ن

طالبة ، طب الاسكندرية

مدة القراءة: دقيقتين

الرسالة ؛ الورقة الأخيرة.

"

- ماذا ؟

- اختفي !

- كيف ؟ ماذا تقصد ؟

- أقصد أنه أنه اختفي ، فص ملح و داب !

- هل تمزح معي ؟ هل جننت ؟! . عليّ ! أين مصطفي ؟!

- لا أعلم ! لا أحد يعلم ، لقد اختفي فقط يا غيث !

- لا أفهمك ! كيف يختفي فردٌ من بينكم هكذا بتلك البساطة ! هل جننتم جميعا!

لم يجبنْي عليّ ، و لم يجبني غَيْرُه أيضًا . ذهبتٌ مغاضبًا أفكر كيف اختفي ، و كيف هم جالسون هكذا كَأَنَّ شيئا لم يحدث !

أخبرت أبي فأجابني بالصمت أيضًا ! هل أُصيب الجميع بداء الصمت فجأة !

و انتظرته ليعود ، ليظهر ، لأراه !

لكن مصطفي لم يعد ذلك اليوم ، لم يعد أيضًا اليوم الذي تلاه ، و لا الذي تلاه ، انقضى الشهرُ و لم يعد !

أظنني استغرقت وقتًا طويلًا في استيعاب كيف يمكنٰ للفرد أن يختفي هكذا ! لم أصدق ، غالبت ، لابد أن هناك خطأٌ ما . أجل هناك خطأ . لكن أين !

" نحن الخطأ ، أجل ، الجميع يرانا هكذا ، الخطأ هو وجودنا في هذه الحياة ، هذا الكوكب، هذه البلد . و كأننا خُلقنا بملكنا . اننا خلقنا لكي نُذل و نفشل و نُحبط و نُعذَب ، خلقنا لنري أحلامنا تتهاوي أمام أعيننا ، خلقنا لنحمل من الهموم ما تنوء به الجبال ، خلقنّا لنموت !

لذلك سأفعل ، سأموت ، سأرحل من هذا العالم الذي فاض بخُبثه ، سأموت كي أحقق ما خُلقتُ من أجله ، سأموت علنّي أنجحُ في شئٍ واحد في حياتي ! "

قالها ثم قفز ! ذلك الشاب الذي لاقيته مُرابطاً يتأمل ذلك النيل العظيم بتلك النظرة البائسة .

كان قد أخبرني بكل شئٍ ، منذ أن بدأ يتعرف علي أمه و أبيه حتى تلك اللحظة التي رآني فيها .

لا أعلم ما جعله يقص حكايته عليّ دون سابق معرفةٍ أو حديث . أ لأنني شاركته النيل و النظرة البائسة ؟ أم لأنه أحس بقرب الرحيل فأراد أن يرحل بنفسًا مطمئنة البال لا تحملُ همًّا .

كنت أفكر في قصته حين اختفي فجأة ! أفقت علي ذكره للموت لأَجْد جسده في مسرعًا في مساره لذلك النيل !

صُعقت ! صرخت ! ناديت عليه ، علي مُنقذ ، علي أي أحد أي شئ !

و لكن الكون خلا من كل شئٍ سواى !

لم تذكرتُ قصة هذا الشاب و أنا أكتب تلك الوريقات ! قد مر عليها شهور عدة . مرت بآفاتها و نوائبها .

هل تراه ارتاح حين قفز ؟

لمّا لا ، أليس الموت راحة من كل شر ؟

و هل هناك أشر من تلك الأيام التي نعيشها ؟

لا أدري لم أَجِد روحي تسوقني لأذهب لهذا المكان مرة أخرى . لم أمر به منذ تلك الحادثة . لم أجرؤ علي ذلك .

ذلك الشاب ، لقد حمّلني قصته ثم رحل ، رحل في هدوءٍ تام !

تنازعني تلك الرغبة المُلحة للذهاب ، مرة أخرى إليّ هناك علنّي أَجِد من أقصُ عليه قصتي و أرحل في هدوءٍ مثله ! . "

ن
نورهان الصّباغ

طالبة ، طب الاسكندرية

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات