من وحي سورة الكهف 7

( النبي صلى الله عليه وسلم في أول السورة ووسطها وختامها).

............

لعله مما يستوقف نظر المتأمل والمتدبر في هذه السورة العظيمة، ذكر الله عز وجل لرسولنا صلى الله عليه وسلم في أول آية منها، وفي آخر آية كذلك، كما أنه يذكر أيضا في عدة آيات أخر داخل السورة.

أول آية (الحمد لله الذي أنزل على "عبده“ الكتاب....).

آخر آية(قل إنما أنا" بشر“ مثلكم........).

إن مفردة(عبده)، تشير ضمن معانيها ودلالاتها المختلفة إلى معنى(الاصطفاء)، و(التكريم)، و(التشريف).

يقول الشاعر /

ومما زادني شرفًا و تيهًا وكدت بأخمصي أطأ الثريـا

دخولي تحت قولك: ياعبادي وأن صيَّرت أحمد لي نبيـا

ولكن رغم الاصطفاء والتشريف له، كونه آخر الأنبياء عليهم السلام، ألا إن آخر آية تطلب منه أن يعلن للناس كافة أنه (بشر)، مثلهم، غير أن الله عز وجل يوحي إليه.

فلماذا هذا التأكيد الذي كان الكلمة الفصل، والمسك الختام في نهاية هذه السورة؟

يبدو لي - والله أعلم وأحكم - أن ذلك تعليم للأمة، ودرس قرآني لها - حتى تقوم الساعة-، وهو أن أن لاتغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاتطره، ولاتقدسه لذاته - كما فعلت الأمم السابقة مع رسلها، وأنبيائها، والصالحين من أقوامهم، حتى أن بعضهم عبدوهم مع الله عز وجل، وبعضهم عبدوهم من دونه.

وفي يقيني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل بالتوجيه القرآني العظيم على مختلف الأصعدة.

ألم يكن عليه الصلاة والسلام (قرآنا) يمشي على الأرض؟ لايتسع المقام هنا لذكر صور من تواضعه لدرجة أن الأعرابي كان يأتي يسأل الصحابة ورسول الله بينهم: (أيكم محمد؟)، والرسول متكئ بين ظهرانيهم!

ألم يقل (.... إنما أنا ابن إمرأة كانت تأكل القديد بمكة)!.( على خلاف في صحته).

نقطة أخرى أن ذلك يتسق ويتماهى مع موضوع السورة الرئيس، و قضيتها الكبرى (التوحيد).

إن بشريته عليه الصلاة والسلام التي ختمت بها السورة صراحة، - لتستقر في الأذهان، وترسخ في الأفهام- قد تمت الإشارة إليها ضمنا في ثنايا السورة، من خلال خطاب الله عز وجل لرسوله الكريم أمرا ونهيا، توجيها وعتابا/

( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا).

(ولاتَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا).

( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).

.....................................