انواع الكفاح في الحياة
منذ وجود الإنسان في هذا العالم، وهو يكافح من أجل تحقيق السعادة، واختلف هذا الكفاح من شخص لآخر، بحسب مفهوم كل إنسان للسعادة. وعندما نقول كفاح الإنسان لأجل السعادة: فهذا يعني أنْ الإنسان يُسخِّر كل وقته، وجهوده، وتفكيره، وجميع إمكانياته لنيل هذا الشعور الذي يسمى: بالفرح تارة، وبالسعادة تارة أخرى، وقد يدخل في معنى السعادة أيضا، كلمات أخرى: كالطمأنينة، والحياة الطيبة، والنشوة الروحية، والابتهاج، والانتشاء النفسي. ويمكن ذكر بعض أنواع الكفاح لأجل السعادة فيما يأتي:
- الكفاح من أجل المتع الجسدية: يظن الكثير من الناس، أنّ السعادة تتحقق من خلال نيل المتع الجسدية المختلفة:كتناول أنواع الغذاء الفاخر، وارتداء الألبسة المختلفة مما أنتجته آخر صيحات الموضة، وامتلاك قصور، ومساكن، وسيارات تتيح الرفاهية، والمتعة، والزواج من أجمل البشر. وباختصار تتحقق السعادة عند هؤلاء الناس، بتوفير الوسائل، والإمكانيات التي تتيح العيش الرغيد، ولكن فات أصحاب هذا الرأي والمؤمنون بهذه الحياة الجسدية، أنْ يميزوا بين الرفاهية كعيش مريح، والسعادة كشعور داخلي. فليس بالضرورة أنْ تؤدي الرفاهية إلى السعادة، ذلك أنّ هذه الأشياء، تساهم في تسهيل الحياة. ولكن لن تحقق السعادة، التي هي حالة روحية، ونفسية يشعر معها المرء بالتوازن، وغياب القلق، وتوفر الاطمئنان المستمر. إنّ تحقيق حاجيات الجسد من أكل، وجماع، وسياحة يحقق إشباعا حسيا، وقد يحقق بعض الراحة الوقتية ولكن، لا يوفر سعادة مستمرة. إنّ أصحاب هذا الاتجاه، والمؤمنون بهذا النوع من السعادة، لم يتجاوز نظرهم الظاهر من الحياة، أي حصروا فهمهم أنّ سعادة الحياة هي لذة الجسد. فالواقع يؤكد أنّ المتع الحسية لا تحقق التوازن، والطمأنينة النفسية، فالسعادة لا تتحقق بمجرد تلبية، وتوفير المتع الحسية. فقد تكون هذه المتع كأحد أسباب السعادة. ولكن، لا تحققها على نحو كامل، ومطلق.
الكفاح من أجل القوة والسلطة: وفئة أخرى من الناس تعتقد أنّ السعادة تتحقق عن طريق امتلاك القوة، والمال، والسلطة أي التمتع بامتلاك القوة، وممارستها، ليشعر صاحب السلطة، والقوة بفاعليته، وسيادته على أرض الواقع، فيلقى بذلك: احتراما، وتوقيرا، ومهابة من الآخرين. ولكن الواقع، والتاريخ يؤكدان: أنّ الكثير من الأحزان، والآلام التي مرت على الإنسانية. كانت بسبب الحروب الطويلة، والاقتتالات، والصراعات الدموية بين الافراد، والشعوب، بسبب تناحر الأفراد، والجماعات من أجل نيل القوة. إنّ حياة السلطة لا تخلو من مكائد، ودسائس، وانقلابات أوقعت الكثير من رجال السياسة في الفضائح، والسجن، والاغتيال. ففي هذه الحياة لا صديق تثق به، وجميع أصدقاؤك من الأعداء الذين يتربصون سقوطك. فإذا ما أراد صاحب السلطة، والقوة أنْ يحقق السعادة من موقعه، عليه أنْ يوجّه قوته نحو الخير أي تحقيق خدمة الصالح العام، لأجل تطوير الأمة. إن المكافح من أجل القوة والسلطة لن يشعر بالسعادة، ما لم يحقق شيء في غاية الأهمية، وهو زيادة القوة في المجتمع، وانمائه. لكي يكون المجتمع على مستوى التحديات الكبرى. نعم، يمكن أنْ يكون الكفاح من أجل القوة، كأحد أسباب السعادة، إذا وُجِّت هذه القوة، نحو تقوية ومساعدة الآخرين. أي يكون صاحب القوة، صاحب قضية.
الكفاح من اجل المجد:ومنّا من يعتقد، أنّ سعادته تتحقق إذا حقق أشياء، ومنجزات يخلدها التاريخ. مثل: اكتشاف دواء لداء خطير، أو اكتشاف نظرية جديدة في الرياضيات، أو في الاقتصاد، أو أنّه يؤلف كتابا في علم ما، مُحدثا تغييرا على مستوى مفاهيم، ومناهج ذلك العلم.أو أنْ يكون فاتحا كخالد بن الوليد، أو الاسكندر المقدوني، أو كمحمد الفاتح. حقيقة، وبالفعل لا سعادة تضاهي صاحب اختراع، ينقذ البشرية من الكوارث، والأمراض، ويسخِّر الطبيعة لخدمة الإنسان. فيشعر المخترع أو الفاتح بأهميته في تغيير التاريخ، ومصير البشرية، فتغمره بذلك سعادة لا توصف. ولكن الكفاح من أجل المجد، غير متاح للجميع، فالعباقرة في هذا العالم قليلون، كما أنّ طالب المجد، معرّض للخطر أكثر من غيره من الناس، فيحيط به المكرة، والحسدة، والأعداء من كل جانب. وقد يموت الشخص الذي حقق مجدا عظيما. وهو في سن صغير مثل الاسكندر المقدوني الذي لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره، ولم يكن له الوقت بالابتهاج بفتوحاته.
الكفاح من اجل السعادة الروحية: بينما نجد أنّ هناك الكثير من الناس، من يفضل البحث عن السعادة، عن طريق أخذ الأخلاق الفاضلة، والإخلاص في العبادة، وتقوية الإيمان. أي أنّ سعادتهم تتحقق من خلال التزامهم الديني. الحياة بالنسبة لهؤلاء، لا تستحق أنْ يُشقى لأجلها، فالحياة عندهم، مجرد ممر، وجسر للحياة الآخرة. هذا النوع من الناس يتغلّب على مصاعب الحياة بالإيمان والصبر، وبقوة تحمل إكراهات الحياة. نعم، يمكن تحصيل السعادة من خلال طريق الإيمان، والتحرر من المشاغل الدنيوية المتجددة، والاكتفاء بالضروري منها. ولكن بدون الوقوع، في زهد يقتل الحياة. لأنّ الإسلام يدعوا إلى مواجهة الحياة، وتحدي مشاكلها، من خلال العمل، ومخالطة الناس، وطلب العلم، ومساعدة الآخرين. إذ لو هجر كل واحد فينا، الدنيا لوقعنا في ضعف شديد، وستعيد دول الغرب، مرة أخرى احتلال البلاد الإسلامية. فمن أسباب استعمار البلاد الإسلامية، في القرن الماضي هو انتشار التصوف، والزهد، وانتشار فكرة المكتوب، والقدر. إنّ الإيمان يدعوا إلى الكفاح، والنضال من أجل العيش في الحياة، وليس بالهروب منها.
الكفاح من اجل البذل والكرم: بعض الناس يؤمن أنّ السعادة تتحقق من خلال البذل، والعطاء أي جعل الذات في خدمة الآخرين، فالإنسان الذي يبذل، غير ذلك الإنسان الأناني، والبخيل. وهو أيضا، غير ذلك الإنسان الذي يأخذ فقط. إنّ البذل يجعل الذات تشعر بأهميتها وبوجودها، لأنها تؤثر في الآخرين. وهذا البذل، والعطاء قد يكون معنويا مثل: تعليم الناس العلم، والحكمة، وإسداء النصيحة، وقد يكون البذل ماديا، مثل الكرم، والصدقة، ومساعدة الآخرين ماليا. فالذي يبذل يكون مؤثرا، ونافعا للمجتمع، وهو بهذا سيشعر بقوة روحية تمنحه السعادة من خلال إدخاله للابتسامة على وجوه الفقراء، والبسطاء. كما أنّ النفس الكريمة تشعر بقيمتها وبأهميتها، عندما تتصدق وتساعد الآخرين، لأنّها تقوم بتغيير الواقع البشري، والقوي هو الذي يغير الواقع. في المقابل نجد الذي يأخذ فقط من الناس ، نجد في نفسيته ضعفا واستحياء وخجلا وحزنا. ولكن، السعادة لن تتحقق في البذل ما لم يكن معه إخلاص لله.
الكفاح من اجل الحكمة: والبعض من الناس يرى السعادة في تعلُّم الحكمة التي هي كل معرفة تنجي صاحبها من المهالك، والفتن، والشرور التي تمكنه من معرفة كيفية التعامل والتصرف، فالحكيم هو الذي يتعامل بحلم، وتروي. لا يرمي بنفسه في مواضع الفتنة والشبهات. يمتلك القدرة على التعامل مع نفسه، ومع الآخرين، يتقن فن التصرف مع المصائب، والصبر على المُفاجئ من الأخبار. لا يهلك نفسه بتفكير سوداوي. يدخل الفرحة في الآخرين. فالحياة الخصبة والسعيدة هي التي تدار بالحكمة والمعرفة.
إذا أردنا تشبيه السعادة، فإننا نشببها بشعور سهل متمنِّع، مدلّل، لا يمكن القبض عليه بسهولة، أو حبسه في قفص،أو تملكه على نحو نهائي. الفرح لا يمكن أنْ يُنال إلا بكفاح ضد الذات التي لا تريد استقبال الفرح، والتي تتحجج بالواقع الخارجي. ذلك أنّ الألأم، والأحزان، والشقاء ليست موجودة خارجة عن ذواتنا بل هي موجودة في داخلنا. وبعبارة أوضح: نحن وحدنا مسؤولون عن الشقاء والفرح الذي يحدث لنا. لأننا نحن من يخلق أسباب الفرح، والألم. فأمّا العالم الخارجي فنحن لا نتحكم فيه وغير مسؤولين عنه. فلا يجب اتهامه، إنّ من يريد أنْ يفتش عن السعادة فهي موجودة بالقرب منه، موجودة في إرادته. وهناك ثلاث ثلاثة أشياء تمنع وجود السعادة في داخلنا ك:
الاول، الإرادة الثقيلة: وهو كل إنسان لا يريد استقبال الفرح في داخله، ينتظر نزول الفرح من السماء. وذلك لأنّ إرادته الثقيلة غير فاعلة، وليس لها أهداف لنفسها، أو للمجتمع يبحث عن التقليد، والاستهلاك. فالإنسان الذي ليس له هدف في حياته، لا يمكن أنْ يأتي إليه الفرح، إلا إذا وضع أهدافا. الثاني، القلب الحاسد: حيث يتمزّق الحاسد بحسده. وليس له هدف غير رؤية زوال نعمة محسوده، وبالتالي فإنّ هدفه، هدف حقير وتافه. فأين تأتي السعادة إذا كان حلم الإنسان في زوال نعمة إنسان آخر؟ والثالث، العقل التافه: الفرح لا يكون من خلال الحديث، والاهتمام بالجوانب التافهة من الحياة. وإنما يستطيع المرء أنّ يرتقي في سلم الاعتزاز بالذات، عندما يتجاوز التفاهات التي لا تعود على المجتمع بأي فائدة، ليقدم أفكارا وأشياء تخدم المجتمع.
وفي الأخير سنقدم تعريفا للسعادة كخاتمة : فهي الفرح بوجود الذات، نتيجة لدورها وأهميتها على صعيد الحياة، والمجتمع. أي شعور الذات بوجودها الفعال، والمثمر لإضافة شيء لهذه الحياة، فإذا لم يكن لها أي فاعلية، فستشعر النفس بالتعاسة، والكآبة. وكأن وجودها، وعدمها يستويان. وهذا التعريف المختصر للسعادة هو الذي يعبر عن الحقيقة، فعندما يشعر المرء أنّه لا يقدم شيئا لنفسه، لعائلته، لمجتمعه، للعالم، لمهنته، لدينه، يشعر أنّ وجوده كعدمه. ولكن متى يفرح الإنسان بذاته، الجواب عندما يشعر بأهميته على مستوى الحياة، أي عندما يقدم شيئا ينفع به نفسه ومجتمعه، فمن خلال عطائك، وكرمك، وأخلاقك، وعلمك، ونصائحك، التي يستفيد منها الآخرين، ستشعر بالفرح بسبب أنّ ذاتك لها أهمية على مستوى المجتمع. فمن يريد أن يكون سعيدا، فرحا، عليه أنْ يكون مهما في المجتمع، وأن تكون مُهما أنْ تساعد الناس، أن تكون كريما، أن تكون متخلقا.