Image title
هاتف Siempo

الواجهات الرسومية (GUI) صممت لكي تعطيك كل ما يمكن للواجهة والبرامج فعله، الواجهة تخبرك بأنك تستطيع فعل هذه الأشياء، تشغيل هذه البرامج، إدارة الملفات من خلال برنامج خاص، وفي عصر الشبكة أضافت هذه الواجهات تنبيهات تخبرك بأن لديك عدد ما من الرسائل في بريدك الإلكتروني، أو عدد من التنبيهات في الشبكات الاجتماعية ومختلف تطبيقاتها وكل هذه التنبيهات تطلب انتباهك، وكلما وصل لك شيء جديد في التطبيقات ظهر تنبيه جديد، يمكنك إيقاف هذه التنبيهات إن أردت لكن ما وصفته هو الوضع التلقائي لأي واجهة رسومية، سواء في حاسوب مكتبي أو هاتف نقال ذكي.

من ناحية أخرى، واجهات سطر الأوامر مختلفة جذرياً، الواجهة تعطيك مساحة فارغة تسألك "ماذا تريد؟" ولا تخبرك بشيء حتى تتحدث مع سطر الأوامر، يمكنك أن تكتب أي شيء لكن لن يستطيع سطر الأوامر فعل أي شيء تريده، يجب أن تكتب له بلغة يفهمها، إن كتبت مثلاً "أنا جائع" فلن يرد عليك بمقترح لمجموعة مطاعم قريبة أو يعرض عليك وصفة لطعام يمكنك إعداده بل سيقول: أنا لا أفهم هذا الأمر!

واجهات الهواتف اليوم صممت لكي تطلب انتباهك وفي حالات لكي تسرق انتباهك، لأن انتباهك لها يعني مزيداً من الاستخدام ومزيداً من فرص عرض الإعلانات ومزيداً من الأرباح، كل تطبيق وكل شبكة اجتماعية تتمنى أن تصب كل اهتمامك وانتباهك لها، لذلك ترسل لك تنبيهات مختلفة لتخبرك بأن فلاناً أضافك وفلاناً رد عليك وفلان أعجب بما كتبته .. إلخ.

هذه الواجهة صممت مع خيار لإلغاء التنبيهات لكن الوضع التلقائي هو أن تتلقى التنبيهات، وفي بعض التطبيقات إن أغلقت التنبيهات ستذكرك بذلك مرة بعد مرة بعد مرة وتطلب منك تفعيلها، لأننا في اقتصاد يقوم على سرقة انتباهك والتطبيقات تريد منك كل وقتك وانتباهك.

الهواتف وواجهاتها لم تصمم لكي تحمي وقتك وانتباهك، بل صممت لكي تجعلك تنتبه للهاتف وإن أردت ألا تفعل ذلك فعليك أن تعي هذا الوضع وتغلق التنبيهات وربما تحذف التطبيقات لكي تحمي وقتك وانتباهك.

ماذا لو صمم هاتف ليفعل العكس؟ ماذا لو صمم هاتف يكون غرضه الأساسي حماية انتباهك، هاتف صمم لكي تعطيه انتباهاً أقل؟

بين الذكي والغبي

استخدمت الهاتف الذكي لفترة لا بأس بها ثم عدت إلى الهاتف غير الذكي الذي يوصف ظلماً بالغبي (dumbphone)، ووجدت أنني أفتقد أشياء في الهاتف الذكي، منها الشاشة الكبيرة التي تجعل استخدام الهاتف أكثر سهولة، الشاشة تعرض لوحة مفاتيح كاملة كبيرة تجعل كتابة الرسائل والبحث عن الأرقام أكثر سهولة، كذلك تعرض بيانات أكثر وتجعل تصفح البيانات أكثر سهولة، كذلك أفتقد الكاميرا.

ما أحتاجه شيء غير متوفر في السوق، هاتف صمم ليبدو كالذكي من ناحية الجهاز لكن كالغبي من ناحية البرامج! لكن قد أجد ما أريده قريباً، هناك هاتف اسمه Siempo ويهمني هذا الهاتف من ناحية الواجهة، الجهاز غير مهم كثيراً، الأجهزة اليوم يمكن تصنيعها بمواصفات جيدة وبأسعار رخيصة ولا تختلف عن بعضها البعض إلا في تفاصيل صغيرة، لكن الواجهات؟ هذا مجال التنافس الآن، البرامج أهم من الأجهزة.

سيمبو يقدم ثلاث خصائص أساسية، الأولى هي الواجهة الرئيسية، ليس هناك تطبيقات بل حقل يسمونه (Intention Field) أو بترجمة حرفية: حقل النية أو القصد أو العزم، هنا تكتب ما تريد ليبحث لك الهاتف في محتوياته فيعرض لك أرقام هواتف تطابق ما كتبته أو يقترح عليك إرسال ما كتبته كرسالة نصية أو حفظه كملاحظة، أتخيل أن هذه الواجهة يمكن توسيع خصائصها لاحقاً.

ما يميز هذه الواجهة أنها تعطي خصائص مختلفة للمستخدم دون الحاجة إلى التطبيقات، المستخدم يكتب ويحصل مباشرة على ما يريد، هذه واجهة سطر أوامر لكنها واجهة رسومية أيضاً.

Image title
الواجهة الرئيسية لهاتف سيمبو

الخاصية الثانية هي الإيقاف المؤقت (pause)، ويمكن الوصول لها بزر في الهاتف نفسه، وهذا سبب تصميم الفكرة كجهاز وواجهة بدلاً من تطبيق فقط، لأن مصمميه يريدون أن تكون هذه الخاصية أساسية في الجهاز، بمعنى يريدون تحكماً أكبر في طريقة عمل الجهاز والبرامج.

على أي حال، الخاصية تعطي المستخدم إمكانية إيقاف التنبيهات لمدة يحددها بنفسه، خلال هذه المدة كل التنبيهات والاتصالات لن تصل للمستخدم، الهاتف سيتعامل معها بنفسه، يمكن للمستخدم تحديد استثناءات في حال أراد أن تصل له بعض التنبيهات من أشخاص محددين.

الخاصية الثالثة يسمونها (Mindful Morning) أو بترجمة حرفية: الصباح الواعي، أو الوعي في صباح؟! لا أدري كيف أترجمها، المهم أن الهاتف يقدم واجهة تساعدك على ممارسة أنشطة متكررة في الصباح، مثل التأمل أو الرياضة أو القراءة ويقدم تنبيهات لكل نشاط تريده.هذه خاصية مفيدة، الناس لديهم طاقة وعزم في الصباح لفعل ما يريدونه أكثر من أي وقت آخر.

Image title
تحديد الروتين الصباحي اليومي

كل هذه الخصائص يمكن أن تجدها في تطبيقات مختلفة في منصات الهواتف الذكية اليوم، لكن منصات الهواتف اليوم صممت لكي تسرق منك انتباهك لأمور مختلفة، عليك أن تغير إعدادات الهاتف والتطبيقات لكي تجعل الهاتف لا يعطيك أي تنبيهات ولكي لا يشتت انتباهك لأمور لا تريدها.

سيمبو من ناحية أخرى صمم لكي لا يسرق انتباهك، هذا فرق مهم وهو فرق ليس كاف، على إعجابي بالهاتف لدي شك في نجاحه واستمراره في المستقبل، ظهرت مشاريع مختلفة في الماضي لشركات صغيرة ولا أذكر نجاح أي مشروع واستمراره، قد يكون النجاح مؤقتاً لكن الاستمرار لسنوات مقبلة سيكون صعباً.

أريد لهذا الهاتف أن ينجح لأنه يقدم بالضبط ما أريده، أريد لأفكاره أن تصل لهواتف أخرى، أريد من مصنعي الهواتف أن يضعوا انتباه المستخدم كأهم أولوية فيصمموا الواجهات لكي تحمي وقت المستخدم وانتباهه، لا أظن أن هذا سيحدث لكن هذا ما أتمناه.

عندما تكون مشكلة الهواتف الذكي هي زيادة تشتيت انتباه المستخدم فالحل ليس حذف الخصائص أو العودة إلى الهاتف غير الذكي، بل الحل هو تصميم هاتف وواجهة هدفها تقديم خصائص أساسية للمستخدم دون سرقة انتباهه، هذا أمر صعب لكن ليس مستحيلاً، سيمبو مثال لذلك سواء نجح أم لم ينجح، إن كنت مصمماً أو مطوراً فهناك ما يمكنك تعلمه من سيمبو.