Image title

لوحة -سوف نعود- للفنان القدير عماد أبو اشتيه-فلسطين


.

نظر ضابط المطار في جواز سفري نظرة لمعت فيها عيناه ببريق الإنتصار، ورمقني مقرراً جواب سؤاله الأجوف... "أنت من غزة" فقلت له نعم "أنا من غزة" فقال لجندي بجواره خذه إلى غرفة الحجز، رمقته مستهجناً، طائرة كل من فيها يمرون على إختلاف جنسياتهم ومللهم بالترحاب والسرور وتضحكون في وجوههم وأنا وحيداً لغرفة الحجز، همهمت لماذا اذهب للحجز، لماذا؟، لماذ، لم...، لم يجب وأشار بيده للجندي ففهم الجندي الإشارة أكثر مني، مشيت مطأطا قدمي أجر حقيبتي ورافعاً رأسي عالياً وأتمتم ساخراً "نعم أنا من غزة" ومتسائلاً لماذا ياغزة ماذا فعلت لهم، فيم أذيتهم، ما ثاراتهم عندك، أه ياغزة، آه ه ه فيخرجني صوت أزيز باب قبو دفعني الجندي فيه فأخرجني من تفكيري العميق في هذه الغزة التي تُعامَل في كل المطارات على أنها وأهلها مخلوقات من كوكب أخر، أخذت الكثير من الوقت لأعتاد ظلام الغرفة الصغيرة، وبدأت أرى شخوص أشباح متعبة، سألتهم بعد التحية!!! هل أنتم من غزة...فسمعت همهماتهم، نعم نعم نعم

إلتففت وضممت نفسي على ذاتها بصمت يتوجع من هذا الحال، وبدأت دموع قلمي تزأر بين أسطرها، وتخط بملء عيونها البراقة كلمات من تاريخ المدينة المجيد والتي كل ما فيها أعجب من العجب، غزة، نعم غزة.

صَرَختُ بصوتٍ مداده يتأجج بين دفات كتاب غزة القديم، غزة ليست بضاعة زائدة لتهملوها ياقوم إنها التاريخ، وإن أردتم أن أسرد لكم التاريخ كاملاً سأفعل ولكني لما أصاب الجيل من هوس الأقلام ورؤوسها سأختصره في قصة مدينتنا المناضلة الصابرة التي هي إحدى المدن الفاصلة في تاريخ البشرية، على أبوابها كبر المنتصرون وزغردت النسوة احتفالاً بفلذات أكبادهن الشهداء في عرسهم الأخير، وعلى أبوابها انتحبت الجيوش مهزومة مدحورة وتحطمت أحلام القادة العظام مجبرين على الانحناء إجلالاً لهذه المدينة العظيمة من أرض فلسطين المباركة ومرتجفين من هول الصدمة ومن ذل الهزيمة والانكسار.


غزة الكنعانية العربية التي جرح على أبوابها الإسكندر المقدوني بعد أن مسحت بهيبته وبكرامته العسكرية الأرض حين صمدت في وجه جيشه الجرار عدة أشهر ألانت فيها قبضته الحديدية فحولتها حجارة صغيرة تناثرت فوق رمالها وهضابها كي تصبح يوماً ما سلاحا في أيدي أطفالها الذين سيشدخون بها رؤوس الملاعين من بني صهيون ويطئون بنعالهم هامات الجنود في زمن هو أقرب للخيال، حين يقف فرسانها على بوابات العظمة والهيبة بكل وقار وجلد وعلى رأسهم فارس العودة بحجره الصغير ممرغاً بهيبة اليهود الصهاينة ودباباتهم المركافاة الأرض معلناً للعالم ولادة جيل جديد من العمالقة العائدين من عمق التاريخ ليعيدوا كتابة آيات القرآن الكريم بدمائهم مرةً أخرى في سجل الخالدين معلنين بجلاء ووضوح "إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ" ويصرخ أقرانه من الأطفال الله أكبر.

هي أول إنتصاراتنا وأول الهزائم للغزاة، في أحراشها أعد الظاهر بيبرس جيشه ودربه بكل قوة لينتصر فوق صعيدها في بضع سنين على مقدمة جيش التتار، وفي سهل الدميثة، داثن أو دائن "مخيم المغازي حالياً" إنتصر المسلمون بقيادة الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي على مقدمة الجيش البيزنطي الروماني حتى كادوا أن يفنونهم عن آخرهم، فتُسَلَم غزة على أثر هذه المعركة للعرب المسلمين، وعلى أبوابها الشمالية في بيت حانون سحق الأمير المجاهد شمس الدين سنقر طلائع الصليبين في قرية أم النصر التي بناها بنفسه وأقام فيها مسجد أم النصر الموجود إلى يومنا هذا شاهداً بمئذنته العالية على كل ما حدث، غزة التي مرغ فدائييها وأبطالها وجه شارون في الوحل في سبعينات القرن الماضي، لا تستسلم ولا تستكين، فيصرخ منها رابين بكل جنون مولولاً على حال جيشه الذي أذلته بحجارتها التي انطلقت كالصواريخ من أيدي أطفالها، داعياً أن يبتلعها البحر فصرخ البحر في وجهه أيها الساقط من حروف التاريخ إن البحر لا يبتلع محبوبته بل ينام في حضنها ويستريح.

هي قطعة غالية من أم البدايات والنهايات أرض المحشر والمنشر، سر الله في الأرض فلسطين الأعز على قلوبنا بشارة القرآن الكريم مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المباركة ومعراجه إلى السماء العُلَى، مَهاجِر الأنبياء الأطهار، هي بشارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قوله "أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان" وقوله "طوبى لمن أسكن أحدى القريتين غزة وعسقلان" وقال صلى الله عليه وسلم (أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكاً ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان)، فطوبى لكم يا من سكنتموها، طوبى لكم يا من صبرتم وصابرتم ورابطتم فوق ترابها، فمن صبركم سيخرج جيلٌ من أبسل المخلوقات كيف لا وقد وضعنا الله مرابطين عنيدين صابرين مصابرين في وجه اليهود أفجر مخلوقاته على مر التاريخ.

غزة هي قطعة من شام الله في الأرض وجنوبها الصامد في وجه الغزاة، أهلها ما استكانوا في وجه محتل قط، صمدوا واستبسلوا في مقاومتهم حتى اعترف بذلك الأعداء، إن لم تصدق اسأل جيش إسرائيل كيف بكى جنوده وأطلقوا الرصاص على بعضهم حتى لا يحاربوا في شوارعها كيف لا وقد هربوا وهم يصرخون أتريدوننا أن نحارب الأشباح.

فوق ترابها نشأ وترعرع القائد العربي الفينيقي حنابعل "هانيبال"، وفيها ولد النبي سليمان عليه السلام وفيها ترك سر جيشه الذي انبهرت لعظمته بلقيس حين رأته للوهلة الأولى،وفي شوارعها سار هاشم بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم وفيها مات ودفن، فأكرمه أهلها وسموا مدينتهم الغراء "غزة هاشم" باسمه، وأطلقوا اسم أخية شمس بن عبد مناف على حي يحمل اسمه إلى اليوم "جورة الشمس" فيستشهد بعد سنين على أرضه شيخ المجاهيدن المقعد الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وفوق طرقاتها مرت قوافل قريش في رحلاتها التجارية في الصيف، وبين جنباتها سار محمد بن عبدالله قبل النبوة خلال تجارته بأموال السيدة خديجة بنت خويلد وإستقر فيها ليبع ما لديه من بضاعة وليشتري غيرها، ومن المؤكد انه اغتسل في بحرها وأكل من عنبها وتينها وترك فيها سره الذي أبقى غزة وأهلها شعلة متقدة لا تنطفئ إلى يوم القيامة، وفي أسواقها تاجر عمر بن الخطاب وجنى ثروة كبيرة وقال قولته الشهيرة "لقد أثُريتُ من غزة" وقال "لا يَغلٍبنَكم الروم في التجارة"، ومن غزة هاشم استدعى هرقل إمبراطور الروم أبو سفيان بن حرب ليسأله عن النبي العربي محمد بن عبدالله الذي أرسل له رسالة يدعوه فيها إلى الدخول في دين الإسلام، فَيَصدُقهُ أبو سفيان الخبر، وفي ديوان واليها وقف عمرو بن العاص ممثلاً عن المسلمين، ومن بلاغته وفصاحة لسانه عرف الوالي أن هذا الرجل من زعماء القوم فأمر له بجائزة وكسوة وأمر جنده أن يقتلوه على بوابات أسوارها فقابله شاعرها الغزي العربي ابن شرحبيل وهو من نصارى غسان وقد عرف داهية العرب فقال له يا عمرو "أحسنت الدخول فأحسن الخروج" لأن الوالي سوف يقتلك، وعلى ترابها في منطقة الشيخ عطية في حي الزيتون ولد وترعرع الفتى القرشي الذي ملأ الأرض علماً، الأمام الجليل صاحب المذهب الشهير محمد بن إدريس الشافعي الغزي الفلسطيني القرشي، الذي ينشد من شوقه إليها شعراً يكتب بماء الذهب،

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَزَّةٍ   * * *   وَإِنْ خَانَنِي بَعْدَ التَّفرُّقِ كِتْمَانِي
سَقَى اللّه أَرْضَاً لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبَها   * * *   كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي

نعم أنا من غزة 

☆نعم أنا من غزة التي عمرها أكثر من 5000 سنة (3000 سنة قبل الميلاد و2000 سنة بعد الميلاد)

☆نعم أنا من غزة التي زارها تقريبا معظم أنبياء الله أو مروا منها خلال ترحالهم بين الشام ومصر والعراق وجزيرة العرب

☆نعم أنا من غزة التي عشقها هيرودوت المؤرخ اليوناني وكان من حكامها

☆نعم أنا من غزة التي كان آخر انتصارات الأتراك على الإنجليز فوق أراضيها المخضبة بدماء المجاهدين والشهداء

☆نعم أنا من غزة التي شهد شمالها وعلى أراضي قرية هربيا موقعة "حطين الثانية" بقيادة حفيد صلاح الدين الأيوبي نجم الدين الصالح أيوب، وانهزم فيها الجيش الصليبي وقتل منهم زهاء الثلاثون ألف مقاتل

☆نعم أنا من غزة التي لم يستطع أحفاد شمشون الجبار الذي تقول عنه التوراة المحرفة أنه كان يقتل فيها كل يوم 10000 من أبنائها، ولم يستطع أحفاده دخول حدودها في ثلاث حروب طاحنة

☆نعم أنا من غزة التي أقيم فيها أول مركز لتعليم اللغات والفلسفة في الشرق الأوسط في عهد اليونان وكان الطالب اليوناني الإغريقي لا يتخرج إلا بعد أن يتم تعليمه في معهدها الكبير
☆نعم أنا من غزة التي عشقها الرومان فبنوا فيها مبنى الأولمبياد وأقاموا فيها أكبر سوق في الشرق أوسط القديم كان هذا السوق محط القوافل في رحلة الصيف التي ذكرها القرآن الكريم
☆نعم أنا من غزة التي إستدانت منها فرنسا مبالغ كبيرة من الذهب لسداد ديونها ثم أعادته في عهد حسين باشا مكي أحد حكامها الأعلام
☆نعم أنا من غزة اول من صنعت الشاش الطبي وصدرته لكل دول العالم ولا زال يحمل إسمها إلى الآن Gauze بالفرنسية كما يعرفها قاموس المورد ((Gauze... Origin Mid 16th century: from French Gaza perhaps from Gaza, the name of a town in Palestine)

☆نعم أنا من غزة التي أعادت تدوير ركام دمارها وبنت به بيوتا جديدة بعد حرب 2014 وأصبحت نموذج، حتى طالب أحد نواب البرلمان الياباني من الاستفادة من تجربة غزة بعد التسونامي الذي دمر مدن يابانية
.
☆ نعم أنا من غزة التي لا زالت تقاوم بعزة وشرف وتضرب بصمودها المدوي أنصع الأمثلة، وترينا قدرتها العجيبة على الخروج من تحت الرماد كعنقاء فلسطين المتمرد عبر تاريخه، لبت نداء القدس، أيقظت المارد الفلسطيني من سباته العميق، وذكرته بجبروت أجداده الذين أرعبوا بني إسرائيل في خروجهم الكبير، ووضعت نقاط حروفها على مكاتب الأمم، بكل جلاء ووضوح وستكتب مصيرها، وتروي فيه لأهل الأرض كيف هزمت الإسكندر ا ل ص ه ي و ن ي الذي لم يهزمه أحد، في ذات اللحظة التي  يتسابق الخانعين للخضوع تحت جناحه البغيض.
.

☆ نعم أنا من غزة التي لا زالت تقاوم بعزة وشرف وتضرب بصمودها المدوي أنصع الأمثلة، وترينا قدرتها العجيبة على الخروج من تحت الرماد كعنقاء فلسطين المتمرد عبر تاريخه، لبت نداء القدس، أيقظت المارد الفلسطيني من سباته العميق، وذكرته بجبروت أجداده الذين أرعبوا بني إسرائيل في خروجهم الكبير، ووضعت نقاط حروفها على مكاتب الأمم، بكل جلاء ووضوح وستكتب مصيرها، وتروي فيه لأهل الأرض كيف هزمت الإسكندر ا ل ص ه ي و ن ي الذي لم يهزمه أحد، في ذات اللحظة التي  يتسابق الخانعين للخضوع تحت جناحه البغيض.
.
☆ نعم أنا من غزة:- أكبر سجن في التاريخ، أعلى كثافة سكانية في العالم، أعلى نسبة تعليم، أقل نسبة عنوسة، ساحرة القلوب التي ينتظر أهل فلسطين ساعتها المجيدة حين تنير لهم سمائها بالخبر اليقين.
* !!!
أما إن أردت أن تصف الرجولة والبطولة والفداء والعزة فتلك صفات مدينتنا الأبية، غزة، التي قال عنها رابين أتمنى أن أستيقظ يوماً ما وأجد البحر قد ابتلعها، فابتلع البحر رابين، وبقيت غزة تواجه البحر بصمت مجلجل يشهد له التاريخ وهذا دمها الطاهر لا زال ينزف ببسالة وشرف وإباء حتى جاوزت بوابات العظمة والخلود.


مقتطفات من كتاب غزة ممر الفاتحين
تأليف: مصطفى بلبيسي
www.omelketab.com
.
.
.

‎#غزة
‎#غزة_تحت_القصف
‎#انقذوا_حي_الشيخ_جراح
#Palestine
‎#GazaUnderAttack
#GenocideinGaza
#savesheikhjarrah
.
https://www.facebook.com/Mo3jamBoldanW3aealatFalastin/posts/2959576444326591