بعد بداية معركة مطار تفتناز في سوريا، أُبلغت عائلتي أنه يجب علينا مغادرة القرية. بعد أن نزحنا قبلها عدة مرات من قرية والدي تلمنس، لم يكن لدينا خيار سوى اللجوء إلى تركيا. غادرنا معًا: أنا، وأخوتي الاثنان، وأختي الصغيرة، ووالدي بحثاً عن حياة أفضل.


لم ألبث أن افرح بعودتي إلى المدرسة بعد افتتاح مدرسة سورية بمدينة الريحانية حتى حصل التفجير الكبير. في يوم 11.05.2013 أثناء خروجي من المدرسة، شعرت برعشة غريبة تمر عبر جسدي، ثم فجأة انفجرت الأرض حولي، مما جعل كل شيء غير واضح. الدخان الكثيف، الصرخات المدوية، والذعر العارم كلها تجمعت في لحظات قليلة. هذا التفجير كان واحدًا من أكبر التفجيرات الإرهابية في تاريخ تركيا، حيث أسفر عن مقتل أكثر من خمسين شخصًا وإصابة المئات.


في تلك اللحظة المروعة، كنت أحس بالزجاج يخترق جلدي، يعلو صوت نبضات قلبي كل الأصوات المحيطة بي. الزجاج في فمي، لم أكن أعرف إن كان ما أحس به هو فقط قطع الزجاج أو هل كانت أسناني قد تحطمت. الألم الحاد، الذعر، والدماء التي كنت أحس بها تتدفق من جسدي، كلها جعلتني في حالة من الصدمة والإغماء. وسقطت على الأرض محاولًا فهم ما يحدث حولي، ومتسائلًا عن مصير عائلتي.الشعور بالخوف والقلق كان يعتصر قلبي. هل كانت عائلتي بخير؟ هل أصابهم شيء؟




رغم الألم والرعب، تمكنت من المشي، حيث وجدت بعض الشباب المحليين الغضبين الذين كانوا يعتقدون أن السوريين هم من قاموا بالتفجير، يحملون العصي ويرغبون في الانتقام. هربت منهم حتى استقبلتني امرأة تركية عجوز في منزلها، أسرعت السيدة لمساعدتي بكل إنسانية. برفق وعطف، قامت بغسل الدماء التي كانت تغطي وجهي ويديّ، وتبديل قميصي الملطخ بالدماء بقميص ابنها. كانت تعتني بي كأنني أحد أبنائها، وفي تلك اللحظات، شعرت بالأمان والراحة في وسط الفوضى التي كانت تحيط بي.


بعد أن أخذت تلك المرأة الرائعة العناية بي، شعرت بأنني يجب أن أبحث عن عائلتي. وفي أحد الأزقة، وجدت أمي الذي كانت تبحث عني بينما كانت عيونها ممتلئة بالدموع. أحضنتني بشدة، وكان باقي أفراد عائلتي معها، جميعهم قلقون لكننا كنا معًا مرة أخرى.


الأوضاع كانت معقدة وكان الخطر يحيط بي من كل جانب. بفضل الله، تمكنت من الوصول إلى تلك العيادة السورية، حيث كان الأطباء السوريين يقومون بتقديم الإسعافات الأولية للجرحى. الألم كان شديدًا، وكل حركة أو مسة كانت تزيد من ألمي.


تم تقديم الإسعافات الأولية لي في عيادة سورية نظرًا للتوتر في المشافي التركية و تمت معالجتي حيث تم عمل أكثر من خمسين قطبًا في رأسي، وجهي، يدي، وكتفي. الألم كان شديدًا، لكني بدأت في التعافي بمرور الوقت بفضل دعم عائلتي.




بعد التفجير الذي هز حياتنا، شعر والدي بأن الأمان الذي كنا نسعى إليه في تركيا قد تبدد. مع تصاعد الأسعار وصعوبة الحياة، أصبح اليأس والقلق ملازمًا لقلوبنا. بدأا يفكران في العودة إلى سوريا، معتبرين أنه رغم عدم وجود الأمان هناك، إلا أن الموت في أرض الوطن قد يكون أفضل من حياة الغربة. أضافوا إلى ذلك رغبة والدي في رعاية جدي وجدتي المسنين في آخر أيامهما.


أخيراً قرر والداي العودة إلى ادلب و الاستقرار في الشمال و عارضت هذا القرار خصوصاً بعد التجربة مع التفجير لم أشعر أني مستعد لسماع أصوات الرصاص و التفجيرات و الحرب مرة أخرى، بدأت البحث عن حل، و عندما سمعت أن قريب والدتي آت من اسطنبول حيث وجد عملاً هناك سارعت بالذهاب إليه و سؤاله عن اخذي معه عندما يعود و أنني أريد العمل لأعين أهلي و نفسي.


كان الانتقال إلى إسطنبول خطوة كبيرة بالنسبة لي، خصوصًا في ظل غياب العائلة. لكن وجود قريبي كان مصدرًا للراحة والدعم. استقبلني بحرارة وقدم لي المساعدة في البحث عن عمل ليكون لي مصدر دخل.rwjd 

قريبي كان يعمل في ورشة خياطة وقدمني لصاحبها. كان البيئة جديدة تمامًا بالنسبة لي، لكنني كنت حريصًا على التعلم. بدأت بمهام بسيطة، مثل قص قطع القماش. علمني صاحب الورشة كيفية استخدام الأدوات بشكل صحيح وكيف أتقن القص بطريقة احترافية.

مع مرور الوقت، بدأت أحسن في عملي وزادت خبرتي. كنت أعمل لساعات طويلة، ولكنني كنت راضيًا، فكل يوم كنت أتعلم شيئًا جديدًا وأحقق تقدمًا. كما كنت أحصل على راتب يسمح لي بدعم نفسي ومساعدة عائلتي في سوريا. كانت تلك فترة تحول في حياتي، حيث تعلمت الكثير عن العمل والمسؤولية وأهمية الاستقلالية.