من هو ((الرفيق الأعلى))!!؟؟
وهل هناك ((رفيق ادنى)) أو ((أسفل)) ومن يكون؟؟
********
جاء في القرآن الكريم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]
في تفسير قوله : ((وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)) ثلاثة اراء، لكل منهم وجه ووجاهة: الأول أن كل من سيفوز بالجنة سيكون رفيقًا لهؤلاء (الصفوة) من خلق الله، وقيل ان هذا هو تفسير الجمهور!..... والتفسير الثاني أن هؤلاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين سيكونون في الآخرة في رفقة الله في العليين أي (الملأ الأعلى)! اي في درجة ورتبة اعلى من درجة ورتبة (اصحاب اليمين) من (جماهير أهل الجنة) وعامتهم، أي سيكونون من (المقربين) لله وخاصته فهم رفقاء لله وصحبته في أعلى عليين!.. والتفسير الثالث: أن (حَسُن هؤلاء الاصناف الاربعة)، أي أحسنهم وليسوا كلهم، هم من سيكونون في المرتبة العليا من الجنة أي سيكون لله رفيقًا!! وهؤلاء هم رفاق لله، يرافقونه في ملكوته في السماء العليا في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أي سيكونون من المقربين... أي رفقاء الله في الملأ الأعلى!! وهي مكانة خاصة لبعض خلق الله من الملائكة والجن والأنس وليست لكل أهل الجنة وسكانها وعمارها!!


ولفظ (الرفيق) فيه معنى الرفقة اي الصُحبة، والمصاحبة، وفيه معنى الرفق بالآخرين، الرفق بالانسان والرفق بالحيوان، أي معاملتهم بلطف واحسان، ولا شك عندي ان المعنى المقصود في الآية ((وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)) هو (الرفقة) أي (الصُحبة)، ولكن صحبة ورفقة من !!؟؟ رفقة وصحبة الله أم رفقة وصحبة المقربين من العليين!؟؟ ام أن الأمرين كلاهما نفس الشيء اذ ان هؤلاء المقربين هم اخلاء الله واحبابه واصحابه المقربون في الملأ الأعلى، وبالتالي من كان في رفقتهم فهو في رفقة وصحبة الله الخاصة!؟؟


في المرويات قيل أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، في لحظات موته خيّره الله بين موته او وفاته فقال ((اللهم الرفيق الاعلى))!! اي أنه اختار الرفيق الأعلى الذي هو الله عندنا ، وهو أو هم الاصناف الاربعة المذكورون في الآية كما عند غيرنا! فقد اختلف المفسرون بالراي من سلف الأمة وخلفهم في (ما المقصود بالرفيق الأعلى؟) فقال بعضهم ومنهم البخاري: الرفيق هم: "الْأَنْبِيَاءُ السَّاكِنُونَ أَعلَى عَلِيِّينَ، وَلَفْظَةُ رَفِيقٍ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ؛ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] وَقِيلَ: المقصود به هُوَ اللهُ تَعَالَى، يُقَالُ: اللهُ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالرَّأْفَةِ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعنَى فَاعِلٍ، وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَقِيلَ: أَرَادَ مرتفق الجنة"اهـ... هكذا قال الامام البخاري في اجتهاده لفهم الآية والحديث وكلامه يبين الأمر فيه اختلاف ولا ندري مدى صحة دعواه، رحمه الله، في ان الرأي الأول هو ما عليه الجمهور؟! فدعوى الاجماع والجمهور في تراث الفقه والتفسير دعوى مكررة يصعب التثبت منها!!


الشاهد ان المفسرين القدماء اختلفت أراؤهم في تفسير المقصود بالرفيق الأعلى!؟؟ والراجح  عندي أن ((الرفيق الأعلى)) هو الله نفسه ، ليس الرفيق بمعنى الرفق وحسن المعاملة،  وإن كان الله بالفعل يتصف اخلاقيًا بصفة الرفق بالخلق، بل المعنى المقصود هنا بالرفيق الاعلي أي الرفقة، اي الصحبة، الرفيق الاعلى أي ((الصاحب الاعلى))، أي أن تتخذ الله رفيقًا وصاحبًا لك في الدنيا فيتخذك رفيقًا وصاحبًا له في الآخرة، اي ان يجعلك من رتبة عباده ((المقربين)) في ((العليين)) اي بلغة بعض المتصوفة ((أهل الله وخاصته من خلقه))!! وبهذا المعنى يصح وصف الله ب((الرفيق الاعلى)) اي ((الصاحب الأعلى)) وهو نعم المولى ونعم الرفيق ونعم الصاحب ونعم العشير!


هذا من جهة ومن جهة اخرى ففي الحقيقة أن الله بالفعل هو ((الرفيق الطيب الخيّر  الاعلى)) لكل انسان، مؤمنًا كان او كافرًا، فهو يصاحبه أي يرافقه ويكون معه حيث كان، من طفولته حتى وفاته!! وهو اقرب اليه من حبل الوريد!!، وفي مقابل هذا ((الرفيق الطيب البر الاعلى)) الذي يرافق كل انسان ويصاحبه أينما كان طوال حياته حتى مماته، فإن هناك رفيق آخر !! هو (الرفيق الخبيث الشرير الأدنى)) أي ((الرفيق الأسفل)) الذي يرافق الانسان طوال حياته حتى مماته محاولًا إضلاله وجرّه معه الى الأسفل، في الجحيم ، أي إلى السافلين في الآخرة أو ربما إلى أسفل السافلين! ، وهذا الرفيق الخبيث الشرير  ((السفلي)) هو الشيطان الرجيم، ابليس وجنوده، بئس القرين وبئس الرفيق وبئس الصاحب وبئس المولى وبئس العشير!! 


اذن، فهذان الرفيقان، الرفيق ((العلوي)) الاعلى الذي هو الله الرحمن الرحيم والذي يدعو الانسان الى السمو والعلو بقلبه وعقله واخلاقه الى (المثل الاعلى)) المتمثل في  الله تعالى ، علا وجل، بأخلاقه الكاملة المُثلى.... والرفيق ((السُّفلي)) الأسفل الذي هو الشيطان الرجيم الغَرور الخذول الخبيث، والذي يشده نحو الأسفل ليكون كالأنعام بل اضل!!، هما الرفيقان اللذان يرافقان الانسان في الدنيا حيثما كان!، وهما من يكونا في صحبته حتى في خلوته بنفسه!، وعليه ان يختار من بينهما رفيقًا ومولى وعشيرًا وصاحبًا غيبيًا له!!؟؟ فالانسان إما ان يكون في رفقة الله وصحبته بكثرة ذكره واتباعه، واما أن يكون في رفقة الشيطان بالغفلة عن ذكر الله والتمادي في المعاصي وارتكاب المحرمات واتباع الشهوات!!... وهكذا فإن من تتخذه صاحبًا ورفيقًا منهما لك في الدنيا، فهو سيكون رفيقك وصاحبك في الآخرة ولا مفر! .. فهذا رفيق وذاك رفيق ، وهذا له طريق وذاك له طريق..... والخيار لك في الدنيا الآن وليس في الآخرة لك أي خيار بعد فوات الآوان!!
*********
أخوكم المحب