الويب في عامها الثامن والعشرين، بدأت بحلم جميل ومثالي، مشاركة المعرفة وتبادل المعلومات عبر الحدود والثقافات، وقد حققت الشبكة هذا الحلم وأكثر، وفي جانب آخر الشبكة تعيش كابوساً قد يكون سبب هلاكها، ولا أظن أني أبالغ هنا، لا شيء يضمن بقاء شبكة الويب، الإنترنت ستبقى لكن التقنيات التي تعتمد على الويب مات كثير منها أو أكتفت بزاوية صغيرة بالكاد يزورها أي شخص.
بطبعي أنا شخص متفائل لكنني ومنذ أسابيع أشعر بالتضايق والغضب من نفسي ومن الآخرين، والآخرين أعني بهم من يصنع التقنية ويصنع حاضر ومستقبل الناس، كثير من شركات اليوم بدأت بصورة مثالية ثم أصبحت مؤسسات همها أن تحمي نفسها من الهلاك وهذا يعني السعي للربح بأي طريقة وهذا يعني أن يصبح المال مقدماً على كل شيء آخر، غوغل كان شعارها في الماضي لا تكن شريراً (Don't be evil) ثم توقفت عن استخدامه، ولا عجب أن تتوقف الشركة عن استخدامه بعد انتقادها مراراً حول ممارستها في ما يخص الخصوصية وقضايا أخرى.
في بدايات الألفية غوغل كانت لها صورة مختلفة تماماً، كانت تلك الشركة الصغيرة التي يشجعها ويستخدمها هواة التقنية، كنت واحداً منهم، كنت أستخدم قارئ غوغل يومياً وأعتمد على بريد جيميل إلى اليوم (وهذه غلطة أعترف بذلك!) ولا زلت أملك مدونات في بلوغر، ثم تغيرت الشركة لتصبح كبيرة وبدأت تلغي خدمات مختلفة ولا زلت غاضباً عليهم بسبب إيقاف قارئ غوغل، لكن الأكثر من ذلك أنهم بدأوا يتتبعون مستخدمي خدماتهم ويشاركون بالمعلومات التي يجمعونها لأطراف ثالثة، غوغل شركة إعلانات في الأساس.
ثم سنودن ظهر إلى الوجود وفضح المستور، فضح ما يعرفه البعض جيداً وما توقعه البعض في الماضي وما حذر منه البعض في الماضي، بعض هؤلاء اتهموا بأنهم مجانين أو يتوهمون أشياء لا وجود لها، لكن الواقع أكد شكوكهم، إن كنا في عصر المعلومات وإن كانت المعلومات قوة فلا شك أن هناك من سيسعى للحصول على هذه القوة، سواء كانت شركات تهدف إلى الربح أو حكومات تدعي رغبتها في حماية الشعب، هناك دائماً مبرر لانتهاك خصوصيات الناس.
مخترع الويب يقول في مقاله بمناسبة العام الثامن والعشرين لشبكة الويب بأن الشبكة معرضة للخطر لثلاثة أسباب:
- فقدان السيطرة على البيانات الشخصية
- من السهل نشر المعلومات المضللة في الويب
- افتقار الإعلان السياسي في الشبكة للشفافية
وفي رأيي المشكلة في الويب وفي كثير من التقنيات أن مخترعيها كانوا يفكرون بسذاجة وبراءة، لأنهم لم يفكروا بالعنصر البشري وكيف أن الناس سياسيون بطبعهم وأن الباحثون عن القوة سيستخدمون التقنية للحصول على مزيد من القوة وقد يعني ذلك إساءة استخدام هذه التقنية أو استخدامها ضد الآخرين.
شبكة الويب أعطت للإعلان مجالاً مفتوحاً فأصبحت هناك صناعة الإعلانات التي جعلت الشبكة جحيماً وهذا ما اضطر مبرمجين لصنع برامج تحجب الإعلانات والآن هناك مواقع لا تسمح لك بقراءة محتوياتها ما لم توقف إضافة حجب الإعلانات، مثل هذه المواقع أخرج منها بلا عودة، إضافة منع الإعلانات هي الحد الأدنى من الحماية كما أراه.
الإعلانات بدأت بريئة وساذجة كذلك، بسيطة في البداية، عشوائية التوجه، ثم بدأ المعلنون يجمعون بيانات المستخدمين ليوجهوا إعلانات تناسب أفكارهم وتوجهاتهم وهواياتهم، والمعلن يلاحقك أينما كنت في الشبكة، يتابع الصفحات التي تتصفحها والنقرات التي تضعها على الصفحات وحتى مكان الفأرة وماذا فعلت في الصفحة، وبما أن هناك من يجمع المعلومات فهناك من يريد هذه المعلومات وسيشتريها أو سيأخذها بقوة القانون أو بالقوة فقط بلا قانون.
الأخبار السلبية حول الويب لن تتوقف، وأصبحت أبغض ما كنت أحبه في الماضي، أتوق للعودة إلى الماضي فقد كان حقاً أبسط وأفضل، وقد بدأت فعل ذلك، بدأت في حذف حسابات لي في مواقع مختلفة، بدأت في استرجاع بياناتي لأحفظها عندي بدلاً من أن تحفظ في "السحاب" ولا أدري ماذا يفعل بها مقدم الخدمة، وسأعود للنشر في موقع خاص بي وفي مدونة خاصة بي بدلاً من الاعتماد على خدمات أخرى.
أضف إلى كل ما يحدث في الويب ما أجربه في الحاسوب، كل شيء يزعجني في الحاسوب يشير إلى الخيار الوحيد الذي كنت أستخدمه في الماضي ولا شك سأعود له: لينكس، لأن لينكس أفضل، لأن لينكس يعطي المستخدم حق السيطرة على النظام، لأن لينكس يوفر خيارات كثيرة وإن لم يعجبك واحد فهناك غيره.
كلام في صدري أود أن أقوله، كنت في الماضي متفائلاً بالتقنية واليوم أشعر بالاشمئزاز من صناع التقنية، كل الطرق تشير إلى البرامج الحرة والأجهزة الحرة والتشفير كحل طويل الأمد، أما الشركات؟ فلتذهب إلى أقرب جحيم وتحترق، لا تهمني وحقيقة سأفرح بموت شركة واحدة ... نعم أنا غاضب!