"

- ماذا ؟

- اختفي !

- كيف ؟ ماذا تقصد ؟

- أقصد أنه أنه اختفي ، فص ملح و داب !

- هل تمزح معي ؟ هل جننت ؟! . عليّ ! أين مصطفي ؟!

- لا أعلم ! لا أحد يعلم ، لقد اختفي فقط يا غيث !

- لا أفهمك ! كيف يختفي فردٌ من بينكم هكذا بتلك البساطة ! هل جننتم جميعا!

لم يجبنْي عليّ ، و لم يجبني غَيْرُه أيضًا . ذهبتٌ مغاضبًا أفكر كيف اختفي ، و كيف هم جالسون هكذا كَأَنَّ شيئا لم يحدث !

أخبرت أبي فأجابني بالصمت أيضًا ! هل أُصيب الجميع بداء الصمت فجأة !

و انتظرته ليعود ، ليظهر ، لأراه !

لكن مصطفي لم يعد ذلك اليوم ، لم يعد أيضًا اليوم الذي تلاه ، و لا الذي تلاه ، انقضى الشهرُ و لم يعد !

أظنني استغرقت وقتًا طويلًا في استيعاب كيف يمكنٰ للفرد أن يختفي هكذا ! لم أصدق ، غالبت ، لابد أن هناك خطأٌ ما . أجل هناك خطأ . لكن أين !

" نحن الخطأ ، أجل ، الجميع يرانا هكذا ، الخطأ هو وجودنا في هذه الحياة ، هذا الكوكب، هذه البلد . و كأننا خُلقنا بملكنا . اننا خلقنا لكي نُذل و نفشل و نُحبط و نُعذَب ، خلقنا لنري أحلامنا تتهاوي أمام أعيننا ، خلقنا لنحمل من الهموم ما تنوء به الجبال ، خلقنّا لنموت !

لذلك سأفعل ، سأموت ، سأرحل من هذا العالم الذي فاض بخُبثه ، سأموت كي أحقق ما خُلقتُ من أجله ، سأموت علنّي أنجحُ في شئٍ واحد في حياتي ! "

قالها ثم قفز ! ذلك الشاب الذي لاقيته مُرابطاً يتأمل ذلك النيل العظيم بتلك النظرة البائسة .

كان قد أخبرني بكل شئٍ ، منذ أن بدأ يتعرف علي أمه و أبيه حتى تلك اللحظة التي رآني فيها .

لا أعلم ما جعله يقص حكايته عليّ دون سابق معرفةٍ أو حديث . أ لأنني شاركته النيل و النظرة البائسة ؟ أم لأنه أحس بقرب الرحيل فأراد أن يرحل بنفسًا مطمئنة البال لا تحملُ همًّا .

كنت أفكر في قصته حين اختفي فجأة ! أفقت علي ذكره للموت لأَجْد جسده في مسرعًا في مساره لذلك النيل !

صُعقت ! صرخت ! ناديت عليه ، علي مُنقذ ، علي أي أحد أي شئ !

و لكن الكون خلا من كل شئٍ سواى !

لم تذكرتُ قصة هذا الشاب و أنا أكتب تلك الوريقات ! قد مر عليها شهور عدة . مرت بآفاتها و نوائبها .

هل تراه ارتاح حين قفز ؟

لمّا لا ، أليس الموت راحة من كل شر ؟

و هل هناك أشر من تلك الأيام التي نعيشها ؟

لا أدري لم أَجِد روحي تسوقني لأذهب لهذا المكان مرة أخرى . لم أمر به منذ تلك الحادثة . لم أجرؤ علي ذلك .

ذلك الشاب ، لقد حمّلني قصته ثم رحل ، رحل في هدوءٍ تام !

تنازعني تلك الرغبة المُلحة للذهاب ، مرة أخرى إليّ هناك علنّي أَجِد من أقصُ عليه قصتي و أرحل في هدوءٍ مثله ! . "