أخبرني يا صديقي، لم أراك مهموما هكذا؟

أجابني بعد صمت محدق أنهاه بتنهيدة طويلة:

- يقول نيتشه "ينبغي أن نحمل بداخلنا سديما كي تولد نجمة راقصة"

لم أفهم مالذي يرمي إليه،  صديقي هذا ليس من النوع الذي يحبذ الطرق المختصرة في أي أمر يخوضه لكن لا ضير في ذلك، القهوة لا تزال دافئة و النارجيلة في أوج توقدها، و الليل أمامنا طويل! سحبت نفسا طويلا من نارجيلتي و نفثته أمامي ليشكل سحابة كثيفة بيننا.

- حسنا، هل يتوجب علي أن أقلق بخصوص السديم أم النجمة، أم كونك تقتبس لنيتشه؟

لم يزل محافظا على تعابير وجهه القلقة، أشاح ببصره عني لينظر نحو اللاشيء

- غدوت بلا سديم يا صديقي، خمدت نجمتي الراقصة و لم يبق بداخلي سوى هاوية، أنظر إليها و تنظر إلي، ضوضاء شديدة تملأ رأسي و تشتت تركيزي، لست قادرا على الكتابة، على الإبداع، على تقديم شيء من نتاج فكري مثلما كنت أفعل في السابق، أشعر بأني أصبحت جسدا أجوفا لا يوجد بداخله إلا الخواء.

ارتشفت رشفة من فنجان قهوتي و سحبت نفسا آخرا من نارجيلتي، واصلت الصمت و لم أدل بأي تعليق فما كان من صديقي المهموم إلا مواصلة حديثه.

- منذ زمن و وقتي ليس ملكا لي، تركيزي كله بحوزة شخص آخر، أو كيان آخر....لا أعلم حقا أي لعنة حلت بي!

ضحكت ضحكة مقتضبة و أنا أشير نحوه بخرطوم نارجيلتي.

- أحقا لا تعلم؟

- نعم، مالمضحك في الأمر؟!

- لاشيء، واصل حديثك.

- لا أدري ماذا أقول أكثر من ذلك؟ حقا لا أدري! أشعر بأني مستنزف في كل شيء: طاقتي، وقتي، قدرتي على الكلام، قدرتي على الإختيار، قدرتي على التحكم بحالتي المزاجية...كأني مسير بفعل قوى أخرى مجهولة!

- أو تظن ذلك؟

- نعم.

- حسنا يا صديقي، إن كنت لا ترى ما سبب مشكلتك فهي حماقة منك، و إن كنت ترى و تتجاهلها عمدا فحماقتك أكبر!

- ماذا تقصد؟

- هلا ناولتني هاتفك المحمول؟

- حسنا، لكن لماذا؟

- هلا ناولتني إياه و حسب؟

ناولني إياه على مضض و توجس و لم أكذب له خبرا؛ حالما تناولته منه ألقيت به بكل ما أوتيت به من قوة نحو الجدار ليتحول إلى عدة قطع عديمة الفائدة.

و كأنما لعنة و قد أزيحت عنه، تبدل حال صديقي إلى الأفضل و انزاحت النظرة المهمومة من على محياه و لا يزال غير مصدق لما حدث

- مـ...مالذي فعلته؟!

أجبته بكل برود و أنا أنفث دخان نارجيلتي تجاه وجهه

- لاشيء، سوى أني أعدت لك سديمك، و ماهي مسألة وقت حتى تعود نجمتك الراقصة من جديد.....

"من لا يملك ثلثي يومه فهو عبد" - فريدريك نيتشه