بطبيعة الحال، يجب التعامل بحذر مع الأرقام، خصوصا أرقام استطلاعاتالرأي. نتذكر هنا أن استطلاعات الرأي جميعها كانت تمنح المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، هيلاري كلينتون، تفوقا على منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، لكن يوم التصويت "جاء بما لا تشتهي السفن".
ربما كانت المشكلة في دولةٍ مثل الولايات المتحدة فائض "استطلاعات الرأي"، وهي التي حولت كل شيء إلى أرقام، فأصبحت أغلب النقاشات محكومةً بلغة تفرض أنها تتحدث عن الوقائع بدقة، بينما هي بالكاد تقترب منها، وربما جاءت بنتائج "غير متنبأ بها".
لدينا في العالم العربي حالة تقف على النقيض تماما، فاستطلاعات الرأي نادرة، وتقوم بها غالبا مؤسسات غربية، والنقاش في قضايا الرأي العام تخضع للتخمين والظن من النخب، أكثر من محاولة الاقتراب مما يفكر ويعبر عنه المواطن العربي واقعيا. من هنا، تأتي أهمية "المؤشر العربي" أو الاستطلاع الذي ينفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنويا من 2011 في عدة دول عربية، إذ يسهم في رسم خريطة "رأي" تقريبية للمواطن العربي.
يخبرنا "المؤشر العربي" أمرا مختلفا تماما عن "إدعاءات" شعبية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في بعض الدول العربية، والسعودية تحديدا. يكاد أن يخبرنا عكس ما يردّده "محللو الإرهاب" المستضافون في القنوات التلفزيونية بصورة دائمة، الحريصون على تصوير كل عربي، وكل مسلم، باعتباره "نصيراً مستتراً لداعش" إلى أن يثبت العكس.
جاء استطلاع المؤشر العربي في 2016، ليؤكد ارتفاع نسبة من لديهم نظرة "سلبية جدا" تجاه داعش، في 12 دولة عربية، من 72% في 2014 إلى 89% في 2016. أما من ينظرون إلى التنظيم نظرة إيجابية جدا فـ 2% وإيجابية إلى حد ما 3% وهي نسب ضئيلة "تدخل في هامش الخطأ 2%".
ما هو ليس مفاجئا لمن يعيش في المجتمع السعودي، لكنه سيكون "اكتشافا" للخارج، كما للنخب السعودية التي تستخدم تنظيم الدولة الإسلامية لتصفية حساباتها مع الإسلاميين، أن أعلى نسب رفض لـ"داعش" كان فيالسعودية (والعراق ولبنان) بنسبة 99%. وتكاد أن تُرى هذه النتيجة في المجالس السعودية بصورة صارخة، من 2014 على الأقل.
في مقابل أن أعلى نسب النظرة (الإيجابية جدا) كانت من نصيب السودان (7%) ومصر (6%) وموريتانيا (5%)، وهي تظل نسبة بسيطة أيضا، وإن كانت مقلقة.
هنا يمكن سريعا التفكير بعاملين، ساهما بجعل نظرة العراقيين واللبنانيين والسعوديين سلبية جدا تجاه "داعش"، الأول أن هذه الدول تم استهدافها من التنظيم بصورة مباشرة بعمليات إرهابية.. واستولى التنظيم في 2014 على ثلث الأراضي العراقية تقريبا. الثاني وجود تجاذبات شيعية – سنية في هذه البلدان، ما يجعل الإحساس بمخاطر الدخول في حرب طائفيةٍ يريد التنظيم إشعالها أكبر، الأمر الذي عزّز الحساسية من خطاب التنظيم.
نجد أن هذه العوامل غائبة في مصر والسودان وموريتانيا، الاختلاف الوحيد أن التنظيم نشط في مصر، لكن في سيناء التي لها ظروف تاريخية خاصة، جعلتها خارج الدولة منذ عقود، فلا يبدو أن الحال تغير بإعلان جماعات في سيناء ولاءها للتنظيم، وهي معادية للدولة قبل نشأته. كما أن عمليات التنظيم في مصر (الطائرة الروسية) لم تتعرّض للمصريين، ولا يوجد تجاذب طائفي شيعي – سني في مصر.
هذا لا يعني أن الدول العربية ليست مطالبةً بمواجهة التنظيم، والأوضاع السياسية التي أوجدته في العراق وسورية، والأرضية الفكرية التي يقف عليها. لكن اعتبار التنظيم يملك "مؤيدين" كثيرين في العالم العربي، أمر تخالفه "الأرقام"، كما في المؤشر العربي، ويخالفه حال التنظيم، والصعوبات التي يواجهها في تاسيس خلاياه في الدول العربية، خصوصا السعودية.
(صحيفة العربي الجديد)
https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/3/15/%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-1