الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد خلق الله تعالى البشرية على فطرته ثم توالت المخالفات لها بشكل دوري ، بداية بقتل أحد أبناء آدم لأخيه ، فتعهد الله الناس ببعثة الأنبياء والرسل للهداية والتنبيه والرد إلى صراطه القويم ، كان آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .
ورغم الفساد الذي كان عليه الناس آنذاك من عقائد وأفكار وأعمال ، إلا أن دعوة الإسلام كانت تنفذ إلى العمق بمحاربة الفكرة الفاسدة بالحجة الصالحة.
فهذه ثلاث وعشرون سنة قضاها النبي صلى الله عليه وسلم ، منها ثلاثة عشر عاما في مكة ، لكن لم يكن يدعو إلى الإسلام بالقوة ، بل أبطل الإسلام شبهات المشركين بالبرهان في السنة والقرآن ، ولم يثبت أن حارب الإسلام أعداءه إلا لصد العدوان أوالدفاع عن فتح باب الدعوة فقط ، ثم يترك الجميع أحرارا في التصديق أوالتكذيب والحساب عند الله يوم القيامة.
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل القوة البدنية أوالأمنية في صد الأفكار لأن الفكرة ولو كانت منحرفة لن تسلب من ذهن صاحبها بـها.
فهذا القرآن الكريم يمنع إجبار الناس على اعتناق شيء بالقوة ، ومنه قوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) البقرة}
ومنه قوله تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ(29) الكهف}
وهذا عمار بن ياسر يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم بقول ما يطلبه المشركون لعدم تأثير القوة في الاستجابة للمطلب ، لأن المبدأ لا يوجد في الجسد بل في القلب ولا يطيق أحد انتزاعها من معتنـقها بالأزر أو السجن مثلا.
فهذا المجاهد الشهيد العربي بن مهيدي يعذب حتى بنزع جلد رأسه لكنه لم يحد ولم يسرّ بـماطلبه الفرنسيون المستدمرون وكان بإمكانه البوح بـما يطلبونه دون تحول عن معتقده لكنه لم يفعل لأن الفكرة يصعب انتشالها إذا التصقت بموقع الاقتناع.
والزمن القريب والبعيد يكشف لنا عن كثير من معتنقي المذاهب المختلفة لم يخرجوا عنها بالتعذيب والقهر ، منهم الصحابة رضي الله عنهم ، والعلماء ، والدعاة ، والإسلاميون المعاصرون ، والعلمانيون، وغيرهم من الفئات.
لذلك أعود للتأكيد على أن الفكرة الحسنة عند معارضيها لابد أن تثبت بالبينة والدليل ، والشبهة السيئة عند الصالحين لامناص من محاربتها بالسند والشاهد كذلك.
إن ما يحدث هذه الأيام من الترصد للطائفة الأحمدية القاديانية في الجزائر بالجانب الأمني ، عن طريق الاعتقالات والإجراءات البوليسية ، أعتبره خطرا على الدين ، ليس لنزاهة هذه الطائفة، لكن لأن مواجهة الإنسان بالاستحكام الأمني يزيده تمسكا بمعتـقده ، وهذا أراه سيزيد من انتشارهذا الفساد الاعتقادي خاصة بالعاطفة بشبهة المظلومية كما نسمع عن الشيعة ادعاءها دوما لكسب عواطف الجاهلين بالحقائق ، فأخشى كسبها لمزيد من التأييد والأنصار ، واعتبار العوام أنـها على الحق ويتبادر إلى ألبابـهم أنـها لولم تكن على هدى لما حوربت ، حتى من منتسبيها الناجين من قبضة السلطات الأمنية سيروجون لها كل ما سبق فتزداد انتشارا ، وبالتالي ستمثل خطرا محدقا على سلامة الدين بـهذا التعاطف.
أرى أن تحارب هذه الطائفة الضالة بالباع العلمي والعلة الشرعية ، بالمنطق الفصيح ، بالقرينة والتبرير ، بالفكرة مقابل الفكرة ، بالدليل ، بكشف غبائها ودحضه ، أما القبضة الأمنية فقد تخفيها لفترة ، قد تحجمها مدة قصيرة ، قد تؤجل لها الامتداد لفترة ، أما اقتلاعها من أخلاد معتنقيها بالقوة فهذا ضرب من الخيال والوهم .
أما إن كان المربط هو المال من جهات خارجية فالتوجيه يكون بالكفاية قطعا للطريق أمام المغررين به .
وقياما بأمانة التنبيه أدعو سلطات بلادي إلى تكليف مجموعة من العلماء والدعاة ذوي الكفاءة العالية، العارفين بأسرار الطوائف الضالة ، الغائرين في دهاليزها ، العارفين بأصولها ومنابعها ، بعمل دعوي توعوي إرشادي، ولو بالمجادلة بالتي هي أحسن ، والمناظرة بالتي هي أجمل ، كي نسترجع كثيرا من إخواننا المغرر بـهم ، ونجنبهم معتقدات فاسدة ، وانحرافات لا يعلم خطورتـها ومآلاتـها إلا الله تعالى ، وذلك بــ :
إلقاء المحاضرات ، إحياء الندوات ، تنظيم المعارض ، الاتصال الفردي ، اللقاء الجماعي ، تكثيف التوعية الإعلامية، وما أكثر قنواتنا العامة والخاصة التي تكفينا بذل جهود مضنية ، والتي نجدها للأسف مليئة ببرامج كثيرة غير مفيدة كان بالإمكان تعويضها بما يصلح للأمة.
بذلك وفقط في رأيي يمكن صد هذه الهجمة الشرسة على كتاب ربنا وسنة نبينا من قبل ضلال هؤلاء الأحمديين ، ونستخلص شبابا جاهلين بالحقيقة الناصعة عنها ، قادهم الإغراء من كل الجوانب.
وستنطفىء شمعة مزيفة بسرعة العلم وواسع الاطلاع ، ويمكن إبعاد الكثير من أبنائنا وشبابنا من فئة قد نستيقظ يوما لا قدر الله على استخدامها من قبل الغرب وأتباعه ، لتمزيق جسد هذه الأمة المغلوبة، فنندم لا سمح الله ولات حين مندم.
الأحمدية بين الكبح الأمني والإغراء المادي والغياب الفكري
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين