كثيرة هي الكتابات الغربية التي تسعى لإقناع الرأي العام المحلي والإقليمي، وحتى العالمي بتحميل الفلسطينيين، وكل من يقف في صفهم مسؤولية كل شرور العالم، وكل تحرك من جانبهم هو حمل المزيد من الشر الى هذا العالم، أعتقد أن المقالة التي بين أيدينا، والتي جاءت تحت عنوان: " تظل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية صامتة على الرغم من ارتفاع تكلفة هجمات الحوثيين[1]"، تعمل ضمن هذا المنطق، وتحمل الكثير من المغالطات.

 

والعنوان لمقال للصحفي والكاتب (Doron Peskin)[2]، يحاول فيه أن يعطي الانطباع إلى أن ما يقوم به اليمنيون من مهاجمة الكيان، وغلق الممر البحري باب المندب أمام مرور السفن التي تحمل سلعا ومواد لدولة الكيان، يضر بكل دول المنطقة وليس دولة الكيان فقط، وضمنيا يصل الى استنتاج مفاده أن محاربة اليمنيين هي مسؤولية هاته الدول، ولوحظ يوم 16/12/2023، كيف تصرفت مصر عندما اعترضت المسيرة اليمنية واسقطتها، والتي كانت متجهة الى المناطق المحتلة في فلسطين، وكانت ستضرب أهداف لهذا الكيان.

 

"ويعاني جيران إسرائيل بالفعل من خسائر اقتصادية بسبب انخفاض النشاط في البحر الأحمر، إن التهديد المتزايد الذي يشكله الحوثيون لحركة الشحن في البحر الأحمر، كما يتجلى في الهجمات التي نفذت في اليومين الماضيين، ليس مشكلة إسرائيلية، بل مشكلة إقليمية وعالمية". وهذا هو المبتغى الإسرائيلي فيسعى لتحويل اعتداءاته وسرقاته المتكررة للأراضي الفلسطينية، وممتلكات الفلسطينيين الى مشكلة عالمية وإقليمية لمجرد أن هناك من يقاومه، ويسعى لردعه.

 

وفي الفقرات التالية نقرأ الكثير من التفاصيل التي يراها الكاتب ضرورية لزيادة الاقتناع بالهدف الأساسي من مقالته " إن جيران إسرائيل، بما في ذلك الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية، يعانون بالفعل من خسائر اقتصادية بسبب انخفاض النشاط في البحر الأحمر، لكنهم في هذه المرحلة يمتنعون عن التحدث علانية ضد هذا الإرهاب البحري، ويحاولون أيضًا في هذه المرحلة نشر أقل قدر ممكن من البيانات حول نطاق الضرر".

 

وهنا يعطي السبب الى هذا الصمت أمام هجمات اليمنيين "ويأتي صمت هذه الدول على خلفية الدعم الشعبي الواسع للفلسطينيين وعدم رغبة حكومات هذه الدول في الظهور على أنها "تحمي" المصلحة الإسرائيلية. وتحت الطاولة، تجري محادثات بين حكومات المنطقة والولايات المتحدة لإنشاء تحالف دولي لحماية حركة الشحن في مضيق باب المندب بين بحر العرب والبحر الأحمر، وهنا أيضاً تجري المحادثات سراً بسبب تهديد الحوثيين بإلحاق الضرر بأي دولة عربية تستجيب للمبادرة الأميركية".

 

"في هذه الأثناء، تتراكم خسائر دول المنطقة. وأعلنت مصر منذ أيام أنه خلال شهر نوفمبر عبرت 2264 سفينة قناة السويس، مقارنة بـ 2345 سفينة في أكتوبر 2023، وذلك بانخفاض قدره 3.5%. كما أدى انخفاض عدد السفن إلى الإضرار بإيرادات مصر من القناة والتي بلغت 854.7 مليون دولار في نوفمبر، مقابل 880.1 مليون دولار في أكتوبر، بانخفاض نحو 3%".

 

هل هذا يعني أن مصر مستفيدة من قناة السويس بصورة مطلقة؟ وهل مصر ستستفيد أكثر لو لم يتدخل الحوثيين، على باب المندب، قد تكون هناك خسائر صحيح جراء النقص في عدد السفن المارة عبر قناة السويس، ولكن هذا لا يمكن عده خسارة بجانب خسارة الموقف المصري وكرامة مصر، التي تخلت بنسبة كبيرة عن الفلسطينيين، ومصر هي البلد الوحيد الذي يجب ان يكون في الطليعة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهذا قدر مصر التاريخي والجغرافي ولا يمكنها أن تهرب منه، وعليه يجب النظر الى تحركات اليمنيين من منظور أرباح الفلسطينيين، وخسائر العدوان وفقط.

 

في الفقرة التالية يحاول الكاتب أن يشرح أكثر الخسائر التي لحقت بكل دول الجوار لفلسطين (مستخدما دولة إسرائيل عوض فلسطين طبعا)، "وكانت الأضرار في نوفمبر/تشرين الثاني محدودة نسبياً لأن هجمات الحوثيين لم تبدأ إلا في النصف الثاني من الشهر. ومع التصعيد المسجل منذ بداية الشهر الجاري، يبدو أن الضرر الذي سيلحق بعائدات قناة السويس سيزداد في ديسمبر/كانون الأول المقبل. تعد قناة السويس أحد المصادر المهمة القليلة التي تدخل العملات الأجنبية إلى مصر، ونظرًا للأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها، فإن هذا تطور مثير للقلق من وجهة نظر القاهرة".

 

التركيز على مصر مفهوم وهو لاقناع المصريين بضرورة التحرك ضد اليمنيين، وغرس في أذهانهم أن ما يجري في غزة أضر بهم، وببلدهم، وهكذا تعمل الدوائر الصهيونية على نشر ثقافة الانغلاق على النفس وعلى الحدود، ولا يهم ما يجري خلفها مادام لا يضر بالبلد، وواضح أن هذه فكرة غير صائبة ولا تتماشى مع ثقافة مع شعوب المنطقة، والقائمة على التآزر والتكاثف، والتعاطف.

 

بعد مصر يأتي دور الأردن لمعايرته بصمته وصمت سلطاته التي لم تتدخل ضد اليمنيين، جراء الخسائر التي تحل بهم جراء أعالهم العدائية: "كما التزم الأردن الصمت منذ بدء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، رغم أنه يبدو أنه يدفع بالفعل ثمناً اقتصادياً باهظاً بسببها. وبحسب البيانات المنشورة هذا الأسبوع في الأردن، انخفض مناولة البضائع في ميناء العقبة بنسبة 16% الشهر الماضي، وانخفض عدد السفن القادمة إلى ميناء العقبة، وهو منفذ الأردن الوحيد على البحر، في ذلك الشهر بنسبة 14%، وكان هناك أيضًا انخفاض بنسبة 33% في السفن المتدحرجة (الحاملة سيارات)".

 

"ويأتي هذا التراجع نتيجة مباشرة للوضع الأمني وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وقد ركز الأردن، الذي يعاني أيضًا من وضع اقتصادي حساس، في السنوات الأخيرة على تطوير ميناء العقبة والمنطقة الاقتصادية المحيطة به كمشروع وطني يمكنه دفع النمو وجذب الاستثمار الأجنبي. وما يحدث منذ بدء هجمات الحوثيين لا يساعد هذه الخطط".

 

"ولا تزال القوة الإقليمية السعودية، التي حاربت الحوثيين لمدة ثماني سنوات، تتأذى من تدهور الوضع الأمني في البحر الأحمر. ويقع ميناء جدة السعودي الرائد على شواطئ البحر الأحمر، ورغم أن السعوديين لم ينشروا بعد بيانات حديثة بشأن نشاطه، فمن المرجح أنه يتأثر بالوضع. وبنظرة أطول، يجب أن نتذكر أن منطقة البحر الأحمر تشكل عنصرا هاما ضمن "رؤية 2030" للمملكة العربية السعودية سواء في المجال اللوجستي أو السياحي، وما حدث في الأسابيع الأخيرة لا يساعد الجهود السعودية في هذا الصدد".

 

"وبالنظر إلى المستقبل، فإن ما يفعله الحوثيون يجب أن يشجع في الواقع الاتجاهات التي بدأت في الظهور في الشرق الأوسط قبل 7 أكتوبر في جانب التعاون الاقتصادي. وبعد انتهاء الحرب، من المتوقع أن تحتل خطة المشروع الضخم التي طرحت في سبتمبر/أيلول الماضي لربط الهند بالبحر الأبيض المتوسط، مروراً بدول الخليج والأردن وإسرائيل، رغم كل التحديات التي تفرضها، مكانة عالية في أجندة المؤتمر. القادة الإقليميين"، وهذا هو مربط الفرس والمقصد من كل التفاصيل السابقة، وهو ببساطة ان ما فعلته وتفعله حركات المقاومة الفلسطينية يضر بمشروع طريق الهند أوروبا، وعليه يجب اسكات كل هؤلاء بالحجة الاقتصادية وتصوير الوضع على أنه مضر بهم، أو بقوة السلاح، مع موافقة هؤلاء المتضررين.