من وحي سورة الكهف 8 / قتل الغلام / سؤال ودرس! ( الجزء الأول )

*********

( فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا).

..........

( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)

...........

أثير ومايزال تساؤل حول قتل الرجل الصالح/ الخضر عليه السلام للغلام؛ تلك النفس الزكية التي لم تبلغ سن التكليف بعد، والتي أزهقت بغير حق -في ظاهر الأمر- وما سؤال واستغراب سيدنا موسى عليه السلام لذلك الصنيع الذي أقدم عليه الخضر إلا أول إثارة لتلك القضية.

(قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا).

وقد رد أهل العلم قديما وحديثا على هذه الشبهة من زوايا مختلفة، ولكل زاوية منها في الأعم والأغلب معقوليتها ومنطقيتها ومرجعيتها.

إن كون ذلك الفعل الذي أقدم عليه الخضر رغم بشاعته الظاهرية كان بأمر من الله عز وجل (ومافعلته عن أمري)، يرد الشبهة؛ فالله وحده هو مانح الحياة، وهو أيضا منهيها وقاطعها متى ماأراد (يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير).

ثم إن الكون كله ملكه سبحانه (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).

لله المثل الأعلى، وإلا فمن يعاند سيدا في ملكه؟!

العدالة الإلهية هنا لايبحث عنها بمعزل عن العلم الإلهي الأزلي؛ فقد سبق في علمه سبحانه - عالم الغيب والشهادة - أن هذا الغلام سيرهق والديه الصالحين طغيانا وكفرا؛ فهو عز في علاه العالم بما كان ويكون، وهو العالم أيضا بمالم يكن لو كان كيف سيكون.

نقطة أخرى تستحق التوقف، وهي أن في قتل هذا الغلام حياة لوالديه، وبقاء لهما بإذن الله على العقيدة الحق في ظلال التوحيد ورحاب الإيمان حتى يلاقيا ربهما.

حدث هنا قتل/موت لشخص واحد قاصر مقابل حياة طيبة لشخصين بالغين ناضجين، ويمكن أن يمتد الأمر إلى نسلهما وأحفادهما من بعدهما جيلا تلو آخر.

ولا ننسى أن الأبوين اللذين فجعا في طفلهما سيعوضهما الله ب (خير منه زكاة، وأقرب رحما) وفي ذلك لطف ورحمة وكرم لهما من الله.

ويبقى السؤال:

ماذا عن الغلام المقتول نفسه؟

بالمعايير البشرية القاصرة والمحدودة فإن ذلك الغلام قد ظلم!

لكن هذا الأمر ينطبق في حالة واحدة فقط؛ وهي عندما تكون هذه الحياة الدنيا هي كل (الحكاية)! وهذا ليس بصحيح البتة.

فهذه الحياة كما يعرف كل ذي لب دار (ممر) لا (مستقر).

(وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)!

ومن يدري... ماذا أعد الله لهذا الغلام في آخرته؟ لعل الله أراد به خيرا بهذا الصنيع (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) وقد يعوضه الله بحياة أبدية، يكون فيها خالدا مخلدا في فسيح جنانه، وينسى ماحدث له في دنياه، عندها يتمنى ملايين من الإنس والجن لو كانوا مكانه.

ولنا في أمنية الشهداء في سبيل الله تعالى عند ربهم عظة وعبرة؛ حيث يتمنون أن يعيدهم الله إلى الحياة الدنيا ثانية، فيقاتلون في سبيله، ويقتلون؛ وذلك لما رأوا من عظم أجر الشهادة في سبيل الله، وثواب الشهداء.

ولعل في قتل ذلك الغلام رحمة له نفسه، ونجاة من حياة ملؤوها الشقاء والعناء، و ختامها سوء عاقبة، وخاسر مآل.

وربما لو قدر للغلام الحياة لأتى إليه من يقتله، أو لقتل هو نفسه.

الموت مصير كل حي، سواء كان بيده أو بيد غيره، أو نتيجة مرض أو زلزال أو حرب أو جوع... الخ.

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره /

تعددت الأسباب والموت واحد.

وهنا يحضرنا قوله تعالى :

(ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سييلا).

أما القيمة التي يمكن أخذها من حادثة قتل الغلام فسنحوم حول حماها الأسبوع المقبل بمشيئة الله تعالى إن كتب لنا البقاء واللقاء.

............