كل الجنون الذي مر بي في سالف حياتي وماضيها مر دون ان يبقي لي أثر من العقل , لإن بعض الجنون فيما نفعله هو بالأصح ضرب من ضروب العقل والفكر وبعض الصواب طوراً يكون جنوناً , ولكنني كنت أعيش عبث جنون محض لا يوجد فيه قيمة للعقل ولا نبع من ينابيع الجنون ,فترد المياه حارة مالحة غورا لا يستسيغ طعمها أحد ولا يهنأ بها شارب , أما الآن فجنوني هو قمة العقل بعد أن عرفتك ايقنت بأن جنوني هو الحكمة في هذه الحياة فلا تلوميني على إبقائك في تلك الدائرة ووسطها لإن أي تصرف آخر لن يعطي للحب معنى ولن يدور في فلك السعادة أبداً فاعلمي رعاك الله انك في تلك الدائرة تنعمين بحياة لم تنعم بها فتاة من قبلك أولا تريدين أن تعيشي خالدة في كتب التاريخ كعاشقة ظل عاشقها المجنون يحبها رغم جنون الموقف وفظاعة الواقع ,وكيف أن ذلك الولع والوله والحب قد دام رغم استحالة التلاقي في عالم ليس فيه تلاقي وإن كان فيه تلاقي , تتلاقى الأحبة من خلال جزئيات الكترونية تسبح في فضاء الانترنت هائمة على وجهها في طوفان من ملايين المعلومات والبيانات التي تضخها تلك الشبكة في كل أرجاء هذا العالم , نعم نتلقى في ذلك العالم نعم نحب في ذلك العالم نعم نهذي بالحب ونجن بالجنون المطلق بين أنامل ترسم حروفها على الشاشات وقلوب و(فيسات) ترسلها تلك الأنامل وقبلات تتهادى على الشاشات نعم نحن نُقَبِل بعضنا البعض عبر حروفنا فكأنها خارجة من قلوبنا لقلوبنا وكأنها أصبحت نبضات الكترونية ترسل دماءنا عبر أوردة الشاشات المختلفة لتصل لنقاط الوصول في أعماق عيون تهتف بنا كلماتها وتستقبل دمائنا المخضبة بعروق الهيام والشوق من خلال تلك الشاشات نراها رأي العين في أحضان احداقنا نضمها ونقبل كلماتها حرفاً حرفاَ , أوليس هذا الجنون هو قمة العقل فشكرا لهذه التقنية التي علمتنا معنى الجنون الحقيقي .