حالة الشك التي تعتري العراقي كريم حمادي اللهيبي، بشأن وجود جهات رسمية تقف وراء الدفع باتجاه تغيير الأسماء في بلده العراق، أصبحت يقيناً بعد إنجازه الإجراءات الرسمية اللازمة لتغيير اسم ولده (عمر) بفترة قياسية وسهولة فاقت جميع المراجعات السابقة للدوائر الحكومية.
لفت نظر كريم أنه شهد ولأول مرة في حياته إعفاء المراجع له من دفع بعض الرسوم المالية فضلاً عن ابتسامة نادرة من موظف حكومي قام بتسليمه هوية الأحوال الجديدة لابنه، والتي صار بموجبها يحمل اسم (عمار) بينما تم إلغاء لقب قبيلته والتي تعد إحدى وسائل الاستدلال على طائفة الشخص في العراق ما يجر عليه ويلات عديدة.
قرار تغيير الاسم اتفقت عليه عائلة اللهيبي التي تسكن في الجزء الغربي من العاصمة بغداد، جاء بعد سنوات من المعاناة التي تعرض لها ابنهم في الشارع والجامعة وحتى المستشفى الحكومي الذي رمقه موظف التسجيل فيه بعين الشك حين أملى عليه الاسم، بينما تحولت النصائح الساخرة، التي يلقيها عليه عناصر الجيش الواقفون في مدخل مدينته العامرية، إلى تهديد صريح بضرورة تغيير اسمه، خصوصاً أنهم يقومون بالاطلاع على هويات جميع الداخلين والخارجين من المدينة، وقاموا بحفظ أغلب الذين يحملون "الأسماء العدوانية" على حد وصفهم.
يؤكد اللهيبي لـ"العربي الجديد":" أن معاملة تغييرالاسم، لم تتسم خطواتها بالتعقيد، ولم تستغرق وقتا طويلا، وجرت على العكس من جميع الإجراءات في دوائر الحكومة العراقية، إذ قدم طلبا رسميا إلى محكمة الأحوال المدنية، التي أحالت الطلب بدورها إلى دائرة النفوس مع نشر إعلان روتيني في صحيفة تصدر بشكل يومي، وبعد مرور عشرة أيام من الإعلان، تمت المصادقة على الطلب، مبيناً أن الدائرة المختصة لا تطالب صاحب الطلب إلا بوثيقة رسمية من دائرة الضرائب تؤكد عدم وجود مبالغ مالية على ذمة اسمه القديم، وبعدها تنتهي المعاملة التي تتضمن تفاصيل مختلفة بشكل بسيط، في حالة كون صاحب الطلب موظفاً، إذ يتم إخطار مؤسسته الحكومية برغبته في تغيير اسمه.
أبو عمر اللهيبي (سابقاً) يقارن بين تسهيلات إجراء تغيير الاسم، التي لمسها بنفسه في الدوائر الحكومية، والتي وصلت إلى حد إعفائه من رسوم نشر الإعلان في الصحيفة اليومية ومصاريف أخرى، وبين معاملة أخرى قام بها في العام الماضي حين اعترض على المبلغ الكبير جداً، لفاتورة الكهرباء التي تلقاها وتطلب منه الأمر مراجعة دائرة الكهرباء الخاصة بمنطقته ووحدة الحاسبات في وزارة الكهرباء، وتقديم طلب لإجراء كشف ميداني على عداد منزله، ومخاطبات رسمية استغرقت أكثر من شهر، وانتهت ببقاء المبلغ على حاله مع الموافقة على تقسيطه عدة أشهر.
لأجل إحكام عملية التغيير ولضمان المزيد من الأمان لولده، فإن اللهيبي لم يكتف بتغيير اسم (عمر) إلى (عمار)، إنما قام برفع لقب عشيرته (اللهيبي) من هوية الأحوال، والذي يدل على أن أصوله من محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية، موضحاً أن عناصر الأمن يعتمدون على اسم القبيلة أو العشيرة لمعرفة الانتماء الطائفي للمواطن، بالرغم من الاختلاط والتنوع الطائفي الذي تضمه أغلب القبائل العراقية.
ما بعد الاحتلال
ظاهرة تغيير الأسماء بحسب الكاتب والصحافي العراقي نوزاد صباح، اقتصرت قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، على حالات الأسماء المعيبة والقديمة التي تسبب الحرج لأصحابها، وكانت رائجة بشكل كبير بين أوساط النساء اللواتي يخترن تبديل أسمائهن القديمة بأخرى عصرية.
يقول صباح في تصريحات إلى "العربي الجديد" إن انطلاق ظاهرة تغيير الأسماء لدوافع أخرى بعد احتلال العراق، في البداية كانت تقتصر على طلبات الذين يحملون اسم رئيس النظام السابق صدام حسين، ولكنه يؤرخ بتفجير مرقد سامراء في فبراير/شباط 2006 كانطلاقة لأكبر عملية تغيير أسماء في العراق، لتفادي القتل والاختطاف على أيدي عناصر المليشيات، فيما راجت بشكل كبير ظاهرة حمل الهويات المزورة لإخفاء الأسماء الحقيقية والألقاب التي تشير لهذه الطائفة أو تلك، خلال الانتقال بين أحياء بغداد التي باتت مقسمة بحسب الانتماء الطائفي.
في تتبعه لجميع تفاصيل الظاهرة، فإن الصحافي صباح يرى تفاوتا في خطورة وتهديد الأسماء لأصحابها، ولكنه متأكد تماماً من أن اسم عمر يبقى الأخطر والأكثر تهديداً لحامله، مشيراً إلى أن واحدا من أبشع مشاهد الفيديو، التي كانت متوفرة على موقع (يوتيوب) سابقاً يظهر احتفال عناصر من مليشيا المهدي، وهم يحتفلون أثناء عمليات الإعدام لأشخاص يحملون اسم عمر في منطقة تسمى (وراء السدة) في شرق بغداد، أحدهم تم حرقه بواسطة مجموعة من إطارات السيارات التي تم تقييدها بها.
المحامي ياسين محسن الحياني، متخصص بقضايا الأحوال المدنية، يلفت إلى أن المادة القانونية الخاصة بتغيير الأسماء يتم استخدامها بشكل خاطئ، وعلى العكس تماماً من الغاية التي قصدها المشرّع العراقي حين نص على أن يكون الاسم المراد تغييره معيبا من الناحية الاجتماعية، وهو ما لا ينطبق على أسماء مثل (عمر وبكر وعثمان وفاروق ومروان وهارون ومعاوية وسفيان وحذيفة وعائشة وحفصة) التي تتصدر قائمة الأسماء التي يطالب أصحابها بتغييرها.
عرض الحياني على "العربي الجديد" نسخة من قانون الأحوال المدنية العراقية المرقم بـ 65 والعائد إلى عام 1972، ينص القانون في مادته العشرين على أن يكون الاسم المراد تغييره معيباً من الناحية الاجتماعية، والتي يفسرها الحياني بأنها الأسماء القديمة والقبيحة التي كانت تطلق على المواليد الجدد في معتقد موروث وخاطئ يرى أن إطلاق الاسم القبيح على المولود الجديد يحميه من المرض أو الحوادث.
يشير الحياني إلى أن الخشية من التصفية الجسدية أو الاعتقال على خلفية طائفية، هما أبرز دوافع الراغبين في تغيير أسمائهم في الوقت الحالي، والذين لن يتمكنوا أبداً من استعادة أسمائهم الأصلية حتى في حالة تغير الأوضاع وانتهاء موجه "الهستيريا الطائفية" الحالية، لأن القانون ذاته وفي مادته الحادية والعشرين يؤكد أن التغيير نهائي ولا يجوز إلغاؤه، والعودة إلى الاسم الأصلي.
أمضى المحامي الحياني أكثر من 15 عاما في العمل بين المحاكم ودوائر الأحوال الشخصية التي يقول إنها لم تشهد في الماضي تسهيلات مثل الموجودة حالياً، في موضوع تغيير الأسماء، إذ يتم تمديد العمل في استقبال الطلبات ساعات إضافية، ويتم تحويل الطلبات بشكل يومي إلى المحاكم التي توافق عليها بانتظام، وتعيد الدعاوى مرة أخرى إلى دائرة الأحوال، التي تستثني هذه المعاملات من إجراءات الروتين، وتقوم بإصدار الهويات الجديدة وبرسوم مالية رمزية جداً، تختلف عن المبالغ المرتفعة التي تتقاضاها عن بقية معاملات الأحوال المدنية.
الدولة تساعد الراغبين في تغيير الأسماء
يقر الضابط علي لعيبي من دائرة الكرخ للأحوال المدنية في العاصمة بغداد، بوجود "إقبال كبير جداً"، على معاملات تغيير الأسماء ممثلة بطوابير طويلة من المراجعين الذين يصطفون في ساعات مبكرة أمام أبواب دائرتهم أو المحكمة المختصة، ولكنه يرفض الحديث عن تحديد نوع وعينة الأسماء المستبدلة.
ومع تأكيد لعيبي (ضابط برتبة ملازم أول) لـ"العربي الجديد": "أن الحالة الأمنية والتجاذبات الطائفية تمثل الدافع الأول لتغيير الأسماء إلا أنه يعود للقول "نؤدي واجبنا الرسمي ونتسلم المعاملات لإنجازها من دون النظر إلى الاعتبارات الطائفية، لأننا لا شأن لنا بالدوافع والأسباب ونحن معنيون بتنفيذ الواجب المنوط بنا".
الضابط لعيبي بين أن وزارة الداخلية وجهت أخيراً دوائر الأحوال ألمدنية في بغداد وبقية المحافظات العراقية باستئناف العمل في استلام وإنهاء معاملات تغيير الأسماء، التي توقفت عدة سنوات لأسباب أمنية، مبيناً أنه يرى في هذا الإجراء مساعدة للناس الذين تضطرهم الظروف إلى تبديل أسمائهم، بغض النظر عن الدوافع".
أستاذ علم الاجتماع علي كرجي الحلبوسي يرى أن العبارة الأخيرة للضابط لعيبي تثير السخرية والاستغراب في آن، حين يتحدث عن مساعدة الدولة للناس من أجل تغيير أسمائهم، مشدداً على أن واجب الدولة الدستوري هو حفظ الأمن وإزالة الأسباب التي تدفع بالناس إلى استبدال أسمائهم.
الحلبوسي يؤكد لـ"لعربي الجديد" أن حالة تغيير الأسماء حصلت في نطاق ضيق جداً في بعض البلدان وتلت عمليات الانقلابات والثورات وكانت تستهدف الأشخاص الذين يحملون أسماء لزعماء وقيادات تمت الإطاحة بها، لافتاً إلى أن الوضع العراقي يعد حالة فريدة، وليس لها مثيل في العالم والتاريخ الذي لم يذكر من قبل أن دولة طالبت مواطنيها ودفعتهم إلى تغيير أسماء تعود لرموز دينية وتاريخية عاشت قبل مئات السنين.
الأكاديمي الحلبوسي يبين أن المسؤولية القانونية والأخلاقية لاستشراء ظاهرة تغيير الأسماء تقع على عاتق الدولة التي لم تحافظ على التنوع الطائفي والقومي في العراق، مستغرباً
قيام الصحيفة الرسمية بنشر مئات الإعلانات الخاصة بتغيير الأسماء السنيّة، وبعضها من دون مقابل وتقديم تسهيلات كبيرة لاستبدال هذه الأسماء بأخرى تنتمي للطائفة الشيعية، وهو أمر لم يحصل أبداً من قبل.
ويرى المختص الاجتماعي أن قصاصات هذه الإعلانات الصحافية وصور طوابير المراجعين لدوائر الأحوال وأطنان المعاملات المحفوظة في أرشيف وزارة الداخلية، تبقى دليلا دامغا على حقبة مخزية من تاريخ العراق، وعلى أداء حكومي فشل في منح المواطن أبسط حقوقه، وهو حق التمتع بالاسم الذي يختاره.