ان عدم المشاركة في العملية الانتخابية ؛ مسألة طبيعية في كافة البلدان الديمقراطية والدول المتحضرة ؛ لذا تختلف نسب المشاركة بين انتخابات واخرى , تبعا لعدة ظروف وعوامل معقدة ؛ وكذلك تعتبر المعارضة السياسية من صميم التجربة الديمقراطية ؛ وهذا الامر لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان , ولكن المشكلة تكمن فيما اذا اخذت ظاهرة عدم المشاركة بالاتساع والشيوع بين الجماهير بسبب عوامل الاكراه والجبر والتهديد والوعيد , وكذلك اذا تنكرت المعارضة لمبادئ الديمقراطية وقيم المدنية والتداول السلمي للسلطة , وذهبت الى تبني خيارات التآمر والخيانة والتعاون مع الجهات الخارجية والقوى المعادية ؛ والعنف والدموية واستخدام القوة , وانتهاك القوانين وخرق السيادة الوطنية , واحداث الفوضى في المجتمع والاخلال بالأمن والسلم الاهلي ... ؛ فهؤلاء يتزنون بزي الديمقراطية وفي الحقيقة هم دكتاتوريون حد النخاع , ويظهرون الالتزام بالقوانين والايمان بالسلم والسلام ويشهد الله عليهم انهم من عتاة الارهاب والتخريب , وحيتان الفساد , والخارجين على القانون .
البعض دخل اروقة الحكومة ومؤسسات الدولة ؛ بعقلية ( الخوشيه والبلطجيه ) فراح ( يأخذ الخاوات كالشقاوات ) يفرض الاتاوات على الكتل والاحزاب والشركات والتجار ؛ بحجة المحاصصة وتقاسم ( الكعكعة) , وبذريعة الدعم والتبرع للمكاتب الاقتصادية والمشاريع الثقافية والانسانية والدينية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها ... ؛ وخاض المعترك السياسي بالوسائل البدائية والرؤى الساذجة والاساليب المنحطة الشوارعية والامراض النفسية والعقد الاجتماعية ؛ ولم يحتكم للحوار الهادف والسياسة العقلانية والسلمية والقيم المدنية والمثل الاخلاقية ومبادئ حقوق الانسان والديمقراطية .
فمن الطبيعي عزوف البعض عن المشاركة الانتخابية او مقاطعتها من قبل البعض الاخر , ولكن ليس من الحكمة والسياسة , اتخاذ هذا القرار اذا كان يؤدي فيما بعد الى مخرجات سياسية سلبية تكبد الشعب او الجماهير او الطائفة او الجماعة او الاغلبية خسائر لا تعوض وكسور لا تجبر , ونتائج كارثية مدمرة تحرق الاخضر واليابس ولا يسلم من شرها وشررها المشارك والمقاطع على حد سواء , وتبقى السياسة تعني فن الممكن ومراعاة الظروف الانية والتحديات الداخلية والخارجية .
وبسبب هذه الطغمة السياسية المنكوسة والشرذمة الجاهلة ؛ اساء الناس الظن بالسياسة والساسة منذ تأسيس الحكومة العراقية الهجينة عام 1921 والى هذه اللحظة , اذ يعتقد البعض بأن اهل السياسة يمثلون الفساد بجميع اشكاله ، والتلاعب بكل اساليبه، والخداع بشتى الوانه , وانه يغلب على صفاتهم النفاق والكذب وعدم الصدق في الوعود ... ؛ فمن باب يدعي البعض الاسلام والسلام والالتزام بالقوانين واحترام الحكومة والدولة وارادة الجماهير ... ؛ ومن باب اخر يعمل جاهدا على فرض اراءه وخزعبلاته وشعاراته على الناس بالإكراه والقوة , وينصب نفسه ناطقا رسميا بأسم الشعب والطائفة والجماعة ولا يسمح للآخرين بادعاء ذلك حتى وان كانوا اجدر منه ... , لذا تراه لا يكتفي بالمقاطعة والمعارضة فقط , بل يعمل على تهديد المرشحين , وتشويه سمعة الشخصيات الوطنية , وارباك الاوضاع العامة , من خلال سلسلة من السلوكيات الهابطة والافعال الاجرامية والخروقات القانونية ؛ كالاغتيالات والاعتداءات وحرق المقرات ونشر الشائعات والدعايات وتمزيق صور المرشحين و( البوسترات ) وافشال حملاتهم الانتخابية وعرقلة مشاريعهم السياسية والاعلامية , وتهديد وتخويف الناخبين من ممارسة حقهم الانتخابي والادلاء بأصواتهم ... الخ ؛ والشيء بالشيء يذكر , فقد جمعتني احدى المناسبات الاجتماعية بأحد الاشخاص ورأيته يهدد ويتوعد كل من يحاول المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات القادمة ؛ قائلا : (( والله اي واحد يشارك الا انكسره بالتوثيه )) ولا أدري من يقصدهم بتهديده هذا ؛ فهل كان يقصد عائلته ام جيرانه ام جماعته او طائفته او الشعب بأكمله ... ؟!
والجمهور العراقي الواعي يتساءل كالعادة : الى متى نبقى ندور بنفس الدوامة , ونصرف الجهود والاوقات في جدال صورة المرشح وضرورة حمايتها او مشروعية تمزيقها وحرقها ...؟!
انهم يريدون توريث الحكومات المقبلة والاجيال العراقية اللاحقة ؛ بلدا خربا , و وضعا هشا , وخزينة خاوية ؛ بسبب هذه الجرائم والمؤامرات والاضطرابات التي تستنزف جهود المواطنين وثروات ومقدرات الوطن ؛ مما سيفرض على العراق والامة والاغلبية العراقية واقعا قاسيا ومؤلما وصعبا ؛ يعرقل جهود ابناء الامة والاغلبية العراقية في استعادة الاموال المنهوبة وتصحيح المسيرة السياسية المنكوسة واصلاح الاوضاع العامة المأساوية ودفع عجلة الديمقراطية نحو الامام ... ؛ لان الناس عندما تصحو في قابل الايام ؛ ويحاولون اصلاح ما افسده الانكليز والامريكان وعملائهم من الغرباء والدخلاء والانذال والخونة ؛ سيكتشفون أنهم في وطن يخلو من الطاقات البشرية المتعلمة وذات الاختصاصات العلمية المهمة والمهارات الصناعية والكفاءات الفنية الدقيقة ؛ ومن الثروات والخيرات والاموال ... ؛ وكذلك سيعرفون ان العراق قد خلى من الفاسدين والعملاء والمنكوسين ؛ لانهم هربوا من الوطن وبجعبتهم الاموال المسروقة وجوازات السفر الاجنبية كما فعل العملاء من قبلهم , ويستمر الوضع على ما هو عليه الى ان يغير الله نفوس وعقول القوم فتتغير احوالهم نحو الافضل .