مدخل:
السعيُ نجاحٌ، والتوفيق قدَر.
كثيرًا ما نسمع هذين المصطلحين في المدارس، والجامعات، والمؤسسات، والشركات، بل إنَّ المهتمين بتحفيز الإنسان نحو التغيير، والتطوّر يرددون ألفاظًا متعلقة بالنجاح، كقولهم: صناعة النجاح، أو كيف نجح فلانٌ في تحقيق أهدافه؟ وهذا ناجحٌ في حياته، وهذا طريق النجاح في الدراسة أو الحياة.
ولعل الحالة النفسية المرتبطة بتحقيق الأشياء التي نطلبها في الحياة طغت على النظر النقدي المخبوء لدينا، و رحنا في غفلةٍ منا نردد مصطلح (النجاح) الذي ألبسناه ثوبا آخر هو ثوب (التوفيق أو التّوفق أو التّفوّق)، وصرنا نسمي الفرد الموفّق ناجحًا، بل إننا نقول لمن حقق مطالبه في الحياة: فلانٌ حالفه التوفيق، دون تمييز للمسافة بين النجاح والتوفيق.
ومع التأمّل في تضمين مصطلح النجاح معانيَ التوفيق يمكن لنا أن نكتشف أنَّ التوفيق شيء مغايرٌ للنجاح، وأنّ اهتمامنا بتحقيق المطالب الخاصة أو العامة هو الذي جعلنا نفسِّر النجاح بالتوفيق، مما أدى بنا إلى الابتعاد عن المعنى الحقيقي للنجاح.
إنَّ معنى النجاح يكمن في حالة الطلاب والطالبات حين يغالبون نومهم، ويدفعون الكسل عنهم، ويتجهون إلى مدارسهم، وجامعاتهم نافضين عن أبدانهم الخمول، رافعين عن أنفسهم الجهل، مجتهدين في تحقيق مطالب يومهم الدراسي.
ويتمثل معنى النجاح في تلك الحالة التي ترى فيها المعلِّم يتقدم عمره وهو يراقب الأجيال التي ينقل لها ما صحَّ من أحاديث الحياة، ويدرب تلك الأيدي على تلقي المعرفة وصناعتها، ويبعث في تلك القلوب العزيمة والإصرار على مداومة النجاح الذي قد يحقق الله -تعالى- لهم به التوفيق.
ويظهر معنى النجاح في ذلك الموظف سواء كان وزيرًا أو غير ذلك وهو يُغَالِب نفسه، ويندفع بكل نشاط نحو العمل مبكرًا، ثم يقضي في بيئته الوظيفية جميع ساعاته المقررة في خدمة المراجعين، وتحقيق الأهداف التي تسعى لها إدارته.
وقس على هذا كلّ فرد غَالَب هواه، وقوي على نفسه فاتجه إلى هدف نبيل في الحياة يُغَالِب العقبات التي تعترضه في طريق تحقيقه، فهذا هو النجاح الذي ينبغي لنا أن نعيد تعريفه لأنفسنا، ونكون أكثر واقعية في التعامل مع الحياة من حولنا، وأكثر تفاؤلا في تحقيق أنبل أهدافنا، وأكثر رضا بما قدره الله -تعالى- لنا، فلا ننفك عن التوكل عليه، ولا نبتئس بما يصعب علينا من أمور، ولا نغالط النواميس التي وضعها الله -تعالى- في الحياة.
إنّ النجاح يعني: مغالبة الإخفاقات المتعددة، ومكابدة العناء في الطريق نحو تحقيق المطالب الخاصة أو العامة، والتوفيق أو التفوّق والتوفّق هو الوصول إلى تلك المطالب، وتحويلها من أهداف في القلوب والعقول إلى حقائق تملأ الأبصار والأسماع.
وعلى هذا فكل من غالب التعب، والخوف، والإخفاق ناجحٌ مادام في دائرة المغالبة، وتكرار المحاولة، وليس شرطا أن يتحقق الهدف. أما الموفق والمتفوق هو الذي أسعده الله -تعالى- في الدنيا بتحقيق ما أراد، ولا يكون ناجحا حين تحقق أهدافه، بل هو ناجح قبل تحققها، وموفق أو متفوق عندما أذن الله -تعالى- لسعيه أن يصل إلى ما يريد، والله لا يضيع عمل المجتهد الناجح.
وينبغي لنا أن نقول لأولئك الذين لم تتحقق أهدافهم، أو استبطؤوا تحقيقها: إنكم لستم فاشلين، بل إنَّ. سعيكم لتحقيق ما تريدون هو النجاح كلَّ النجاح ما دمتم متمسكين بشرط النجاح وهو مغالَبة الإخفاقات، ولا يدري الإنسان عن قَدَرِ الله -تعالى- شيئا، فالإنسان يدعو ويجتهد، ويلحّ في الدعاء، والله -تعالى- يعلم أين يكون الخير لعبده المتوكِّل عليه، فقد يعجله في الدنيا، وقد يدّخره له يوم القيامة.
مخرج:
كل مُغَالِبٍ للإخفاق، وعوارض الكسل ناجحٌ، وليس كلّ ناجحٍ موفّقًا في هذه الحياةِ الدنيا فقط.