اعتدت أن أحتفظ في داخلي بالكثير من النصوص وآلاف السيناريوهات، عن أشياء حدثت وأخرى كادت أن تحدث، أو ربما كان مقدراً لها أن تحدث لولا أن تدافعتها أقدار أخرى، ثم تلك التي لم تحدث، أخفيتها حتى عن سجل ملاحظاتي الفوضوي في هاتفي على اعتبار أن كل شيء فيه افتراضي وسيبقى كذلك، بجانب كوني شخصاً يحب اختبار جميع الفرضيات، وهو ما أجده أمراً مرهقاً وممتعاً في الوقت ذاته، ولربما كتبتها ثم تخلصت منها لاحقاً، آملة أنك أكون قد تخلصت منها حقاً.
ولأن الرؤى تتحقق كما أؤمن دوماً، فضلت أن لا أقصص رؤياي، لكونها لا زالت في طور الأحلام ولم يتم البدء في تنفيذها أوتحقيق بوادرها الأولى بعد، ووددت لو أن لي طائراً أفلته كلما حظيت بحلم استثنائي، أرسله معه وأرى تفاصيله في عالمي كلما لامَسَت جناحيْ ذلك الطائر سماوات الأمل والرجاء الواسعة، لأجد فيها حرية إمتلاك ما أشاء من أحلام، وحرية الإرادة تجاه ما أحلم به، ورغباتي بإحالتها واقعاً، وحتى إن لم يحدث فهذا لأن حلماً آخر على وشك أن يكون لي، لكي أختبر من خلاله شعوراً أقوى تجاه حقيقته، وفي كل مرة تصبح مشاعري أكثر قدرةً على فهم أحلامي، على المضي بها وفيها إلى الدرب الذي أختاره، في كل مرة كنت أجدني ومع كل حلم جديد أخلق نوعاً آخر من الشعور الملائم لتفاصيله، فلا أخشى أن يضيع مني أو يستحيل خيالاً عابراً، ولعلني كنت أجد الطريق شاقاً ومؤلماً في بدايات تلك الرؤى لأكتسب هذه القوة الشعورية التي تتحقق كلما عرفنا ذواتنا وكلما صرنا أكثر قدرة عى رؤيتها بصدق في كل حلم ندركه بحواسنا الروحية، فللروح كما أؤمن حواس خاصة نتعارف بها ونعرفها، كما للجسد حواسه التي يتعرف بها على العالم المادي، ولأن كل شيء يتحقق بقدر قوانا الشعورية تجاهه، بقدر ما نمنحه من حب وإيمان، بقدر ما يكون فينا يصير لنا، بقدر ما نكونه يصير، فللأمور والأقدار سحر التكوين، ولطف التجلي، ونعيم التسليم.
من هنا أدركت وصية يعقوب ليوسف : (لا تقصص رؤياك)، وأدركت سر مرور يوسف بمراحل شعورية قاسية ومؤلمة، مليئة بالغموض والتسليم المطلق قبل أن تتحقق رؤياه الأولى، قبل أن يرى الشمس والقمر معاً، وقد أصبحتا لديه، بعد أن أخضع كل شعوره مع كل مرة وجد فيها نفسه أمام حلمٍ لا يشبهه (إنه ربي أحسن مثواي)، وأعرض، عن الأذى، واللوم وقسوة الأحقاد الأخوية، ظلمة الجب، وإثم الحب، حين لا يكون مقدراً، يوم أن تسامى عن ذلك الشعور تحققت رؤياه بالملك، فقد ملك حلمه وأمره، ووجد في الحلم سبيله (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين).
(وكذلك يجتبيك ربك) ... فآمن بأحلامك.