لإني كلما تعلمت شيئا اكتشفت ما جهلي. ولأن علماء النفس والاجتماع سيخبرونك أننا جميعًا نخطيء في تقدير ما نعرفه وما لا نعرفه. منحنى دننغ-كروغر Dunning-Kruger Curve يوضح العلاقة بين ثقة الشخص في معرفته لموضوع ما و بين مدى خبرته الفعلية بالموضوع. سيفاجأك المنحنى أن أعلى مستوى للثقة يأتي مع معرفة سطحية للموضوع. وكلما تبحر الشخص في موضوع ما وزادت معلوماته عنه، توضح له كبر الموضوع و كمية المعلومات التي يجهلها عنه وبالتالي تنقص ثقة الشخص تدريجيًا. حتى يصل إلى حد معين من المعلومات تمكنه من تقدير مدى خبرته بصورة أفضل عندها تبدأثقته في الازدياد كلما زادت معلوماته. لكنها هنا ثقة متواضعة واقعية و ليس كالثقة الأولية الساذجة. و من المدهش أنه حتى عندما يصل الشخص حد الخبرة في موضوع معين.
لتوضيح هذا تخيل أنك قررت تعلم لغة بنظام كتابة مختلف عن العربية -و عن آي لغة أخرى تعرفها مسبقًا- مثلاً قررت تعلم اللغة الكورية. بدأت بتعلم الحروف الكورية و بعد فترة أصبحت تستطيع قراءة الحروف والكلمات الكورية. ستتملكك سعادة غامرة عندما تجد أنك تستطيع قراءة أي نص مكتوب بالكورية. في هذه المرحلة أنت في بداية منحنى دننغ-كريغر. مقدرتك على فك شفرة الحروف الكورية والدخول في هذا العالم الجديد أعطتك إحساسً زائفًا أنك بت ملمًا باللغة الكورية. لكنك ما تلبث أن تنتبه أنك تعرف كلمات معدودات. و أنك لا تفقه شيئاً عن قواعد اللغة. و رويدًا رويدًا تبدأ النشوة الأولى في الإختفاء و تبدأ في استيعاب المشوار الطويل الذي يستغرقه إتقان لغة جديدة. تقل ثقتك في معرفتك باللغة لكن كل طالما أنك مستمر في التعلم ستصل إلى مرحلة من إجادة اللغة تؤهلك مثلاً لحوارات بسيطة باللغة و تبدأ بعدها ثقتك في الازدياد كلما اتقنت اللغة أكثر فأكثر. لكن لأنك أصبحت مدركًا أن اتقان لغة جديدة هو بحر كبير، فقد تصبح مجيدًا للغة بصورة تؤهلك للتحاور بصورة عفوية مع شخص كوري لكنك لا تستطيع قراءة صحيفة كوري. أو أنك تستطيع قراءة صحيفة أو موقع إلكتروني لكن سيصعب عليك قراءة عمل أدبي كأبيات من الشعر مثلاً.. وهكذا.
ستصبح مجيدًا و خبيرًا في اللغة و قد تحصل حتى على درجة جامعية فيها لكن لأن العلم بحر كبير فأنت تدرك أنه مهما بلغ علمك فما زال لديك الكثير لتعلمه.
من التطبيقات العملية الطريفة لهذا المنحنى أنه في بيئات العمل كثيرًا ما يقيم الموظفون السيئون أدائهم بصورة أعلى من مستواهم الحقيقي وفي نفس الوقت يشك الموظفون الجيدون في أدائهم لأن مقاييسهم للآداء مختلفة تمامًا.
أنا شخصيًا اعترف أني لطالما بالغت في تقدير معلوماتي. لكني الآن على قناعة أني لا أعرف شيئًا. و أني أقرب للحمار يحمل أسفارًا. هذه المدونة هي لأشارك ما ألقاه من معلومات قد تكون مفيدة للغير. لأتعلم المشاركة فعليًا ولأتحول من مجرد مستهلك لشخص منتج. هذه المدونة هي رحلة تعلم.