ستبدو غايةً في البلاهة إذا ذهبت إلى أحدهم وقلت له : "لدي فكرة رائعة، إنها تزن خمس جرامات ولونها أخضر".. هل تعتقد أنه سينفجر ضاحكاً في وجهك؟ لابد أنك حتماً ستثير استغرابه بهذا الوصف الغريب.. تخيل أن أحدهم أتى إليك يوماً وقال لك: "لدي فكرة ستغير العالم" .. هل سترد عليه وتقول: "ما هو طولها؟ هل هي مربعة أم دائرية؟" بكل تأكيد "لا".. لكن السؤال المهم هو لماذا لا؟ لماذا لا نستطيع أن نطلق هذه الأوصاف على أفكارنا وأحلامنا؟ الإجابةُ بكل بساطة تكمن في أنها أفكار وصفية محددة، تقصُر الأشياء على أطوال معينة، أوزان، ألوان، أحجام معينة.. ولكن أفكارك، أحلامك، لا حدود لها!
أنت تستطيع أن تصف هذه الطاولة بأن تقول أن طولها متر وعرضها ثلاثة أمتار وارتفاعها نصف متر.. إنك تستطيع أن تحصر كل شيء في هذا العالم في أبعاد معينة وبقياسات معينة.. بمجرد قولك بأن هذه الطاولة السوداء تزن خمس كيلوجرامات فإنك حددتها في بُعد معين، إنها سوداء، هي ليست خضراء أو حمراء أو صفراء، هي شيء واحد فقط، إن وزنها خمس كيلوجرامات، ليس ستة ولا سبعة، هي محصورة في وزن واحد فقط، ما قمت بفعله هو أنك "قننت" الطاولة، قننت الشيء، وهو أن تجعل له حدود لا يتخطاها، أن تستطيع أن تُقنن كل شيئ، ولكن كل محاولاتك لتقنن الأفكار والأحلام هي محاولات فاشلة.. لأن أحلامنا وأفكارنا بطبيعتها لا تستطيع أن تُحصر في بُعد واحد أو اثنين أو ثلاثة.. أنت تستطيع أن تحلم عن أي شيء وبكل شيء، تستطيع أن تتخيل أنك أصغر من نملة، وأن تتصور نفسك في اليوم الثاني أكبر من الأرض، لا يوجد حدود لأفكارك، ولا يوجد حدود لأحلامك، لا تملك شكلاً معيناً، لا تملك طولاً ولا وزناً ولا رائحة ولا لوناً.. إنها أعظم الهبات للنفس البشرية.. أن تتمكن من أن تحلم وتفكر..
لذلك عليك أن تتذكر جيداً في المرة المقبلة حين تقف أمام المرآة وقبل أن تخلد إلى السرير في الليل وحين تغازلك فكرة مجنونة مهما بدا جنونها أنها ممكنة، وحين تحلم تذكر أن تحلم بلا حدود، تذكر أن تفكر دائماً بلا أي حواجز، فأولئك الذين يفكرون بلا حدود، هم وحدهم من يخلقون أفكاراً تغير العالم.
لا تكُن من أولئك الذين يتحدثون عن الأحلام أكثر مما يحلمون..
"الخيال أهم بكثير من العلم.. العلم يأخذك من (أ) إلى (ي)، الخيال يأخذك إلى كل مكان"
ألبرت آينشتاين.