخمسة عشر. مالم يكن بالحسبان هو الصورة الاجتماعية. حررت الغرامة المتأخر من الشعور بالذنب فلم يعد يشعر بالحرج عندما يجد المعلم واقفاً ينتظره.

كذلك، ذكرني المقال بأحد أعمامي رحمه الله. كان يصر علينا أن نصلي النافلة بالمسجد، و كنا نتحجج بأن السنة صلاتها بالمنزل. كان يقول أن أداؤها بالمنزل يكون سنةً عندما يكون أداؤها سمة الناس، أما في حال تهاون الناس فصلاتها بالمسجد أحب لاستحثاثهم على صلاة النافلة.

و أيضا من شواهد ذلك ما لاحظه الكثير من مناقضة حياة الناس الواقعية للصورة التي يرسمونها لأنفسهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

و لو كان لي مقدرة تقنية لأنشأت موقع على الانترنت تطرح فيه هموم الناس (الفقر - المرض) ليتقاسم الناس حلها و من ثم يمنحون شارات تشهد لهم بالمشاركة في حل هذه المشاكل يستخدمونها في صفحات التعريف عنهم في مواقع التواصل الاجتماعي. تخيل أن علاج شخص ما يكلف مئة ألف ريال. يمكن تقسيم المبلغ لألف سهم من مئة ريال. ثم يقوم المغرد مثلاً بإعادة تغريد رسالة نصها: "شاركنا أجر المساهمة بعلاج فلان"، و تحتوي التغريدة على شارة مشاركة للمغرد يمكن التحقق من صحتها عبر الموقع.