قد يبدو العنوان ضرباً من الجنون، وهكذا يمكنني البدء دائماً.
قد يبدو التعبير عما يجول في خواطرنا مهمة عسيرة ومليئة بالغموض أحياناً خاصةً إذا وجدنا انفسنا عزيزي القارئ خارج الشعور, خارج الزمان، والمكان، حسناً هذا ما يسمونه بالتيه. لكن ما عرفته مسبقاً أنه لا بد أن نتوه لنعثر على طريقٍ يشبه رغباتنا الحقيقية وأعني بالحقيقية تلك الغير متعلقة بالماديات وإنما بالقيم والمثل الداخلية وبعض الروحانيات، تلك التي تعترض استمتاعك البريء والمتكرر مع شلة من الأصدقاء، وحين تعمل تتواجد حولك، تشعر بها في فضائك الخاص، وحين تكون وحدك وأعني حقاً وحدك، أي بلا ماضٍ ولا مستقبل، فقط أنت، في اللحظة التي تستشعر عمق تواجدك، واتصالك بالكون وخالقه، يصبح لكل الأمور حينها معنىً آخر شبيه بذوبان سرمدي، وفي هذه اللحظة تدرك سبباً لكل شيء حتى وإن لم تعرفه، ستظل مأخوذاً بدهشة الأقدار الإلهية وتزامنها مع الخير المطلق، سوف تطلق ابتسامة دافئة، وتصبح نظراتك أقل حدة، سترى كل شيء بمرآةٍ صافية، بلور يعكس ضوئك الداخلي إلى الخارج، وبقدر ذلك الصفاء يصبح الإنعكاس أوضح تأثيراً.
تغدو أنت أكثر من ذي قبل، فقد اختبرت الشعور الطفولي من جديد، كونك أتيت إلى هنا لتحافظ على براءة هذا الشعور، إذ يمكنه أن يفتح قلبك وعينيك وفكرك أكثر فأكثر على الحياة، تنظر إليها نظرة المغامر الصغير، بقلبه الذي لم يخبر الخوف بعد، ومهما سقط لا شيء أكثر إمتاعاً من اللحظات التي تدفعه للنهوض كما لو أنه لم يسقط من قبل، وذلك الشغف الحارق في صدره يدفعه بقوة لأن يشبع فضوله، تجاه الكون أجمعه، وبينما يمضي في دربه ينشر لطف برءاته حوله، يقدم العون لنملة صغيرة كادت أن تغرق في نقطة من الماء، يلاحق بنظراته فراشة كبيرة تتراقص أمامه برقة أخاذة، ويرى السحر متمثلاً في كل شيء جديد، ومع كل صباح ينطلق فقط ودون أن يفكر بالأمس، ينطلق لأنه ما يزال هناك الكثير ليعرفه ويفهمه ويختبر لذة الشعور به وكأنها أول مرة رغم أنها قد تكون العاشرة بعد المائة.
كن لا شيء بعد كل شيء... كن فقط !