سبعة سنوات دراسة وبعدها اربعة رزدنسي تجعل الأطباء متخلفين اجتماعياً. لذلك يلق بنا الآخرين سريعاً من ذاكرتهم عندما نختلف معهم. الآخرون الذين ادَّعوا أنهم يحبوننا. هم أول من يلقي بنا من الجعبة عندما نكسّر الأشياء على رأسهم في الغضب. إنهم لا يستطيعون فهمنا. لا يمكنهم تقديرنا حتى وإن ملئوا الأماكن الرسمية وأيضاً تويتر بالمديح لنا. لا يمكنهم أن يفهموا أننا قضينا 12 عاماً في المدرسة و مثلها بالكاد في كلية الطب والمستشفى بين لا أحد بخير. لقد رأينا من فظائع الآلام و الأجساد الممزقة والأرواح التي استعادها الله من بين أيدينا ما يكفي لنكون متخلفين اجتماعياً ولا تكون العلاقات الاجتماعية أولوية في حياتنا. لقد رأينا من كوارث الفيروسات في الخلايا ما جعلنا عاجزين عن الاكتمال كملائكة تستغني بأذرعها عن الجناحين. إننا آدميين أكثر من الذين ليسوا أطباء، وأكثر من يجب أن يأخذهم العالم على محمل الحب عندما تهيجنا أي مشكلة خارج الطب و تجعلنا نستاء و نحطم المثاليات على رؤوس المتملقين و المنافقين. لقد تفاجأت عندما رأيت أشخاصاً جميلين غير منافقين يتعاطفون مع المنافقين ويرمونني من ذاكرتهم لأنهم أصدقاء للمنافقين. عرفت جيداً أن تقدير الناس للأطباء بالمعنى الذي يستحقونه مستحيل. ليس تبريراً أننا متخلفين اجتماعياً . لكننا نلام حين نصمت ولا نختلط كثيراً بالأرواح الكثيرة المحيطة بنا. يظن الناس الذين لا يعرفون ما التقدير الذي يجب أن يعاملونا به أننا متكبرين و مغرورين و نعتقد أننا أفضل من غيرنا. لقد ذقت باستمرار منذ بدأت دراستي في كلية الطب ظلماً في الحكم على تصرفاتي لكنني لم أحكم على من حكموا علي بأشياء كثيرة خاطئة أنهم حاسدين أو غيورين. على العكس كنت دوماً أتفهم أنهم لايعرفون شيئاً عن تحولاتنا النفسية و الفكرية كأطباء إلا ما يسمعونه منا أو من غيرنا عنا. لكن يظل أنهم لم يعيشوه. لم يبقوا بجانب المحترقين و الممزقين و المنجلطين والمكسورين و المفخخين بالسرطان و الأروام كأشخاص يجب عليهم أن يزيلوا المرض عن هؤلاء لا كمرافقين أو مواسين فقط. إنهم لا يعوون الضغط الانفجاري الذي عشناه في سنوات الطب ثم التدريب فالزمالة. لقد كنت أنسى في سنوات دراستي أن الأيام تمر و أكبر، لكن فشلي في إدارة علاقاتي الاجتماعية بمثالية مستديمة ترضيهم هو أكثر شيء أشعرني أنني بلغت من الثلاثين عتيا و عندما جاء يوم ميلادي الأخير نظرت عشرة مرات إلى ورقة التقويم لأتأكد أنني لم أبلغ الثلاثين بعد. نعم أنا لم أبلغ الثلاثين بعد لكن حساسية الناس مني جعلتني أشعر هكذا وهو ليس شعوراً جيداً. إنني من أولئك الذين يحبون أن يعيشوا سنوات عمرهم دون تقديم أو تأخير.

كنت متشككة و أزفر بقوة و أشعر باضطراب. شعرت بالحزن على نفسي و كيف أن نأيي عن الآخرين من أجل البحث عن علاج لآلامهم و مداواة آلام أخرى بالعلاج المتوفر جعلني أظن أنني سبقت فتيات جيلي في الزمن أو و كأن ساعتي تسارعت عن جريانها الغريزي الذي نعرف. 

إن الحزن ليس على عدم النجاح اجتماعياً. على العكس فإن السلام الذي يعامل الأطباء به الآخرين مريح وباعث لسعادة لا يفهمونها. السعادة المختصرة في المسلم من سلم المسلمين من لسانه و يده. الحزن هو على عدم النجاح في جعل من زعموا أنهم يحبوننا و يفهمون جيداً من نحن، يحبوننا فعلاً. الحب الذي أفهمه هو أن تجد سبعين عذراً لمن تحب عندما يدلق كوب الماء في وجهك! و أن تعذر لا يعني أن لا تغضب. لكن الغضب أيضاً.. لا يعني أن تظلِم. هناك من يقرر سلفاً أن الطبيب يتعمد الغطرسة والتفكير بغباء في المسائل الاجتماعية والسياسية و العاطفية، لأنه لا يعتبر الطبيب متواضعاً بالقدر الكافي الذي يجعله يتمتع بمهارة تكوين آراء محترمة تخصه عن أي شيء. و هناك من لا يقرر شيئاً لكن صحبة الأطباء تمتعه و تجعله يشعر أنه منتمٍ إلى نخبة لا يلام إن تباهى برفقتها، و هؤلاء هم أكثر من يكشف عن سوء نفسه في وقت الخلاف. كلنا فينا ذلك الجزء السيء الذي مع مرور الوقت والتجارب و التربية والتعلم نقضي على ما نستطيع القضاء عليه منه و نقاوم أنفسنا على تنويم مالا يمكننا بآدميتنا القاصرة القضاء عليه. لكن هناك من لا يبذلون جهداً في النأي بجزئهم السيء عن الطبيب عندما يرون منه في علاقته معهم ما يزعجهم قولاً، أو فعلاً في بعض الظروف.

الآخرون لا يمكن أن يفهموا الأطباء حتى وإن عاشوا معهم في المستشفى..فهم ليسوا أطباء.