من أين بدأت الحكاية؟
قام الطبيب النفسى [Michal Kosinski] بتطوير نظرية لتحليل الناس بناءً على نشاطاتهم على Facebook
هل قام دونالد ترامب باستخدام وسائل مماثله لكى يتمكن من الفوز فى الانتخابات؟
صحفيون من مجله (Zurich-based Das Magazine) قاموا بالتحرى فى هذا الامر.
أول ظهور لهذا السيناريو نشرته مجله Das magazine فى ديسمبر الماضى.
في التاسع من نوفمبر قرابه الـ 8:30 صباحًا استيقظ الباحث [Michal Kosinski] صاحب ال34 عاما فى فندق sunnehus بمدينه Zurich وقد استعد لإلقاء محاضرة فى معهد الاتحاد السويسرى للتكنولوجيا حول خطوره الـ big data و الثورة الإلكترونية.
المحاضرة التى كانت من ضمن أخريات قام بإلقاءها فى أثناء جولاته.
يُعتبر كوسينسكي أحد الخبراء البارزين فى مجال علم النفس القياسي الذى يعد فرع من علم النفس يعتمد على الـ data عندما قام بفتح التلفاز فى ذلك الصباح تفاجئ بانفجار قنبلة الموسم بفوز دونالد ترامب و التى كانت بمثابة كسر لكل التوقعات الإحصائيه أو أغلبها.
ظل كوسينسكي لفترة طويلة يشاهد احتفالات النصر لترامب و يراقب النتائج القادمة من كل ولاية حيث كان لديه حدس بأن هناك خطب ما يجرى قد يكون مفيدًا فى بحثه .. و في الأخير تنفّس بعمق ، ثم أغلق التلفاز.
و فى ذات اليوم قامت شركة بريطانيه فى لندن بنشر بيان صحفى على لسان اليكسندر نيكس يقول : "نحن مسرورون لأن نظريتنا المبنية على ال data-driven communication (الاتصالات الموجهة من خلال البيانات) قد لعبت دورًا أساسيًا فى الفوز الاستثنائى لترامب".
نيكس البالغ من العمر 41 عامًا و الرئيس التنفيذى لشركه Cambridge Analytica التى لم تكن فقط جزء من حملة ترامب الإلكترونية و لكن أيضًا جزء من حملة Brexit فى بريطانيا!
ما مدى خطورة الـ Big data؟
أي شخص لم يكن خارج كوكبنا الأرضي خلال الخمس سنوات الماضية ، لابد وأن يكون طرق سمعه هذا الممصطلح: Big data.
هذا المصطلح الذي يُطلق على كل التصرفات التي نقوم بها سواء كان في حالة الاتصال بالإنترنت مباشرة (online) أو في حالة عدم الاتصال المباشر(offline) ويتسبب فى ترك آثارٍ رقمية ، مثل أي عملية شراء نَقُومُ بِها من خِلال بطاقاتنا المَصرفية ، أي عملية بحث نقوم بها على جوجل ، كل حركة نقوم بها بينما هواتفنا الذكية فى جيوبنا ، أي إعجاب نقوم به على مواقع التواصل الاجتماعي.
لمدة طويلة لم يكن جليًا كيفَ يمُكنُ استخدامُ هذه البيانات بشكل فعّال ، بإستثناء أننا رُبما نَجد إعلانات لعلاج ارتفاع ضغط الدم عقب انتهاءنا من البحث فى جوجل مثلًا عن مواضيع تخص "خفض ضغط الدم"
و فى التاسع من نوفمبر أصبح واضحا جدًا أن الشركه التى كانت وراء حملة ترامب الإلكترونيه و هى الشركة نفسها التى عملت لدى Leave.EU التى كانت خطوه البدايه فى حملة Brexit الدعائية : هى شركه Cambridge Analytica نفسها المتخصصه فى الـ Big data.
و من أجل فهم نتائج الانتخابات و كيف ستجرى الاتصالات السياسية فى المستقبل فإننا لابد أن نعود إلى الوراء لحادثٍ غريبٍ فى عام 2014 بمركز kosinski للقياس النفسى بجامعه كامبريدج:
يركز علم النفس القياسي [Psychometrics] الذى قد يطلق عليه أيضًا مصطلح [psychographics] على دراسة الجوانب النفسية مثل دراسة الشخصية.
فى عام 1980م قام فريقان من علماء النفس بوضع نموذج لتقييم السلوك الإنسانى بناءً على 5 أنماط للشخصية ، هذا النموذج عرف باسم Big Five و يتكون من التالى:
الانفتاحيه(openness) وهي تتعلق بمدى انفتاح الشخص على الخبرات والتجارب الجديدة.
الاتقان (. conscientiousness.( : وهي تتعلق بمدى "مهنيتك" وسعيك للإتقان.
الانبساطية (extroversion) : وهي متعلقة بمدى اجتماعيتك.
المرونه | التوافق(agreeableness) وهي متعلقة بمدة تعاونيتك مع الآخرين ورعايتك لمصالحهم.
العصابية (neuroticism) وهي متعلقة بقياس مدى استجابتك للقلق كمحفز.
هذه الأنماط الخمس معروفه أيضًا باسم OCEAN.
حيث أننا نستطيع وضع تقييم دقيق لشخصية الإنسان بناءً على هذه المعايير الخمس و هذا يشمل بالتأكيد احتياجاتهم ومخاوفهم ووضع تصور لطريقه سلوكهم و تصرفاتهم
هذه الأنماط الخمس أصبحت معيارًا للقياس النفسي و لكن كانت المشكلة و لفترة طويلة مع هذه النظريه هي كيفية جمع البيانات و ذلك يرجع إلى أنها تتطلب الإجابه على مجموعة معقدة من الأسئلة التى قد تكون شخصية فى نفس الوقت.
ثم ظهرت مواقع التواصل الاجتماعى فى المشهد.
كان kosinski طالبا فى Warsaw عندما بدأت حياته تتخذ منحى جديدًا فى عام 2008 ، حيث تم قبوله فى جامعة كامبريدج من أجل الحصول على الدكتوراة بمركز علم النفس القياسي الذى يعد واحدًا من أقدم المؤسسات فى هذا المجال على مستوى العالم ، و قد انضم إليه زميله David Stillwell الذى يقوم الآن بالتدريس فى جامعه كامبريدج.
بعد فتره قصيره من إطلاق دايفيد لتطبيق صغير للفيس بوك يدعى MyPersonality app الذى يتيح للمستخدمين الإجابة على أسئله من اختبارات الأنماط الخمسة للشخصية ، و يحصل المستخدم على أساس إجاباته لهذه الأسئلة على نتائج ، هذه النتائج عبارة عن قيمة رقمية لكل نمط من الأنماط الخمسة ، ويمكنهم من خلال التطبيق مشاركة بياناتاهم على الفيسبوك مع الباحثين.
كيف يمكن لبضع إعجابات أن تحدد معتقداتك / توجهاتك / ومغنيك المفضّل؟
توقع Kosinskiأن بضع عشرات من أصدقاءه هو ودايفيد في الجامعة سيملئون الاستبيان ، لكن ما حدث أن المئات, الآلاف بل حتى الملايين من الناس كشفت أعمق الأقنعة!.
وفجأة, امتلك الاثنان المرشحان للدكتوراة (كوسينسكي ودايفيد) أكبر قاعدة بيانات تجمع بين نتائج الاختبارات النفسية مع الصفحات الشخصية للفيسبوك.
إن المنهج الذي طوره Kosinski و زملاؤه علي مدي السنين القليلة في الواقع بسيط جدًا.
أولًا : قاموا بتقديم موضوعات الاختبار مع الاستبيان في شكل مسابقة علي الإنترنت. ، ثم من خلال إجابات الناس ، قام علماء النفس بحساب قيم لكل محور من محاور الشخصية حسب نموذج الخمسة الكبار لكل واحد من المشاركين.
ثم قارن فريق Kosinskالنتائج مع جميع أنواع البيانات الأخرى المتوفرة عبر الإنترنت ما الذي يحبون؟, وما ينشرون علي الفيسبوك؟ إلى أي جنس ينتمون؟ , العمر؟, مكان السكن الذي ذكروه؟, وغير ذلك من التفاصيل.
و قد أتاح ذلك للباحثين أن يوجدوا الروابط المحتملة بين مجموعات البيانات و يكونوا ارتباطات بين تلك المتغيرات وبين طبيعة الشخصية.
من اللافت للنظر أنه يمكن استخلاص استنتاجات يمكن الاعتماد عليها عن طريق تفاعلات بسيطة من الأشخاص علي الإنترنت.
علي سبيل المثال وجد أن الرجال الذين يقومون بالإعجاب بمنتجات مستحضرات التجميل [MAC] كانوا غالبًا من أصحاب الشذوذ الجنسي.
متابعوا ليدي جاجا[Lady Gaga] علي الأرجح يكونون منفتحين ، بينما أولئك المعجبون بالفلسفة وموضوعاتها يميلون أكثر أن يكونوا انطوائيين.
بالطبع معلومة واحدة من هذه المعلومات تنتج تنبؤات ضعيفة وغير دقيقة ، لكن بالنظر لتجمّع هائل ربما بالمئات أو الآلاف من البيانات الفردية ، تكون نتائج التنبؤات دقيقة للغاية!
قام Kosinski و فريقه بتحسين نماذجهم بشكل دوري بناء على ما استقوه من معلومات.
وفي عام 2012 , أثبت Kosinski أنه من خلال متوسط مكون من 68 إعجابًا على فيسبوك فقط!! من ممكن بالنسبة لمستخدمي الإنترنت التنبؤ بلون بشرتهم (مع دقة 95%), و التوجه الجنسي (مع دقة 88%), و انتمائهم للحزب الديموقراطي او الجمهوري (بنسبة ,(85% ليس هذا فقط بل أيضًا الذكاء, الانتماء الديني, و أيضًا تعاطي الكحوليات , السجائر و تعاطي المخدرات, يمكن تحديدهم جميعًا.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل ما أكد قوة هذا النموذج قدرته على التنبؤ بإجابات المستخدمين وليس فقط تحليلها.
استمر Kosinski بالعمل على تحسين نماذجه بلا انقطاع ، وأصبح قادرًا في النهاية علي الوصول لتقييم أحدهم أفضل من زميله في العمل ، فقط علي أساس عشر إعجابات علي الفيسبوك.
أما سبعون إعجابًا فكانت كافية لنعرف ما لا يعرفه أصدقاء هذا الشخص المقربون عنه!
مائة وخمسون إعجابًا لنعرف ما يفوق ما يعرفه آباؤهم.
وثلاثمائة إعجاب لتفوق معرفتنا عنهم ما يعرفه عنهم شركاء حياتهم!
من يدري؟! قد تعني المزيد من الاعجابات أننا نعرف عن الشخص أكثر مما قد يعتقد الشخص أنه كان يعرفه عن نفسه!.
ولتقييم خطورة هذه المعلومات ، فيكفي أن تعلم أنه في اليوم الذي نشر فيه Kosinski هذة النتائج, تلقي مكالمتان هاتفيتان. إحداهما : تهديد برفع دعوي قضائية و الأخرى : عرض للعمل. كلاهما من الفيسبوك!.
بعد أسابيع فقط من نشر هذه النتائح. أصبحت إعجابات الفيسبوك لايمكن لأي أحد الإطلاع عليها مالم يسمح المستخدم بذلك!. قبل ذلك, كان الإعداد الافتراضي أن بإمكان أي شخص علي شبكة الإنترنت أن يري إعجاباتك. لكن هذا لم يمثّل عائقًا لجامعي البيانات، حيث كان Kosinski يطلب الحصول علي موافقة مستخدمي الفيسبوك على تقديم بيانات سجل إعجاباتهم من خلال العديد من التطبيقات و الاختبارات علي الإنترنت التي تتطلب الوصول الي البيانات الخاصة كشرط مسبق لخوض اختبارات تحديد الشخصية.
هواتفنا الذكية! ، قاتل الخصوصية العصري!
الأمر لم يتوقف فقط عند إعجاباتك على فيسبوك ، بإمكان Kosinski و فريقه وصف القيم الخمس الكبري بالاعتماد علي كمية الصور الشخصية التي يملكها شخص ما على فيسبوك, أو كمية جهات الاتصالات التي يملكها (مؤشر جيد للانبساط).
وليس فقط الفيسبوك ، ليس الإنترنت حتى! ، بل إن هواتفنا الذكية تؤدي هذا الدور على أكمل وجه!.
كمثال : أجهزة استشعار الحركة في هواتفنا تكشف مدي سرعة تحركنا و بعد المسافة التي نسافرها (يمكننا تحليل مدى ارتباط ذلك مع عدم الاستقرار العاطفي).
استنتج Kosinski أن هواتفنا الذكية ما هي إلا اختبار تحديد شخصية نملؤه باستمرار ، سواء كنا على وعي بذلك أم لا!
هذه الطريقة لا تعمل فقط عن طريق استخلاص بياناتك وتحليل شخصيتك من خلالها ، بل وبطريقة عكسية أيضًا! ، يمكننا من خلال استخدام نفس البيانات التنبؤ بكيفية تصرفك في مواقف معينة!
باختصار : هذه الطريقة تعمل كمحرك بحث ، لكنه خاص بالبشر!
لهذا بدا الإنترنت لـ Kosinski وكأنه هدية من السماء – لأن هذا يعني أنه بالتأكيد سيصل لنتائج غاية في الدقة في تحليل الشخصيات – ولكن الشيء المخيف حقًا هو أن البيانات قابلة للتداول ، يمكن لأي حد أن يصل لمثل هذه البيانات ، ويستخدمها ، ومن يدري أي نوع من الاستخدامات يمكن أن يظهر من مثل هذا الكنز المعلوماتي؟
لذا ، بدأ في وضع هذه العبارة في أبحاثه : "ربما يكون هذا ضارًا برفاهية الأفراد ، وحريتهم ، بل وأحيانًا قد يكون ضارًا بحياتهم ذاتها!" ولكن يبدو أن الكثير لم يفهم ، كيف يمكن أن يكون ضارًا إلى هذا الحد؟
في هذه الأثناء , في أوائل عام 2014 , أستاذ مساعد شاب في قسم علم النفس يدعي [Aleksandr Kogan] . قال أنه يود الاستفسار نيابة عن شركة كانت مهتمه بطريقة Kosinski , و أنها تحتاج للوصول لقاعدة بيانات برنامجه MyPersonality app وقال أنه لا يملك الحق في الكشف عن السبب.
في البداية, نظرKosinski و فريقه بعين الاعتبار لهذا العرض. لأن عوائده المالية كانت مغرية ، وكان يمكن استثمارها بشكل مباشر في تطوير المعهد , وفي وسط حالة من التردد تذكر Kosinski , أن Kogan كشف عن اسم الشركة وأن اسمها هو : SCL ( Strategic Communication Laboratories - مختبرات الاتصالات الاستراتيجية.)
بحثKosinski عن الشركة ، ومن خلال موقعها الإلكتروني وجد التالي : "نحن وكالة إدارة انتخابات رئيس الوزراء", و يقول موقع الشركة علي الانترنت: "توفر SCL التسويق المبني على النماذج النفسية" ووجد أنه من صميم عمل الشركة "التأثير علي الانتخابات".
التأثير علي الانتخابات؟! يبدو هذا مريبًا بعض الشيء! ، بحث Kosinski خلال الصفحات عن أي نوع من الشركات هذه؟ و ما الذي يخططون له تحديدًا؟ ، ولماذا اهتموا بقاعدة بياناته؟
ما لم يعرفهKosinski في ذلك الوقت: ان SCL هي الشركة الأم لمجموعة شركات. الذي يملك SCL و فروعها المتنوعة غير معروف الهوية ، و ذلك بفضل هيكل الشركة المعقد, على النحو الذي شهدته بيوت تسجيل / إشهار شركات المملكة المتحدة ، وأوراق بنما ، و قضية شركة ديل-وير.
بعض فروع SCL شاركوا في الانتخابات من أوكرانيا وحتى نيجيريا، وأيضًا ساعدوا الملك النيبالي ضد المتمردين. كما أن بعضًا منها قد طورت أساليب للتأثير علي مواطني أوروبا الشرقية والمواطنين الأفغان لصالح حلف شمال الأطلسي[الناتو].
و في عام 2013 , أسست SCL شركة جديدة – هي بطل قصتنا - للمشاركة في انتخابات الولايات المتحدة وهي:[Cambridge Analytica] .
لم يعلمKosinski شيئًا عن هذابالطبع ، لكن كان لديه شعور سيء. وكأن"كل شئ بدأ يفصح عن نفسه" ، وبعد مزيد من التحقيقات ، اكتشف أن [Aleksandr Kogan] سجل سرًا شركة لصالحه تتعامل مع SCL وذلك وفقا لتقرير ديسمبر 2015 في صحيفة الجارديان و الوثائق الداخلية المعطاة لصحيفة (Das Magazine). وأظهر ذلك له أن SCL علمت عن طريقة Kosinski وبرنامجه من خلال Kogan .
بدأ يتسرب لـ Kosinskiالشك أنه من الممكن أن شركة Kogan أعادت تصنيع برنامج "تحليل الشخصية بناءً على إعجابات فيس بوك" ، لتعيد بيعه لهذة الشركة التي تؤثر في الانتخابات. ولذا قام علي الفور بقطع الاتصال مع Kogan و أعلمَ مدير المعهد ، مما أدي الي صراع معقد داخل الجامعة ولقلق المعهد على سمعته انتقل [Aleksandr Kogan] الي سنغافورة للزواج, و غير اسمه الي [DR.Spectre].
ومن ثمّ أنهي [Michal Kosinski] الحصول على درجة الدكتوراة, و حصل علي عرض عمل من جامعة ستانفورد و انتقل إلي الولايات المتحدة.
السيّد : بريكسيت BREXIT
كان كل شئ هادئا لمدة عام تقريبا. ثم, في نوفمبر 2015 , الحملة الأشد تطرفًا لترك الإتحاد الأوروبي "Leave EU" التي كان يدعمها [Nigel Farage] . أعلنت أنها قد كلفت شركة متخصصة في الـBig Data لدعم حملتها علي الإنترنت: [Cambridge Analytica].
وأن نقاط القوة الاساسية للشركة: التسويق السياسي المبدع – الاستهداف الدقيق لأصغر الفئات - عن طريق قياس شخصية الناس من خلال ما يتركونه من بصمات إلكترونية, استنادًا إلي نموذج [OCEAN].
تلقى Kosinski عدة رسائل إلكترونية تسأله عن علاقته بـ[Cambridge Analytica]. حيث أن نقاط القوة الشركة التي عبرت عنها ، جعلت الناس تتجه بأنظارها لمبتكر التطبيق الأول لهذه الفكرة السيّد كوسينسكي!
على الرغم من أن هذه هي المرة الأولي التي يسمع فيها عن تلك الشركة - التي قالت أنها سمّت نفسها بهذا الاسم لأن أول موظفيها كانوا باحثين في جامعة كامبريدج- وبكثير من الرعب تطلع كوسينكي في الموقع الإلكتروني للشركة وهو يتساءل: "هل تم استخدام منهجه علي نطاق واسع لأغراض سياسية؟"
بعد نتيجة الـBrexit استقبل كوسينسكي رسائل من أصدقائه و معارفه تقول له : ألا ترى ما فعلت؟!
وفي كل مكان ذهب إليه كان علي Kosinski شرح أنه لا صلة له بهذة الشركة ، (وفي النهاية : يبقي من غير الواضح إلى أي مدى تورطت Cambridge Analytica في حملة Brexit . لم تناقش Cambridge Analytica مثل هذه الأسئلة علنًا).
لبضعة أشهر, الامور هادئة نسبيا. ثم, في 19 سبتمبر 2016 قبل ما يزيد عن شهر من الانتخابات الامريكية, كان هناك حدث هام ، وهو قمة [Concordia] التي تعتبر جلسة مصغرة من منتدي الاقتصاد العالمي(WEF). و قد وجهت الدعوة الي صناع القرار من جميع انحاء العالم, من بينهم الرئيس السويسري [Johann Schneider-Ammann].
وفي أثناء القمة ، نادى صوت أنثوي ناعم يقول "الرجاء الترحيب ب [Alexander Nix] , الرئيس التنفيذي لشركة [Cambridge Analytica]" ، ليظهر رجل نحيف يرتدي بدلة داكنة وهو يمشي علي خشبة المسرح ، الصمت يعم, يعلم العديد من الحضور أنه رجل الاستراتيجية الرقمية الجديدة لدونالد ترامب ثم يشرع في عرضٍ بعنوان : "قوة الـBig Data ، وعلم النفس القياسي Psychographics" ، يمكنك مشاهدته من هنا
قبل بضعة أسابيع, كان ترامب قد غرّد - بشكل غامضٍ إلي حدٍ ما- :" قريبا سوف ينادونني بالسيّد بريكسيت Mr. Brexit ." لاحظ المراقبون السياسيون أن هناك بالفعل بعض أوجه الشبه بين جدول أعمال ترامب و حركة Brexit اليمينية، و لكن قلة لاحظت العلاقة بينهما بتعيين ترامب لشركة تسويق اسمها [Cambridge Analytica].
يقول Alexander Nix الرئيس التنفيذي ل Cambridge Analytica "كانت إلي حد كبير كل رسالة ينشرها ترامب تعتمد علي البيانات"
قبل هذه النقطة, كانت حملة ترامب تتألف من شخص واحد تقريبًا – لا أقل ولا أكثر - وهو : Brad Parscale , رائد أعمال في مجال التسويق و فشل في تأسيس عمل خاص به، وهو الذي أنشأ موقع أولي لترامب علي شبكة الانترنت مقابل 1500 دولار.
دونالد ترامب البالغ من العمر 70 عامًا ليس لديه المهارة الإلكترونية الكافية ليفعل ذلك ، كما أنه حتى لا يرسل أو يستقبل البريد الإلكتروني – وفقًا لسكرتيرته الشخصية- بل إنها صرّحت أنها هي من نصحته بامتلاك هاتف ذكي – وهو الذي يغرّد منه حاليًا دون توقّف! –
من ناحية أخرى, هيلاري كلينتون. تعتمد اعتمادًا كبيرًا علي إرث الاولين بداية من "ملك مواقع التواصل الاجتماعي" : باراك أوباما ، ثم ما لديها من قائمة عناوين الحزب الديموقراطي, وبالإضافة لما عملته مع كبار محللي البيانات المتطورين مثل [BlueLabs] ، وتلقيها الدعم من جوجل و [DreamWorks].
وعندما أعلن في يونيو 2016 أن ترامب قد استأجر Cambridge Analytica , تلك المؤسسات الضخمة في واشنطن لم يعجبها ذلك ، وكان لسان حالهم : رجال أجانب يلبسون ثيابًا تم تصميمها يدويًا من قبل خياطين – كدليل على عدم الخبرة مقابل ما يلبسه الرجال في كبريات الشركات الأمريكية من علامات فخمة وفاخرة – هؤلاء الرجال يعرفون حقًا عن البلد وأهلها؟ ، هل أنت جاد في ذلك سيّد ترامب؟
"إنه لشرف عظيم لي أن أتحدث إليكم اليوم عن قوة الـBig Data وعلم النفس القياسي Psychographics وتأثيرها علي العملية الإنتخابية". قالها Alexander Nix وشعار Cambridge Analytica يظهر خلفه.
يوضح الرجل الأشقر ذو اللكنة البريطانية الواضحة "قبل مضي 18 شهر, كان السيناتور Cruz واحد من المرشحين الأقل شعبية". يقول ألكسندر هذا الكلام ، تظهر شريحة أخرى تقول : "أن اقل من 40 بالمئة من السكان سمع عنه ". أصبحت Cambridge Analytica تشارك في حملة الانتخابات منذ سنتين تقريبا, في البداية كمستشار للجمهوريين [Ben Carson] و [Ted Cruz] و في وقت لاحق ترامب ، ويتم تمويل هذه المنظمة سريًا وبشكل أساسي من قبل ملياردير البرمجيات الامريكية [Robert Mercer] هو وابنته Rebekah , تشير التقارير إلي أنه أكبر مستثمر في Cambridge Analytica.
يستكمل Nix "فكيف فعلناها إذًا؟"
"تم تنظيم الحملات الانتخابية على أساس التقسميات السكانية؟ ، إنها حقًا فكرة سخيفة! أن جميع النساء ينبغي أن يحصلوا علي نفس الرسالة بسبب أنهن نساء! أو جميع الأمريكيين الافارقة بسبب أنهم أمريكيون أفارقة!." ما كان يعنيه Nix هو أنه في حين أن الحملات الرئاسية عادة ما تعتمد على التركيبة السكانية (الديموغرافيا) , كانت Cambridge Analytica تستخدم علم النفس القياسي psychometrics.
رغم أنك قد تشكّ في هذا ، فلايمكن إنكار دور Cambridge Analytica الفعّال ضمن حملة Cruz. في ديسمبر 2015 نسب فريق Cruz الفضل في نجاحهم المتزايد الي الاستخدام النفسي للبيانات و التحليلات. وفقًا لمجلةAdvertising Age, قال أحد مسئولي الحملة : أن موظفي Cambridge Analytica شكلوّا "العجلة الاضافية" في الحملة الانتخابية، وكانت نتائجهم ممتازة! ، مما جعل الحملة تدفع قرابة الستة ملايين دولار لشركة كامبريدج.
ينتقل Nix إلي الصفحة التالية: خمسة أوجه مختلفة ، كل وجه يرمز لنمط من الأنماط الخمس أو نموذج [OCEAN] ثمّ قال:"نحن قادرون علي أن نشكل نموذج للتنبؤ بنمط شخصية كل بالغ في الولايات المتحدة الأمريكية."استرعت هذه الجملة انتباه كل من في القاعة. وفقا ل Nix يستند نجاح التسويق ل Cambridge Analytica علي ثلاث عناصر: العلوم السلوكية باستخدام نموذج [OCEAN] , تحليل البيانات الكبيرة(Big data) و الاستهداف الإعلاني(Ad targeting)، وهو نوع من الإعلانات المعدلة لتتوافق وبدقة مع شخصية المستهلك الفرد المستهدف من الإعلان (سيتضح هذا لاحقًا في المقال)
يوضح Nix بصراحة كيف تفعل شركته هذا:
أولا:تشتري Cambridge Analytica البيانات الشخصية من مجموعة مصادر مختلفة, مثل سجلات الاراضي,بيانات السيارات, بيانات التسوق, بطاقات المكافأة, عضويات النادي, ما تقرأه من مجلات,ما الكنائس التي تحضر بها. يعرض Nix-على الشاشة - عمل سماسرة البيانات النشطاء مثل [Acxiom] و [Experian] في الولايات المتحدة, كل البيانات تقريبا يمكن شرائها من خلال هذا النظام ، على سبيل المثال: إذا أردت معرفة أين تعيش النساء اليهوديات, يمكنك ببساطة شراء تلك المعلومة, من خلال شراء بيانات تتضمن أرقام الهواتف.
تجمع Cambridge Analytica هذة البيانات مع القوائم الانتخابية للحزب الجمهوري و بيانات أخرى علي الانترنت و من ثمّ تحللها على ضوء ملف الأنماط الخمس للشخصية.
وفجأة! ، تتحول بصمات الأصابع الرقمية إلى بيانات حيّة ، تمثل بشرًا حقيقين ، لهم مخاوف ، وتوجهات ، وأرقام هاتف ، وعناوين سكنية.
ألا تبدو هذه المنهجية مماثلة تماما للمنهجية التي طورها ذات مرة [Michal Kosinski]؟
وعن المنهجية التي تستخدمها الشركة أخبرنا Nix , " دراسات مسحية تعتمد علي وسائل التواصل الاجتماعي و بيانات الفيسبوك." - يبدو أن الشركة تقوم بما حذر منه Kosinski تماما! (استعمال البيانات لأغراض سياسية) -
يفتخر Nix على الحضور قائلًا" كتبنا لمحة مختصرة عن كل بالغ في الولايات المتحدة الأمريكية ، قرابة 220 مليون شخص."
ثم يقوم بفتح لقطة للشاشة. "هذة هي لوحة التحكم بالبيانات التي اعددناها لحملة Cruz ." يظهر مركز التحكم الرقمي. علي اليسار رسوم بيانية; علي اليمين خريطة Iowa -حيث فاز Cruz من المستغرب بعدد كبير من الأصوات في الانتخابات التمهيدية- ، و علي الخريطة , هناك مئات الآلاف من النقاط الحمراء و الزرقاء. يضيق Nix المعايير ويختار "جمهوريين" تختفي النقاط الزرقاء, ثم يختار "لم يقتنع بعد" تختفي مزيد من النقط, ثم يختار " ذكور" , و هكذا دواليك يضيّق الشريحة المختارة في كل مرة، وأخيرًا, تبقي اسم واحد فقط, بما في ذلك السن, العنوان, الاهتمامات, الشخصية و الميل السياسي. كيف تستهدف Cambridge Analytica هذا الشخص بالرسالة السياسية المناسبة؟
يظهر Nix كيفية التوجيه باختلاف للناخبين المقسمين نفسيا, على أساس موقفهم من حمل السلاح – بافتراض أن المرشح مؤيد للترخيص القانوني لحمل السلاح - , على سبيل المثال ، وفقًا لنموذج OCEAN فإن شخصًا يحقق درجات عالية في بعدي المهنية والعصابية سيكون دائمًا خائفًا من حوادث السطو أو عدم وجود بوليصة تأمين ضد الإتلافات التي قد يسببها السلاح ، كيف نعالج موقف هذا الشخص؟ يجب أن نصمم رسالة تعتمد بشكل رئيسي على المشاعر ، وهنا يظهر علي اليسار يد متسلل تحطم النافذة (في إشارة لحوادث السطو).- هنا سيكون موقف هذا الشخص موافقًا لترخيص الأسلحة ، لأنها سيحتاج إليها في هذه الحالة للدفاع عن نفسه [المترجم] – أما الذين يحققون درجات عالية في بعدي المرونة والانبساطية ، فيظهر علي اليمين رجل ومعه طفل يقفان في حقل اثناء غروب الشمس, و الاثنان يحملان أسلحة, ويستمتعان بوقتهما في إطلاق النار علي البط – هنا سيوافق هذا الشخص كذلك على ترخيص الأسلحة ، لكن لسبب مختلف ، إنه يحترم العلاقات ويحب أن يستمتع بوقته في الخارج مع الآخرين [المترجم]-.
كيف نبعد ناخبي كلينتون عن هذه اللعبة؟
تناقضات ترامب اللافته للنظر ، وتقلباته المثيرة للجدل ، تحولت إلى أن تكون أكثر شيء يملكه دونالد ترامب قيمة في هذه اللعبة! إنها رسالة مختلفة لكل ناخب!. فكرة أن ترامب اتبع خوارزمية انتهازية/نفعية مبنية على ردود فعل الجمهور هو شئ لاحظه الرياضي [Cathy O'Neil] في اغسطس 2016.
يذكر Alexander Nix الرئيس التنفيذي ل Cambridge Analytica "كانت - إلي حد كبير - كل رسالة ينشرها ترامب تعتمد علي البيانات". في يوم المناظرة الرئاسية الثالثة بين ترامب و كلينتون, اختبر فريق ترامب 175,000 صيغة إعلان مختلف ليحاجج بها ترامب ليصلوا لأفضل صيغة ممكنة ، تم هذا عبر استخدام فيس بوك.
اختلفت الرسائل في كل شيء إلا في التفاصيل الجوهرية , من أجل استهداف المتلقين بالطريقة النفسية المثلى: فالعناوين مختلفة, الألوان, التعليقات, مع فيديو أو صورة. هذا الضبط الدقيق لكل رسالة يجعلها تصل إلى المستهدفين المطلوبين بدقة متناهية! كما وضحNix ذلك في المقابلة : "نحن نستطيع أن نستهدف القرى ، والبنايات السكنية ، وحتى الأفراد بطريقة تفصيلية!"
في ميامي منطقة Little Haiti, علي سبيل المثال, أعلمت حملة ترامب السكان بأنباء عن فشل مؤسسة كلينتون في متابعة الزلزال الذي حلّ بمنطقة Haiti , من أجل منعهم من التصويت لهيلاري كلينتون.
كان هذا واحدًا من أهم الأهداف: الإبقاء علي الناخبين المحتملين لكلينتون (اليساريون المترددون , الأمريكيون من أصل إفريقي و النساء الشابات) بعيدًا عن صناديق الإقتراع, حتي تفقد أصواتهم , كما صرح لشبكة بلومبير