محطات حياتك كيومك...
إنا بذور صغيرة حملها رحم الأرض، فنبتنا حين تنفسنا ضياء الشمس؛ لنحيا في الظل و النور حياة كُتب لنا في الغيب مداها، وصورة بياضها وسوادها، وغرست الشمس في أعيننها ضياءها؛ حتى كنا في يومنا كحياة تشبه حياتنا التي كُتبتْ لنا بأسطر القدر.
إنا نولد عندما يولد الصباح، ونخرج مع الصباح الوليد كطفل يبدأ في أول خطى السير والأحلام، وتتحول هذه الأحلام مع شمس الصباح كجنة في قلوبنا، وفي أرض فكرنا، وكأنها سواق من بهجة نغدو معها كأننا ما زلنا صغارا نحلم بالحلم الممتد علنا ندركه على قوارب شمس الضحى حين تراقصها الظلال.
علينا أن نكون كطفولة يومنا؛ لأننا مثل صباحه في بدايته وبداية حياتنا فلنعش معنى طفولة القلب في يومنا، ولنكن كصباح مشرق، ووهج ممتد، ولنجعل أعيننا ممتدة مسافرة كسفر أشعة الشمس ما بين مشرق مغرب، فلنعش كشمس توقظ النائمين دفئا وتلاعب رؤوسهم كطفل صغير يحمل الأمل بين عينيه.
يعلمنا الصباح بأننا مثله؛ فهو يأتي بالأمل، ويوزعه في حقائب نور فلنعش طفولة الصباح ونحن نشم رائحة الأمل النائمة على أوراق الزهر، ولنعانق خضرة البدايات في دروب الصباح تلك التي تطير بأرواحنا نحو إشراقات الأحلام؛ ولنكن على طبيعة فطرتنا كالصباح، و كما يريدنا الإسلام سلاما أبيض، ورايات عزم كالعاديات تتقدم دروب الظفر، وتحمل أكاليل النصر على جباه العزة والتوكل .
لنخرج للدنيا كما تخرج العصافير من أعشاشها وهي تعلن عن مآتي النهار، وتغير مواقعها... لتعطي كل غصن أخضر حقه من النشوة والفرح؛ فلنوزع ألوان السعادة على صفحات يومنا ودروب سيرنا.
قال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" الروم (54)
في هذه الآية الكريمة يوجهنا الله (تعالى) بأن حياة الإنسان في هذه الدنيا مراحل مختلفة، وإنها لتبدأ بالضعف، وعدم القدرة، وتنتهي إلى قلة الحيلة والانطفاء.
إن أوقات يومنا ما بين فجر وظهيرة ومساء ما هي إلا تذكيرا لنا بمراحل حياتنا؛ فيبدأ يومنا بالضعف الذاهب إلى القوة وبالشمس الوليدة والخطوات الأولى كخطواتنا الطفولية الأولى التي أتت من الغيب كشمس النهار التي يكبر معها زمن اليوم إلى أن ينتهي بمساء مظلم كحالنا نكبر، وننتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
فلنكن كالظهيرة كشمسها كقوة الحق وما زال الأمل ممتدا معنا مرابطا في مساعي كواهلنا.
ولنشابه العصر في الوقوف على أرض صنعناها بخيوط ما مضى من نهار وعدنا محملين بسلال النور والدفء نهديها الأسرة والجيران.
ونحن كالمغرب نودع ضجيج العالم، ونحتوي أنفسنا كما النهار يودع العالم، وكالليل نلملم أنفسنا ونحتضنها حين تكون نجوم المساء أكاليل بهجة تعلو بساط السماء تطعمنا الأضواء بملاعق الصفاء، وكأنها تكسونا ملابسا لولبية لكي نطير معها، وندور كحلقات من نور .
وكالليل راحة وسكون، وما العمل في النهار- شباب اليوم - إلا لراحة الليل ،وما العمل في الشباب والقوة إلا لراحة الشيخوخة؛ ولراحة الأيام الأخرى، وما تجدد الأيام إلا إذانا بيوم البعث، والخروج للحساب
فقد أتينا من ظلمة الرحم إلى حياة لا نعلمها هكذا سنخرج من ظلمة الدنيا إلى عالم آخر لا نعلمه! وكلما كان الإنسان قويا في بنيته عاش حياة هانئة في دنياه، وكلما كان قويا في دينه مرتبطا بأصل وجوده سينعم في آخرته، وما أعمارنا إلا صفحات نسجل فيها ما رغبناه.
وصدق الخليل بن أحمد الفراهيدي حين قال:
وما هي إلا ليلة ثم يومها
وحول إلى حول وشهر إلى شهر
مطايا يقربن الجديد إلى البلى
ويدنين أشلاء الكريم إلى القبر .