عندما أمتطي الركبَ إليكِ


مي سعيد


لُغَتي هل تعلمينَ بأنّ نبضِي مزروعٌ بينَ حروفِ كتبِكِ، وبياضِ صحائفِكِ؟

و كأني مازلتُ أرى فيكِ فراهيدي عصري،وسيبويه النحوِ، وأنا وفخري بكِ أرى عُرَى الإعرابِ مُلْجَمَةً بلجامٍ من قلبي أسْرُجُه بدقةِ فنانٍ محترفٍ، واتشدقُ بِحَلِّ غَرزاتِه تشدقَ المزهوِ بنفسِهِ.

أمتطِي الركبَ إلى عَلمٍ من أعلامِكِ لألجَ أسفارَ سطورِهم ،وأستظلَ بأفياءِ فكرِهم في قيلولةٍ أستعذبُ فيها رحابةَ حِلْمِهم، وصدقَ عواطفِهم،واحتمي بها من جَونَا لِيَاحٍ تضْربُني بسياطِها؛ فاعقلَ من تجاربِهم زِمامَ شدائدِي.

فأنا إنْ أخذْتُ بزمامِ معانيكِ سيسيرُ رَكْبي في وهادِ إعرابكِ المبسطِ بلا تعسفٍ، ولا تكلفٍ في سبيلكِ ألا حدودي، وسأصلُ إلى واحاتِك أغترفُ من مَعينِ جرِّك المنسابِ وانتصبُ تحتَ دوحاتِ رفعِك المتأصِلةِ.

لغتي... هل تعلمين؟

بأنَّ شيئا من سَنابلِكِ التي كانتْ في بيادرِك دخلتْ في أوردتي دون أنْ أعيَ؛ فنمتْ فيّ كبذورٍ مشعةٍ، وذاكَ عندما كنتُ في كَنَفِ الأبوةِ الخصبةِ  التي كانت تتلذذُ بسنابلكِ وترتشفُ من نقاءِ ما انصبَّ فيها من بحركِ، لكنها غادرتْنا في حداثةٍ مني؛ فلم أعِ بأنها قد جعلتني أتناغمُ مع جمالكِ؛ فباتتْ تأسرني دندناتُ أشعاركِ، وفواصلُ سجعكِ على مُدرّجِ نثركِ.  

أيتها الحكيمةُ المرتديةُ ثوبَ الطهرِ ،الحاملةُ مِسباحَ المرادفاتِ، المتوحشةُ بحكاياتِ المروءاتِ قد طرقتْ مفرداتُكِ بابَ فكري فسَرَتْ في نفسِي منها ابتهالاتُكِ وجرتْ جريانَ الروحِ،وأسرتني في قوالبِ أوزانِكِ المتصرفةِ فتلذذتُ بذلك، وخرجتُ من قوالِبكِ بهالةِ بدركِ ؛ فكلُّ من أبحرَ فيكِ ستنتظرُه سواحلُ العزةِ، ومرافىء الاتساع.

لغتي ما أنتِ إلا ترجمةٌ لنفسي الحالمةِ بشعاعٍ نوراني يغلفُ الدنى بَياضا، إنه عالمي الداخلي المفتونُ بالمثاليةِ والباحثُ عن المروءاتِ فما وجدها إلا في ملاحمِ بطولاتِكِ وقصصِ عروبتكِ ومنارةِ معلقاتِكِ.

 معانيك كمذاقٍ أغمضُ العينين معه لأستلذَ فحواه، أنتِ قصيدتي الشامخةُ في قمةِ الصمودِ والتي أحاولُ الوصولَ إليها أتعلقُ بعروضِها مُحاوِلةً أن أمدَّ حبالي لعلي أستظلُ تحت ظلالِها ويوصلني الشغفُ بها إلى ضَربِها الذي أخافُ أنْ يلفظني لأني ما زلتُ أبحرُ أول قواربي إليه وما زلتُ أمسكُ أولَ ريشةٍ محاوِلةً الوصولَ إلى ألوانِه التي عمتْ فضاءَ نفسي واختبأتْ في متاهاتِ روحِي.

جونا لياح:الشمس الحارقة