الإنسان ذلك الكائن الذي يولد بلذة ويفارق بغصة وبينهما يعيش حياة طويلة بين نزعة الفضيلة وإغواء الشهوات والملذات فهما سمة لهذه الحياة وأساس في تكوينها، بل أهم أركان الاختبار الإلهي.
ويبقى السؤال كيف يمكن لنا أن نستخدم هذه الحياة كجسر يأخذنا لبر الأمان، كيف لنا أن نشبع رغباتنا دون المساس بقيمة كوننا بشر مكلف محاسب.
الثابت مذ خلق الله الكون وبث على أرضه عباده أن الإنسان غير معصوم، ومعرض للهفوات، فهو في صراع دائم مع ملذاته وكل السبل التي تؤدي إليها من مال ونساء وسلطة. من أجل هذا أبقى الله تعالى باب التوبة مشرع على مصراعيه وللجميع ودون الاكتراث لكم السيئات التي حصدها ذلك الإنسان الشقي، فخالق هذا العبد اعلم منه بما توسوس به نفسه.ومن الثابت أيضا أن لا وجود لإنسان مثالي، خال من الذنوب تماما، نعم قد يتفاوت البشر في كمّها ولكن يبقى الجميع معرضا لها.
وكرت النجاة هذا_التوبة_لم يسلم من همز الحاقدين، فيقولون إن الإسلام يشجع على المعاصي باستقباله الدائم للناجين من صراع الخطايا. لكن كعادتهم لم ينظروا إلى الأمر من نافذة النفع ولم ينصفوا الإنسان الراغب في الصلاح. ولم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على شروط التوبة.
والتي في أولها الاعتراف بالذنب، وهذا الاعتراف يعتبر بمثابة صافرة إنذار يدوي صوتها الناشز محذرا من قصف وشيك، بعدها يلجأ الإنسان للملاجئ حماية لنفسه، واي ملجأ أكثر أمنا من الله؟
تلي ذلك التعهد بمفارقة الذنب وعدم مقارفته مرة أخرى. لكن ثمة عنصر مهم يجعل من قرار الإقلاع نافعا من عدمه، عنصر تتطلبه كل أمور الحياة لكي تسير في المسار الصحيح، ألا وهو الصدق.
فبلا الصدق تصبح الأمور مزيفة، هاربة من أرض الواقع، وتبعد وتأخذ في البعد حتى تعتنق الفشل، مضفية على الحياة كساء الوهم.
ونعود لسؤالنا الذي طرحناه أول هذا المقال كيف لنا أن ننجو ؟
ثمة صفة إذا ما وجدت في الشخص ستزيد نسبة نجاته بأقل الخسارات، هذه الصفة هي الاعتدال...
الاعتدال عامل مهم يساهم في توازن المرء.جميعنا نشتهي ونتوق ونسعى، لكن الفارق بين شخص وآخر هو إمكانية كبح جماح الشهوات والرغبات، وإطلاقها في وقتها المناسب.
هذا التوازن له أثر نفسي مهم، فهو يبعث بأياد بيضاء تحمل بين أكفها الأمان، فتركيبة النفس البشرية والفطرة التي أودعها الله بها، تجعلها تجزع من اقتراف الذنوب والانغماس في غير المباح.
المعتدل كمن امسك بقبس من نور لا ينطفئ، وشق به رحلته نحو الجانب الآخر من البرزخ.
لكن ثمة حقيقة مهمة وأمر لا يمكن تجاهله، وهو الإنصاف. فهل من المعقول أن يجزى المعتدل والعائد من طريق الهفوات سريعا كمن اعتاد درب المهلكات وأطلق العنان لنفسه وهواها؟ فهو كمن أفلت حبل النجاة عنوة، وأضاع خارطة الطريقة بقصد. لذا يجب عليه دفع ثمن ذلك. الأمر مع الله والذي أسمى نفسه الغفار واضحا سلسا وصدق الرجوع إليه يكفي، لكن ماذا عن ضريبة تشويه صورتك أمام مجتمعك؟ هي صورتك أنت وستدفع ثمن تشويهها أنت أيضا. وعليك حساب ذلك جيدا.
خلاصة الأمر ليس هناك بشر مثالي صحائفه خالية من كتابات الرقيب و العتيد ، وكل الذين سعوا في طلب المثالية انتهى بهم الأمر إلى التنطع أو الانعزال تمامًا عن المجتمع. أما الاعتدال وسرعة الرجوع وتحدي النفس وإخضاعها لك ستحدث فرقا كبيرا جدا، هنا بيننا وهناك في الجنان.