تجنح الشعوب والامم  الشرقية ومنها الامة العراقية  إلى تمجيد زعمائها  وساستها إلى درجة التقديس احيانا ,  وإضفاء صفات أسطورية وطوباوية وايجابية ؛ تجعل القائد  والسياسي والمسؤول الحكومي يتصرف على طريقة  : الحق معي يدور حيثما  درت . 

ولا يبدو أن هذه الظاهرة قد اقتصرت على الزمن الماضي  فحسب بل استمرت – وإن بأشكال مختلفة - إلى يومنا هذا ؛ إذ لم تخل الساحة السياسية من وجود أولئك المداحين والمتملقين المنتفعين الذين يتقمصون صورا شتى لكن يبقى المضمون واحدا، هو الثناء والإطراء والمديح و(المسح على الاكتاف وتقبيل الايدي ) دائما وفي جميع الظروف في الحق والباطل سواء ، وليت هذه الظاهرة انحصرت في دائرة الجماهير , والشعبوية ؛ بل انها وصلت الى دائرة الكتاب والاعلاميين والمفكرين والباحثين , والنخبوية . 

وقد لفت انتباهي مقالة قصيرة للكاتب اياد السماوي بعنوان (الأخ النائب عدي عواد )  وهو يمتدح فيها محافظ البصرة السيد اسعد العيداني ؛ ويرمي كرة النار في ملعب  السيد عدي عواد , بل انه نبز كتلة العصائب اجمعها بالفساد ؛ وهو في هذه المقالة يدعي ان اهالي البصرة كلهم او جلهم يعشقون العيداني ؛ بالإضافة الى ان كتله الانتخابية (تحالف تصميم )  حصلت على  12  مقاعد – 266999صوتا - ؛ و يذكر أن عدد مقاعد مجلس محافظة البصرة هو 23 مقعد بضمنه كوتا المسيح فيما شارك بانتخابات مجلس محافظة البصرة قرابة الـ 600 آلاف ناخب أي بنسبة 42% من إجمالي عدد الناخبين الذي تجاوز مليون و 450 ألف ناخب بعموم المحافظة... ؛ وعليه يجب ان يبقى السيد  اسعد العيداني محافظا ابديا وسرمديا  للبصرة ؛ كعادة السياسيين العراقيين ؛ الذين لا يتخلون عن الكرسي الا في حالتين  , هما : الاولى ان يسحل في الشوارع او يعدم او يسجن ؛ والثانية ان يهرب خارج الحدود ويعيش في المنفى بقية عمره . 

في كل الدول المتحضرة ؛ وفي اعتقاد كل الشعوب الحية والواعية ؛ ان الدولة يجب ان تكون دولة مؤسسات لا شخصيات ؛ لذلك نرى الانسيابية والهدوء في انتقال المنصب الفلاني وعبر التداول السلمي والانتخابات والمفاوضات السياسية من (س) الى ( ص)  ؛ ونادرا ما نرى سياسيا في تلك الدول يستقتل على البقاء في الكرسي ولا يتقبل فكرة التقاعد , او التحول من مسؤولية عامة الى غيرها , او الانخراط في صفوف الجماهير مرة اخرى  . 

واراد السماوي من خلال مقالته ان يخلق صورة نمطية توحي للقارئ بأن السيد اسعد العيداني بريء من الفساد براءة الذئب من دم يوسف , وان عدي وكتلته هم الفاسدون الوحيدون في البصرة والذين يسيل لعابهم امام مغريات وثروات وامتيازات البصرة ؛ وهم الذين يضربون بالقوانين عرض الحائط , إلى غير ذلك من الصفات السلبية ؛ التي تضمنتها اشارات وايحاءات مقالته ؛  بل انه هاجم حركة عصائب اهل الحق بطريقة علنية وواضحة , 

لا أحد ينكر جهود السيد اسعد العيداني , وكذلك الاتهامات الموجهة اليه , والشبهات التي تحوم حوله ؛ فالمعاناة والأزمات التي تواجه البصرة والبصريين  لا تعد ولا تحصى , ولعل هذه الظاهرة تشمل الكل وبلا استثناء , اذ ان سهام الانتقاد والاتهام بالفساد طالت جميع الكتل والاحزاب والشخصيات , والقول الفصل في هذه الملفات للقضاء العراقي ولجنة النزاهة لا غير , وعليه ينبغي على الكاتب المحترم والقلم الحر , ان يكون موضوعيا وحياديا في طرحه , فلماذا يغض الطرف عن صاحبه المتهم بالفساد ويبري ساحته , بينما يشن هجوم على الاخرين بلا ادلة قانونية ...؟! 

أن نجاح المحافظ الفلاني او المسؤول الكذائي في مهمته العامة و وظيفته الحكومية مسألة طبيعية في دول العالم المتحضرة والمحترمة ؛ الا نحن , اذ اننا نفرح ونصاب بالدهشة والعجب عندما نرى مسؤولا ينجز 30 % من مهامه المناطة به , او يصرف من الميزانية مقدار 40% على المشاريع الخدمية , و زمن القائد الضرورة والمسؤول الاوحد وتكرير الوجوه المستهلكة والشخصيات المكررة يجب ان يذهب من غير رجعة , فالعراق لا يخلو من المسؤولين الناجحين والقادة الوطنيين , ونحن اليوم نطمح الى بناء دولة المؤسسات لا الشخصيات ؛ بحيث يأتي المحافظ اللاحق يكمل ما قام به المحافظ السابق وهكذا , وليس العكس كما هو الان ؛ اذ يعمل المحافظ الجديد على الغاء كافة مشاريع وقرارات المحافظ السابق , وكذلك يخطط المحافظ السابق لضرب المحافظ الجديد وعرقلة مشاريعه بشتى الطرق والأدوات , لكي يثبت فشله ... ؛  نعم ان نجاح المسؤول الفلاني لا يعني تشبثه بكرسي السلطة الى الابد , اذ ان واجبه الوطني يحتم عليه فسح المجال للشباب والطاقات الوطنية والشخصيات السياسية الاخرى ؛ كي يأخذوا أماكنهم في العمل السياسي والخدمي ومشهد النجاح والانجازات الوطنية ؛ بل ويشجع العراقيين الاصلاء من اصحاب الشهادات والكفاءات على ذلك  ؛ لا أن يبقيهم  عناصر في الظل  , تتلقى الاوامر منه , او يقصيهم عن المشهد العام .

ومقالة السماوي تصور لنا ؛ ان المطالبة بمنصب محافظ البصرة وتنحي السيد العيداني ؛ هو نكران للمعروف , وخيانة للبصريين , وكأن الذي خلق العيداني لم يخلق غيره , ولا يخفى على المتابع اللبيب , ان المال السياسي واستخدام موارد الحكومة في الانتخابات قد لعب دورا مشبوها وكبيرا ومؤثرا في حسم النتائج الانتخابية .

البصريون الذي يدعي الكاتب اياد السماوي ان عشقهم الابدي السيد اسعد العيداني لا غير ؛ قد خرجوا عليه بالأمس القريب , وطالبوا بإزالته , ومن منا يسنى ما فعله المتظاهرون الجنوبيون وبالأخص اهالي البصرة ,  عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية العفوية ولا اقصد المسيسة – جماعة الهجين فائق الشيخ علي ومن لف لفه من سقط المتاع وحثالة الاغلبية - ؛ و وقتها محافظات الجنوب العراقي اشتعلت  غضبا ضد ترشيح العيداني لمنصب رئاسة الحكومة , وكان مرشح كتلة البناء , فقد قطع المئات من سكان البصرة طرقا رئيسية في المحافظة احتجابا على العيداني ، آنذاك , واتهمه البصريون بالاعتداء على المتظاهرين البصريين , وهنالك فيديو متداول يظهر فيه السيد العيداني وهو يترجل من سيارته مع حمايته , محاولا الاعتداء على احد المتظاهرين وقتها ,فقد  تظاهر المئات في مدينة البصرة  عام 2020 ,  للمطالبة بإقالة المحافظ أسعد العيداني وعدد من المسؤولين الأمنيين المحليين... ؛ وأظهرت مقاطع مصورة نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الشبان الغاضبين يجولون شوارع المدينة الغنية بالنفط، قبل أن يتوقفوا عند دار استراحة البصرة حيث يسكن السيد اسعد  العيداني ... , وردد المحتجون شعارات منددة بالمحافظ  والذي يشغل منصبه منذ عام 2017، متهمين إياه بالفساد... ؛ وعجت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات وقتها بعدة عناوين ومنها : (الآلاف يتظاهرون في البصرة ضد "الفساد وسوء الخدمات )  .

وما زال العراقيون والبصريون  يستذكرون بسخرية اجراء السيد العيداني في معالجته لملف التجاوزات اثناء بطولة الخليج لكرة القدم  ؛ فقد أُثيرت موجة غضب عارم  بعد ان وجه المحافظ اسعد العيداني بإحاطة المناطق العشوائية بجدار اعلاني عملاق تبلغ مساحته 15 كيلو متر... ؛ ووفقاً للمعلومات فان تكلفة الجدار الإعلاني كلفت الدولة أموالا طائلة... ؛ واستغرب الاقتصادي جعفر حسان من تكلفة الجدار التي وصفها بالمهولة، مبينا ان مبلغ الجدار يكفي لبناء 1000 وحدة سكنية متوسطة الكلفة لو تم احتساب قيمة الدار مع بناه التحتية 45 مليون دينار...!! . 

وقد خسر السيد العيداني الانتخابات المحلية لمرتين في السابق ؛ وتولى منصب المحافظ عام 2017 ؛ باتفاق سياسي , و في ظروف معقدة للغاية بعد هروب محافظها  ماجد النصراوي الذي ينتمي إلى تيار الحكمة بسبب الضغوطات الشعبية والسياسية ووجهت له اتهامات بالفساد ؛ وكان اختياره بإرادة سياسية باعتباره شخصية مستقلة كما قيل وقتها ,  لتتخلص الأحزاب المشاركة في مجلس المحافظة من الورطة التي وقعت فيها بسبب الصراعات بينها  وقتذاك ؛ وخصوصا بعد اتهام رئيس المجلس الحقوقي صباح البزوني بالرشوة ودخوله السجن الذي أدى إلى تصدع العلاقات بين أعضائه ... الخ . 

وللحديث بقية ..