على الرغم من اختلاف العراقيين حول تحديد شرعية السلطة و وطنية الحكومة , وبالنتيجة غياب معايير واضحة للشرعية والوطنية ؛ الا ان اغلبهم اقر ولو ضمنا بالحقيقة التالية : (( في عهد الحقبة البعثية الدموية كانت الحكومة تسمع والشعب لا يتكلم ؛ وان تكلم احد المواطنين فأن مصيره الموت الزؤام او غياهب السجون ؛ واما في العهد الديمقراطي الحالي والتجربة السياسية الجديدة ؛ الشعب يتكلم والحكومة لا تسمع )) والويل كل الويل لنا ان سمعت حكوماتنا الديمقراطية كلام الشعب لا من اجل تلبية المطالب ومناقشة القضايا بل من اجل انزال العقوبة بالمتكلم ...!
ولعل من اهم ما يميز الحكومات الديمقراطية عن غيرها ؛ افساح المجال امام المواطنين لإبداء آرائهم وتصوراتهم حول القضايا السياسية والقرارات الحكومية والشخصيات العامة صاحبة القرار , بالإضافة الى دعم الصحافة والاعلام ومنظمات المجتمع المدني وتوفير الحماية والحصانة لها ؛ لتمارس عملها الوطني والانساني في مراقبة عمل الحكومة واجهزة ودوائر ومؤسسات و وزارات الدولة , ورصد المخالفات والخروقات والانتهاكات فيها ؛ ونقدها من أجل تحسين اداءها وتصحيح اخطاءها وتطوير عملها ؛ وردع الفاسدين والمخربين والظالمين ... ؛ بينما تفشل الديمقراطية، عندما تكون عاجزة عن حماية الحريات وتحقيق المعارضة السياسية الواعية وخلق بيئة امنة وممانعة يتواجد فيها الاحرار والكتاب والاعلاميون والوطنيون لممارسة دورهم في المتابعة والتقييم والرصد والتصحيح وتسليط الاضواء على المظالم وانتهاكات حقوق الانسان والمواطن ؛ وايصال صوت الجماهير للحكومة والمسؤولين ؛ وتنبيه الامة العراقية على ما يحاك ضدها من مؤامرات واتفاقيات , وما يفعل بها من جرائم وانتهاكات وسرقات في جنح الظلام .
وديمقراطيتنا اليوم ؛ تحتاج منا جميعا ؛ ترسيخها في المجتمع والدولة , ونشر قيمها السياسية ومبادئها المدنية , ومكافحة كل اشكال الدكتاتورية والتفرد بالرأي والسلطة والقرار , وخنق الحريات العامة , وتضييق الخناق على الاصوات الوطنية المعارضة , واستبعاد الاحرار والشرفاء من الساحة الاعلامية والثقافية والسياسية بحجة المخالفات القانونية وغيرها من الذرائع التي تهدف الى طمس الحق والحقيقة واستمرار عمليات الفساد والارهاب وانتهاكات حقوق الانسان في ربوع العراق .
فالمجتمع العراقي عليه أن يدافع عن تجربته السياسية الراهنة و التي دفع ثمنها غاليا في معارضته للنظام الدكتاتوري البعثي الغاشم ؛ وفي حربه ضد فلول الإرهاب ... ؛ ولتثبيت اركان الديمقراطية في العراق ؛ لابد لأحرار الامة العراقية وشرفاء الحكومة الوطنية من التعاون فيما بينهم ؛ من اجل اكمال مسيرة النضال والكفاح الوطني والتي تتمثل الان في محاربة الفساد بكل اشكاله والوانه ومكافحة جميع صور الظلم والتخريب وانتهاكات حقوق الانسان , وقطع دابر التدخلات الاجنبية والخارجية في الشؤون الداخلية والقضايا الوطنية ؛ وعلى الطبقة السياسية أن تفكر بتصحيح المسيرة وتغيير السيرة واستيعاب الشباب والاصوات الناقدة والمعارضة , ورصد المخالفات في الدوائر والمؤسسات الحكومية والعمل الجاد من اجل تحسين الاوضاع والاجراءات فيها ؛ خدمة للوطن والمواطن .
وقد تناهى الى سمعي خبر مذكرة استقدام بحق رئيس مركز العراق لحقوق الانسان ؛ علي العبادي , وفقا للمادة القانونية 433 - قذف وتشهير - ؛ بسبب تصريحات له حول التعذيب في بعض السجون العراقية , وللناشط علي العبادي تاريخ في رصد احوال السجناء وحالات انتهاكات حقوق الانسان ؛ وقد تعرض لمضايقات عديدة في اوقات سابقة ؛ وقد ذكر الكاتب ابراهيم مجدي صالح في مقالة له ؛ تحت عنوان : (( علي العبادي يستغيث ونبيل ابو الياسين يناشد رئيس وزراء العراق )) وقد ذكر فيها ان الناشط علي العبادي قد تعرض للعديد من التهديدات والمضايقات من قبل بعض المسؤولين في البصرة , وذكر بعض الشواهد على تلك المضايقات بالإضافة الى تسليط الاضواء على انتهاكات حقوق الانسان في البصرة ... الخ .
وفي لقاء معه ومن على شاشة قناة الرابعة العراقية وهو ينتقد نظام السجون ومخالفتها لحقوق الإنسان ؛ صرح الناشط علي العبادي بما يلي : (( التقينا بالسيد السوداني باعتباره رئس الوزراء وكان وزيرا لوزارة حقوق الانسان و يتفهم الامر ؛ في الشهر الثاني وفي بداية تسلمه للسلطة , وعندما قدمنا ملاحظاتنا للسوداني ولدينا عشرات الملاحظات فيما يخص السجون على مستوى الفساد العام وعلى مستوى التعذيب الممنهج من قبل الكثير من الضباط ... الخ , والى هذه اللحظة لم نجد شيئا ملموسا او تغييرا ملحوظا ... ))
وقد علق الناشط علي العبادي حول اوضاع مستشفى الرشاد البائسة وفي شهر اب من العام الجاري ؛ بما يلي : أن المشكلة الإنسانية في مستشفى الرشاد في بغداد تتكرر بين الحين والآخر، “وهذا يدل على عدم وجود خطة حقيقية للاهتمام بالمواطن العراقي”. وحمل الدولة مسؤولية تردي الواقع الصحي: “هناك موازنات انفجارية، ووفقاً لهذا يجب أن يكون هناك دعم مباشر للقطاع الصحي”... ؛ ودعا علي العبادي إلى فتح تحقيق في ما يجري بالمستشفى، واتخاذ قرارات رادعة بحق المسيئين والمقصرين، وإشراك العاملين في المستشفى بدورات توعوية، وأن تكون هناك رعاية مباشرة من قبل رئيس مجلس الوزراء وأيضاً من قبل وزير الصحة، وأن يفسح المجال أمام منظمات حقوق الإنسان لمتابعة الوضع عن كثب في المستشفى.
وقد أكد الناشط علي العبادي خلال لقاءه بالإعلامية المصرية داليا نجاتي ومن على قناة القاهرة الاخبارية ؛ عام 2015 ؛ على ضرورة وجود تماس مباشر بين السلطة والحكومات من ناحية والمجتمع ... , وأضاف : «لو دققنا في جمهورية العراق، نجد أن الشباب العراقي لديه وعي مجتمعي بحقوقه، ونلاحظ أن وتيرة الاحتجاجات مستمرة، وفي محافظة البصرة أو بغداد أو كردستان، فقد كانت المطالب متعلقة بالخدمات، ولكن الأمر تغير كثيرًا»... ؛ وتابع : « منذ عام 2015، لاحظنا أن هذه المطالب ارتفعت إلى مستوى الحقوق السياسية، أي وصلت إلى بنية النظام، وهو ما يؤكد أن هناك وعي متزايد من الشباب، إذ أصبحوا يطالبون بالحقوق، إضافة إلى أن المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية تدعمهم»... ؛ وأكد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على تساوي الجميع أمام القانون، كما أن المادتين السابعة والثلاثين والثامن والثلاثين في الدستور العراقي ألزمتا الحكومة والدولة بالاستماع إلى الشعب العراقي.
وخلال لقاء معه ؛ في قناة الفلوجة بتاريخ 19 مايو من العام الجاري ؛ قال : (( احد الضباط الموجودين في سجن التاجي قام بقطع اصبع سجين , واخر عذبه بالدريل , واخر مات بالسكتة القلبية , وعشرات التقارير ارسلت الينا عبر الواتساب تؤكد ان نسبة 80% من المعتقلين في سجن التاجي شمالي بغداد تعرضوا للتعذيب ...)) .
انا لا اعرف الناشط علي العبادي , لا من بعيد ولا من قريب , وقد شاهدت كل لقاءاته المتلفزة , وقرأت كل ما كتبه وما كتب عنه ؛ وهو كباقي الاشخاص اتفق معه في بعض القضايا واختلف معه في قضايا اخرى , الا انه والحق يقال , رأيته يدافع بغيرة وحمية عن العراقيين ويطالب بحقوق البصريين , ويرصد حالات انتهاكات حقوق الانسان وعمليات الفساد والابتزاز من قبل بعض المسؤولين والضباط من ضعاف النفوس , ويدعو الحكومة للتدخل وانقاذ الضحايا والمظلومين ؛ ودعا كبار المسؤولين للجلوس مع الناشطين والاحرار والكتاب الشرفاء العراقيين والاستماع منهم ومعرفة الواقع من خلالهم , واستغرب من ابتعاد المسؤولين عن الالتقاء بالنخب والجماهير والاكتفاء بمجالسة مسؤولي الدوائر الحكومية والسماع منهم فقط .
وقد تعاطف الكثيرون معه بعد صدور قرار الاستقدام ؛ وقامت اللجان الشعبية المدنية في البصرة بدعوة المواطنين ؛ لحضور المؤتمر الصحفي الاستثنائي في قاعة تجمع الفيحاء الفيدرالي المزمع اقامته مساء يوم الاثنين 4 / 12 / 3023 ؛ لنصرة الناشط علي العبادي والتنديد بقرار الاستقدام .
وقد دافع البعض عن قرار القضاء ؛ بحجة ان اتهام الدوائر والمؤسسات والحكومية والمسؤولين من دون دليل , يخلق حالة من التشويش والتضليل والتلاعب بالرأي العام , بالإضافة الى التسقيط , وقالوا ايضا : ان الحكومة العراقية غير معنية بالتحقق من دعوات الناشطين وادعاءات الاعلاميين ومطالبات الكتاب والمدونين وسط هذه الفوضى الاعلامية ؛ فمن اراد احقاق الحق , عليه بمراجعة دوائر الدولة وتقديم الادلة لهم , وبعد اليأس يذهب الى الاعلام مع ذكر ادلته ؛ والا فمصيره السجن ...!!
وليت شعري بماذا اعلق وماذا اقول : فقد نقل لي احد الاصدقاء الموظفين من دولة كولومبيا الشقيقة النصفية ؛ انه اكتشف في احدى المرات وبالوثائق الدامغة , تورط مسؤوله المباشر بالفساد ؛ فذهب وبمعيته الادلة والبراهين الواضحة , وضوح الشمس في رائعة النهار , الى المسؤول الحكومي الاعلى , قائلا : جئناك مستغيثين من هول ما عانينا من حيتان الفساد ومردة الاحزاب ومنظري الفرهود وصكاكي الشهود ومفرقي الحشود والسارقين لمال الله وعبد الله معا , وقالوا لي ان في الوزارة مسؤولا عادلا لا يظلم عنده احد , و مديرا نزيها لا يخمط دينارا من احد ؛ فأجابه نجاشي الوزارة : اعطني ادلتك واذهب انت الى عملك , بأمان الله وربعه , وانشد قائلا : ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ** ويأتيك بالأخبار من لم تزود ؛ وعندما خرج الموظف الامين والنزيه البائس المسكين من غرفة المسؤول ؛ صاح وراه السكرتير : (( تالي الليل تسمع حس العياط )) وفي اليوم التالي ذهب الموظف كعادته الى عمله الحكومي ؛ وتفاجأ بوجود مسؤوله المباشر في غرفته , ماسكا بيده الادلة والوثائق التي ارسلها الموظف الى المسؤول الاعلى ؛ وضرب بتلك الاوراق وجه الموظف وصرخ به , قائلا : ((الملح والزاد ما غزر ولا فاد )) و وبخه على خيانته , وحذره من مغبة فعلته وسوء عاقبته ؛ وقد صدق فيما قال , اذ لم تمض سوى ايام معدودات , واذا بالموظف الحرامي يطرد من الدائرة الحكومية النزيهة ؛ وصدق من قال : (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ) و لم يعلم هذا الموظف الغبي ان (السمجة خايسة من راسها ) .
ولا ادري ماذا يقصد هؤلاء بالتشويش ؟
وسط ضجيج مئات الفضائيات والاحزاب والصحف والحركات والاذاعات و صخب و ( هوسة ) مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الاعلامية والثقافية المختلفة ؛ كيف يستطيع ناشط مكرود او كاتب لاحول ولا قوة ؛ التشويش والتلاعب بالرأي العام ؛ لا يستطيع وان كان مؤيدا بروح القدس ...؟!
والناشط علي العبادي قد طرق ابواب المسؤولين , ومع ذلك لم يجد آذانا صاغية ؛ وعندها ذهب الى الاعلام لنقل معاناة العراقيين والبصريين , واما مطالبته بالدليل ؛ فهذا الامر مما تضحك له الثكلى ؛ صحيح ( احن غنم ما شايفين بس بعرور شايفين ) وكما تعلم سيدي الفاضل المطالب بالأدلة على وجود الفساد والظلم ؛ أن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير أفلا يدل هذا الخراب والدمار الكبير والخمط والبوك الكثير على المسؤول الفاسد الشرير والضابط المجرم الخطير ؟!
ولماذا تطالب بحبسه وهو لم يذكر شخصيات بعينها ؛ انما ذكر حالات وقصص يتداولها الناس في احاديهم بصورة شبه يومية , وتكاد تكون من المسلمات ؛ نعم قد نختلف معه بالنسب المذكورة الا اننا لا نستطيع الادعاء بأن سجون ومدارس ومستسقيات ودوائر الحكومة في العراق مثالية و تخلو من السلبيات والانتهاكات والخروقات ؛ والرجل ذكر بعض السلبيات التي وردت مسامعه كما وردت مسامعنا , وهذا البعض يستهجن متابعة الحكومة لكل ما يكتب ويقال في وسائل الاعلام ؛ وهذا الامر من الغرابة بمكان ؛ فهو يطلب من الحكومة غض البصر عن ما يدور في وسائل الاعلام ؛ وكان الاحرى بهؤلاء نصيحة الحكومة بتتبع كل شاردة و واردة في وسائل الاعلام والواقع كما تفعل الدول المتحضرة والمخابرات الكبرى ؛ ضمانا لسلامة امن الوطن والمواطن ؛ وليس التغافل عما يذكر ؛ فالشك بداية المعرفة كما يقال لاسيما في القضايا المصيرية والامنية ؛ والحالة الطبيعية ان تكون معرفة الحكومة بحقائق الامور اكثر بكثير من معرفة النخب والمنظمات والجماهير ؛ باعتبار امتلاكها لكل المقومات المادية واللوجستية والموارد البشرية ؛ بخلاف امكانيات الافراد المحدودة ؛ ولكن هذا الفرض يصح ان كانت الحكومة مثالية وعناصرها وطنية وكفوءة ومخلصة ومنضبطة ؛ اما اذا كانت الحكومة هشة وضعيفة ومنقسمة ومتشظية ؛ فالحال لا يحسد عليه .
اذ يستطيع ابسط مسؤول حكومي الان ؛ التنكر والذهاب الى اية دائرة , او الدخول الى احد المراكز او السجون , والاستماع الى هموم الناس والمراجعين والسجناء والموقوفين ؛ عندها سوف يسمع العجب العجاب - ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) - ويقول في قرارة نفسه : ( لو ضالين على سوالف علي العبادي هواي احسن ) .
ولو حاسب المشرع العراقي كل من تكلم بصورة عامة , وانتقد عمل الدوائر والوزرات بحجة التشويش والتضليل والتلاعب بالرأي العام ؛ لامتلأت السجون بملايين المواطنين ؛ واولهم المسؤولين الذين يصرحون بمختلف التصريحات التي تدين عمل الحكومات والدوائر والوزارات ؛ فضلا عن برامج واخبار الفضائيات ... ؛ وعليه ارجو من السيد محمد شياع السوداني التدخل في الامر , وحماية الاعلام والصحافة ومنظمات المجتمع المدني , ومتابعة عمل الدوائر الحكومية وتطهيرها من العناصر المخربة والفاسدة , وان لا يغيب عنكم انما الناشط علي العبادي مواطن عراقي نبيل وجنوبي اصيل يعمل لصالح الوطن والمواطن ويحاول رفع الظلم عن السجناء العراقيين الاصلاء من الذين لم تتلوث ايديهم بعمليات الارهاب والخيانة ؛ فمن الظلم والحيف تطبيق القوانين بصورة اعتباطية او انتقائية يعني على ناس وناس كما يقول العراقيون ؛ ولا تنسى الحديث المنسوب للنبي محمد والذي يوضح فيه ان سبب هلاك الامم والدول عدم تطبيق القانون بصورة عادلة وشاملة وبلا استثناءات ؛ اذ قال : (( إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها )) .