اسدل العراقيون الستار على تصويت الناخبين في الانتخابات المحلية 2023 يوم الاثنين الموافق 18 / 12 ؛ والتي جرت تحت اشراف دولي وحكومي وجماهيري بالإضافة الى متابعة وسائل الاعلام ومراقبي الكيانات والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني .

وجدير بالذكر، أن انتخابات مجالس المحافظات للعام 2023 ؛ هي الثالثة التي تشهدها البلاد بعد سقوط نظام  السفاح صدام  عام 2003  , وتكتسب انتخابات 2023 أهميتها الإضافية من كونها تجري وللمرة الأولى منذ عام 2013، وقبل ذلك، أجريت انتخابات مجالس المحافظات في عام 2009 فقط ... ؛  وكان من المقرر إجراؤها عام 2018، تزامنا مع الانتخابات البرلمانية حينها، لكن أرجئت أكثر من مرة ... , وعلى وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة وصلت ذروتها في خريف عام 2019، صوّت مجلس النواب العراقي حينها على حل تلك المجالس وإنهاء عملها، وهو أمر كان من بين مطالب المتظاهرين ... ؛ المطلب وان كان شعبيا ونخبويا وقتها الا انه يتقاطع مع الدستور العراقي الذي صوت عليه الشعب , وبما ان الامريكان يعملون على ديمومة ونجاح التجربة الديمقراطية ولو شكليا في العراق , باعتبارها من مقرراتهم السياسية ونموذجهم الديمقراطي في الشرق الاوسط  , رحبت السفيرة الامريكية بنتائج الانتخابات المحلية , لأنها تمثل خطوة مهمة في مسار الدولة نحو التحول الديمقراطي والتعددية الحزبية والتنافسية السياسية ... ؛ وعليه من يريد الغاء مجالس المحافظات ؛ لابد له من المطالبة بتغيير مواد الدستور العراقي واعادة صياغته مرة اخرى اولا ؛ كي يتنسى له فيما بعد الغاءها . 

وبحسب الدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة، فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة ... ؛ اذ تعد مجالس المحافظات في العراق بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، حيث لهذه المجالس المنتخبة الحق في إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات ... ؛ وللمجالس الحق في رسم السياسة العامة لكل محافظة تابعة لها وتحديد أولوياتها في المجالات كافة، بالتنسيق المتبادل مع الوزارات والجهات المعنية. وفي حالة الخلاف تكون الأولوية لقرار مجلس المحافظة... , كذلك، يقع على عاتق مجالس المحافظات العراقية انتخاب المحافظ ونائبيه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس خلال مدة أقصاها 30 يوما من تاريخ انعقاد أول جلسة له... ؛ كما يمكن للمجلس استجواب المحافظ أو أحد نائبيه لعدة أسباب، من بينها هدر المال العام أو الإهمال والتقصير في أداء الواجب، أو عدم النزاهة والاستغلال الوظيفي ... ؛ وتملك هذه المجالس صلاحيات رقابية على جميع أنشطة دوائر الدولة في المحافظة، لـ"ضمان حسن أداء عملها"، باستثناء المحاكم والوحدات العسكرية والكليات والمعاهد والدوائر التابعة للحكومة الاتحادية.(1)

ويرتكز النظام الديمقراطي الذي صوت عليه الشعب العراقي بعد عقود طويلة من الحكم الدكتاتوري الرهيب ؛ على العملية الانتخابية - بشقيها البرلمانية والمحلية -  , وهي بدورها تكشف عن ارادة الجماهير , ومن هنا جاءت اهمية المشاركة الانتخابية , والتي تكمن في قوة اصوات الناخبين والتي قد تقلب الموازين السياسية من خلال صناديق الاقتراع كما هو الحال في الدول الديمقراطية والمتحضرة , فالتغيير السياسي يحصل بسبب الحراك الجماهيري والمشاركة الشعبية في الانتخابات ؛ لا من خلال  تنوّع الأطروحات  السامة والزعامات المتمردة ,  وتكرّار  المحاولات العنفية والاجرامية والارهابية والتي تهدف لهتك سيادة الحكومة وتعريض امن الدولة للخطر وارباك الاوضاع العامة ونشر الفوضى والجريمة في المجتمع بأعذار شتى غير مقبولة , وبما ان الامة والاغلبية العراقية فضلت الديمقراطية على سائر انظمة الحكم الاخرى ... , وعليه لابد من الالتزام بكافة لوازم الديمقراطية , والايمان بقيمها ومثلها , والعمل بمجرياتها ونتائجها والياتها , فقد قيل قديما : من التزم بشيء التزم بلوازمه , فلا مناص امامنا سوى القبول بنتائج انتخابات مجالس المحافظات , ومن لديه طعون فيقدمها للقضاء العراقي ... ؛ وان كنت ناقما على الية من اليات النظام الانتخابي , فما عليك سوى المطالبة بتغييرها وبالطرق السلمية , وقد تم تغيير اليات واجراءات العملية الانتخابية في الانتخابات البرلمانية والمحلية لأكثر من مرة ... , فالبعض في هذه الانتخابات والسابقة شكا من قضية التلاعب بالنتائج وشكك بمصداقيتها , فقد اتصل بي احد شيوخ العشائر المرشحين المستقلين  ضمن احدى القوائم الحزبية وهو متأكد من تصويت ابناء عشيرته واصدقاءه له , وقد وثق الناخبون تصويتهم له ,  بالإضافة الى مراقبي المراكز الذين نقلوا له اعداد الناخبين وأكدوها  , الا انه صدم بالنتيجة وتبخر اصوات الناخبين , وقدم طعنا في النتائج وهو بانتظار الرد ... , والشيء بالشيء يذكر : في انتخابات عام 2021 البرلمانية استلمت مفوضية الانتخابات اكثر من 1400 طعن  , وهذه مسألة واردة في عالم السياسة ,  اذ يوجد اكثر من212 نظام انتخابي في العالم ، ولكل نظام مزاياه وعيوبه , فلا يخلو نظام لانتخابي من عيوب الا ان هذا لا يعني السكوت وغض الطرف عن الاخطاء بل المطالبة بتصحيحها من خلال ايجاد الية دقيقة للعد والفرز مثلا , وقواعـد فنيــة محايدة تنظم سير الانتخابات ... ؛ وعليه لابد للجميع من الالتزام بنتائج الانتخابات والقبول بها , والعمل في المستقبل على تصحيح الاخطاء الانتخابية وتحصين عملية التصويت ... ؛ فالأمور تعالج بالحكمة والرأي السديد لا بالعنف والفوضى والنزاعات . 

وليكن في علم ابناء الاغلبية والامة العراقية انه بعد الايمان بالنظام الديمقراطي ؛  لا خيار لنا سوى السلمية ونبذ العنف في ممارسة انشطتنا وفعالياتنا السياسية ؛  اذ ستكون ثوراتنا واحتجاجاتنا عبر  صناديق الاقتراع , واستبدال الفاسدين والفاشلين  بالأحرار الوطنيين والرجال المستقلين ، وتغيير القوانين بالطرق السلمية والمطالبات الجماهيرية الواعية .  

فان لم نقتنع بنسبة المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات او تلك , فما علينا سوى المطالبة بتغيير قانون الانتخابات ...  , لان دستور العراق لا يوجد فيه ,  ما يحدد نسبة معينة لإضفاء الشرعية على الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات , وقانون الانتخابات يخلو من أي عتبة انتخابية لتحديد شرعيتها وفق نسبة المشاركة فيها ... ؛ فنسب المشاركة لا قيمة قانونية لها مهما بلغ انخفاضها ... . 

نعم قد تتعرض العملية السياسية للتلاعب بالنتائج والتزوير احيانا , وقد تتصدر المشهد السياسي الفوضى الجماهيرية والشعبوية التي تجهل مصالح البلد العليا ولا تعي مقدار وحجم التحديات الخارجية والداخلية , وقد تضغط القوى الكبرى والاحزاب الكبيرة في سن قوانين تخص الانتخابات تصب في مصلحتها , وقد توجد العديد من الثغرات في العملية الانتخابية والقانون الانتخابي  , وقد تشهد الانتخابات عزوفا كبيرا من قبل الجماهير المحبطة , وقد لا تستطيع الاحزاب المستقلة والمرشحين المستقلين منافسة الاحزاب القوية والشخصيات المتنفذة والغنية ... الخ  , ومع كل ما يثار بشأن عملية الانتخابات في العراق ودول العالم الاخرى ؛ يبقى النظام الديمقراطي هو الافضل ؛ وصدق ونستون تشرشل عندما قال مقولته الشهيرة : ((   النظام الديمقراطي هو أسوأ أنواع الحكم إلا إذا قورن بغيره)) لأنك فيه تستطيع الاعتراض والاحتجاج وتعديل القوانين وتصحيح الاخطاء ؛ وقد شاهدنا كيف مر قانون الانتخابات في العراق بمساراتٍ وتعديلات عديدة , وكلما ازداد الوعي السياسي الجماهيري وارتفعت اصوات النخب والشخصيات المطالبة بإجراء التعديلات وسن القوانين العادلة , وازدادت نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات ؛ كلما كانت النتائج ايجابية وتمثل ارادة الشعب والامة .

ونحن في هذه المقالة لسنا بصدد تأييد بقاء مجالس المحافظات او الغاءها , او مقاطعة هذا الفريق او تلك الجماعة للانتخابات , او مشاركة تلك الجماعة في الانتخابات ؛ فهذه الامور تعد مخرجات طبيعية للعملية السياسية والتجربة الديمقراطية ؛ اذ انها تكفل حقوق الناس , وتحترم اراءهم , ولا تجبر احدا على هذا الخيار السياسي او ذاك ؛ وانما نحاول الاشارة الى مخاطر الانجرار الى الصراعات الداخلية والنزاعات العسكرية والحرب الاهلية ؛ تحت ذريعة فساد الانتخابات او بطلانها ؛ فقد سئمت الامة العراقية من عقود العنف وسنوات الاحتكام الى منطق السلاح والقتال والتخوين ؛ وامنت  الامة العراقية كما امنت من قبلها شعوب الارض المتحضرة بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة , فلا يحل الخلاف بالقتال ولا تعالج الانحرافات  والقرارات بالحروب والصراعات ؛ وانما بالطرق السلمية والبدائل السياسية والوسائل القانونية , والا اضحت الحياة غابة , و اصبح الواقع العراقي جحيما لا يطاق . 

......................................................

  • 1-ماذا تعرف عن مجالس المحافظات في العراق؟ / الحرة – دبي .