لازلت أذكر صورة جدي ( غفر الله له) إذا أتاه شخص يشتكي من آخر منفعلاً ،، يقول له بلغته البسيطة ( فوّت فوّت ياولدي )
لصغر عمري كنت أفهم ماتعنيه الكلمة ظاهراً لكن لاأدري مايقصد بكلامه باطناً ،،
تدور كلمته في خلدي كثيراً ،،
وبعد مرور كل تلك السنوات فهمت مايعني :
الحياة تتطلب منا كثيرا أن نتصرف كأننا لا نسمع ولا نرى في علاقاتنا مع (البشر) عامةً
ومع (الأرحام )خاصة،،
أو مع من تجبرنا الحياة أن نلتقي بهم دائما ،،
لانعني هنا بأن نكون ضعفاء وتُسلب حقوقنا ويعتدى علينا بالكلمات ونسكت ،، بالطبع لا لكن نغمض أعيينا كأننا لانرى و أذهاننا تكون مفتوحة نتغافل لأجل أن نستمر ..
وقد قيل :
ليس الغبي بسيداً في قومه إنما سيد قومه المتغابي ..
وقال الأمام أحمد :
تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل ..
التغافل : التغاضي عن أخطاء الآخرين مع العلم والإدراك بالخطأ ..
لماذا نتغافل ؟؟
لأجل أن تستمر العلاقات وتستمر المودة ،، فعلاقات الأرحام خاصة والبشرية عامة من أوثق العلاقات ..
ومن أجمل طرق المحافظة عليها أن نتبع (شعرة معاوية)
يقال إن أعرابياً سأل معاوية بن أبي سفيان : كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟، فقال: "إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها".
لابد أن نتعلّم فنون الإرخاء تارةً والشد تارة اخرى ،،
أن نتعلم فن تقبل الرأي الآخر وأن ليس بالضرورة مايعجبني يعجب غيري ونضطر أحيانا أن نمشي وفق آرائهم مادام بسيط ولايخالف القران ولا السنة ولا مبدأ ،،
الحياة تتطلب منا أن نتقدم خطوات ،، فلو اتبعنا كل شخص ومايقول وأصررنا على إثبات آراءنا في أبسط الأمور لتركنا أعمالنا وأهدافنا وانشغلنا بكلام القيل والقال ووووو ..
غير أن التدقيق بتفاصيل الحياة وصغائر الأمور يجعل عقولنا تتخذ مجرى آخر وبدل أن نفكّر كيف نبني أمّة وكيف أحقق هدفي الى كيف أغيض فلان وأفرض شخصيتي عن الآخر وكيف أكون أنا وحدي لي الرأي ..
لنتعالى عن سفاسف الأمور لأننا أرقى ولأن المستقبل يحتاج عقولنا فلانرهقه بالصغائر ..
فإذا كانت الزلة من عاقل واعتذر تُغفر وإذا كانت من سفيه لاتُذْكر ولايرد عليها لأجل أن تستمر العلاقات ،، ونقصد هنا بإستمرار العلاقات ليس بالضرورة أن تكون زيارات متعددة أو أُظهر له عكس ما أُبطن لكن أن تكون المعاملة بالحسنى والسلام والسؤال عن الحال بحدود فقط ،،
الإنسان بطبيعته يخطئ ويصيب فإذا كرهت من أخيك موقفا أو خلقا فلديه جبال من المواقف والأخلاق الحميده فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر))..
ختاماً :
دع الكلام للناس والعمل لك ،، ومع ذلك لن تسلم ،، فقد قيل على من أصلح أمّة كاملة وأخرجها من الظلمات الى النور ( شاعر ،، مجنون ،، كذاب )وضُرب وأُلقي على ظهره القاذورات فداه أبي وأمي ..
ثق بالله ثم بالقدرات التي وهبها لك ،،
وراجع نيتك واصلحها مرارا وتكرارا وتأكد من أنك لاتعمل إلا لأجل الإصلاح وليس لأجل غل أو حسد على أخيك المسلم ..
ثم اعمل بالأسباب وتعلم و استشر ..
و اعمل بكلمة جدي ( فوّت فوّت ) وعشها كثيرا
فلا أجمل من العيش بالتغافل ..
قال الشاعر:
وأسكتُ عن أشياءٍ لو شئتُ قُلتها
وليس علينا في المقالِ أمير ..