قال النبي صلى الله عليه وسلم" مثل المؤمن مثل السنبلة تميل أحيانا وتقوم أحيانا" من حديث انس وابي هريرة 


الطريق المستقيم هو محاولة مستمرة للهداية


الإنسان ليس آلة مبرمجة، أو عبارة عن حاسوب، يمكن أنْ يُبرمج على وضع نهائي، ليسير عليه طوال حياته. بل هو كائن يخضع لتأثيرات من نفسه، ومن خارجه. وهو دائما بين، وبين. فيمكن أنْ يخطئ، ويصيب، يرتقي، ويهبط. ومثلما يمكنه أنْ يحقق نجاحا باهرا، يمكنه كذلك أنْ يخطئ خطأ جسيما.

المؤمن الذي اعتزم على إصلاح ذاته، والتوقف عن ارتكاب الذنوب، هو في اتجاه الطريق المستقيم، حتى ولو عاد مرّة، أو مرّتين إلى ارتكاب الأخطاء، فهو مع ذلك في اتجاه ذلك الطريق. لانّ عبارة اهدنا الصراط المستقيم الموجودة في الفاتحة التي تتكرر في كل صلاة. هي اعتراف من الإنسان بعجزه عن إدراك الطريق المستقيم دفعة واحدة. وهذا معناه: أنّ المؤمن يطلب دائما من الله أنْ يهديه إلى الصراط الصحيح. فإتباع الطريق المستقيم هو دعوة دائمة ومستمرّة من الإنسان.

ولا يعتقد أحدنا أنه وضع نفسه تماما في الطريق المستقيم، فنحن نسعى لكي نكون على هذا الطريق بطلبنا المستمر من الله،لكي نهتدي إليه بقولنا في كل صلاة: " اهدنا الصراط المستقيم" 

والمؤمن بهذا المعنى، يحاول ويسعى، ويجتهد أنْ يكون في الطريق المستقيم، لأنّه لا يحمل برنامجا حاسوبيا آليا في عقله، يمكِّنه من فعل الخير، وتجنُّب السيئات على نحو نهائي على مدى الحياة،بل هو إنسان قد يصيب أحيانا، ويُخطئ في أحيان أخرى، قد يرتقي، ويعلو، ويسمو، وقد يهبط، ويزل، ويسهو، وينسى. من هنا علينا أنْ لا نخجل من أخطائنا التي وقعنا فيها في الماضي، أو التي قد نقعُ فيها. فالإنسان كائن خطّاء بطبعه، وآدم أبو البشرية قد أخطأ، وهو أوّل من ارتكب الخطيئة. وهذا لا يعني أننا نستمر في الخطأ، بل يجب ألا نقع فيه مرة أُخرى، بهذا، من خلال عدم إعادة الأخطاء، يمكن الاقتراب من الطريق المستقيم.

الخطأ هو أنْ تبرر للناس الخطأ


إنّ الخطأ الأكبر هو عندما نقع في خطأ، ونذهب للناس لكي نبرر لهم ذلك. فعلى الرغم، من أني أنا الذي ارتكبت الخطأ، وعانيت من سلبياته، وتبِعاته، وقهره، فليس من المعقول أنْ أبرر لهم خطئي. 

إنّ الناس هم أحرار فيما يتصوّرونه حول شخصنا، ولا يمكن أنْ أدخل في ذهن كل إنسان أعرفه وأقول له: هذه هي النظرة الصحيحة عني وليس ما تتصور. فالناس تمتلك عقولها ولها الحرية في تصور ما تريده عنا، ولا يمكن أنْ أتحكّم في تفكيرها. فلسنا مسؤولين عن تعديل أفكارهم عنا.

الخطأ الأكبر عندما نريد أنْ تكون لنا صورة مثالية عنا في أذهان الناس، وليس هناك صورة مثالية أبدا في عالم البشر عن بعضهم البعض، ما دامت هناك حياة تتقلب، وتتبدل. ومادام هناك علاقات بشرية مختلفة، ومتعددة يحكمها الصراع، والمصالح، والمنفعة. 

والانسان يكون عبدا للناس، إذا خاف عن صورته، وسمعته عندهم. ويكون عبدا عندما يظل يفكر في سؤال: كيف يتم تصوره، والنظر إليه من طرفهم، فالصورة التي في أذهان الناس عنّا، تتبدّل، وتتغير فهي صورة شبحية خيالية. وبدلا أنْ ألهث وراء سمعة طيبة عني، وتكون مثالية، وحسنة قد لا تتحقق في أذهان الناس، بدل ذلك، أسعى لتكوين صورة محترمة عن نفسي عندهم. وذلك بالابتعاد عن ارتكاب الأفعال التي تهدم صورة الإنسان. وبعبارة واضحة: بدل من السعي إلى تكوين صورة مثاليه عن نفسي في أذهان الناس، أسعى بدلا من ذلك إلى أكون شخصية محترمة في الحقيقة والواقع.

فأنْ أبدو محترما مُهابا خير من أنْ أبدو مثاليا، ملائكيا. فصورة الشخص المحترم صورة أقرب إلى الواقع من صورة الشخص الملائكي، المثالي. وعندما أخطئ، وأزِل يجب أنْ ينصب تفكيري حول سؤال: كيف بإمكاني الوقوف من جديد، وليس كيف أبرر للناس ذلك الخطأ الذي ارتكبته؟

حدث مرّة، أنّ صديقي الجامعي دخل للسجن لمدة ثلاثة أشهر، بسبب جنحة معينة، وعندما أطلق سراحه، بدأ يبرر للناس خطؤه: بقوله: لقد كانت هفوة، وقوله: حتى الأنبياء اخطئوا، وقوله: حتى يوسف دخل السجن. قلت له: هل طلب منك الناس: أنْ تبرر لهم سقوطك.ونصحت صديقي أنْ يُكمل حياته العادية. قائلا: لا تضيّع وقتك في التبرير. بل اعتبرها عثرة، واشتغل على مستقبلك، وهو الآن، في منصب محترم، وقد حقق نجاحا في حياته. 

نعم، إنّ الإنسان يندم على أخطائه، ولكن لا شيء يدفعه إلى التبرير، واستجداء الناس لكي يروه في أذهانهم في صورة أفضل، ذلك سيجعله رهينا، وعبدا لهم، وكأنهم إله يُطلب منهم المغفرة، ثم هل بتبريراتك ستكون أفضل في أذهانهم. وحده الله الذي يجب أنْ يُتوجه إليه بالاستغفار، والتوبة، فإذا غفر الله لي ذنبي فلا يهمني الناس، وما يقولونه عني. فلا يجب أن أخجل من أخطائي. لأن الخطأ طبيعة بشرية، فالمؤمن كالسنبلة يميل أحيانا، ويقوم في أحيان أخرى. ويكفيه انّه يشبه السنبلة التي تنفع الناس.