من وحي سورة الكهف
( مجمع البحرين / الرمز والبركة 6
................................
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا. فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا. فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).
تستوقف المتأمل في الآيات السابقة عدة لفتات، ومنها /
( مجمع البحرين ) والذي قال فيه المفسرون - على خلاف بينهم - إنه اسم علم لمكان، وهو أيضا رمز لالتقاء عالمين؛ قطب الشريعة في ذلك الحين، نبي الله موسى عليه السلام، وقطب الحقيقة حينها، العبد الصالح / الخضر عليه السلام.
ويبدو لي والله أعلم أنه اسم لمكان مبارك فعلا، وتجلت بركة ذلك المكان في جانبين مهمين هما /
1. عودة الحياة للحوت - عند تلك النقطة - أو على الأقل، عودة الحوت لرحمه / موطنه الأول( البحر).
وقد ذكر بعض المتدبرين في كتاب الله عز وجل أن استخدام موسى عليه السلام لمفردة ( غداءنا)، تعد دليلا على أن الحوت الذي كان يحمله غلام موسى، جاهزا للأكل، ومن يدري فلعله كان مطبوخا أو مشويا،
ثم إن عبارة ( اتخذ سبيله)، تشي بنوع من الحياة، بينما مفردة( عجبا) التي اعقبتها تدل على حدث مثير وعجيب، وربما خارق للمألوف.
2. عثور موسى عليه السلام بعد عودته إلى تلك المنطقة على بغيته ( العبد الصالح / الخضر ) عليه السلام هناك.
وكون ذلك الرجل صالحا، وأتاه الله رحمة وعلما
( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)، فتواجده في ذلك المكان تلك اللحظة، ينبئ عن( بركة )، و( طاقة) عظيمة أودعت فيه من قبل رب العالمين.
وربما كان ذلك المكان قريبا من الجبل الذي تجلى فيه الرب عز وجل لموسى عليه السلام، عندما سأله موسى النظر إليه، وربما كانت بركة وطاقة ذلك المكان، مستمدة من النور الإلهي العظيم الذي رافق تجليه عز وجل.
وقد يكون قريبا من الطور أو الوادي المقدس( طوى ).
( اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ).
وأيا كان، وحيثما كان فهو مكان مبارك.
* فطنة سيدنا موسى عليه السلام ونباهته في التقاط الإشارة الربانية من ذلك الحدث، حيث أنه بمجرد أن أخبره فتاه بقصة الحوت، حتى قال /( ذلك ماكنا نبغ)، لأنه عرف - والله أعلم - أن مكانا يقع فيه حدث كهذا، هو مكان غير عادي، وطالما أن ( العبد الصالح / الخضر ) رجل غير عادي، فمن المرجح أن يلتقي به عند تلك البقعة، هذا مالم يكن قد أوحي إليه بذلك من لدن رب العالمين. الآيات الكريمة لم تشر لشئ من ذلك، ولكن هناك أحاديث نبوية تذكر ذلك.
ولعلنا نستأنس هنا بالتقاطة سابقة لموسى عليه السلام، حيث توقف عند الفتاتين( ابنتي شعيب ) عليه السلام، عندما وجدهما تذودان، ولاتسقيان غنمهما... الخ القصة.
فكم من شخص مر عليهما هناك قبل موسى، ولم يسترعه الأمر.
عندما التقط الإشارة هناك، كأفأه الله تعالى بأن منحه فرصة اللقاء بنبي الله شعيب، الذي طمأنه من النجاة من القوم الظالمين، ووجد عنده زوجا له، وعمل يقتات منه.
أما عندما التقط الإشارة هنا، فكافأه المعطي الكريم بالعثور على من مايبحث عنه؛ العبد الصالح ليتعلم منه دروسا مباشرة وغير مباشرة.
وهناك التقاطة منه عليه السلام عندما أنس/ أحس/ أبصر النار.
إن التقاط الإشارة، والحس العالي مزية لاتأتى لكل إنسان، ومن يؤتها فقد أوتي خيرا كثيرا.
...................................