الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
Image titleشيء جميل أن تلجأ السلط في البلدان إلى استشارة الرعايا بالاستـفتاء المباشر ، أوبالممثلين عنهم في مختلف المجالس على التسميات المتنوعة ، ومنها المجلس الوطني أوالبرلمان أومجلس الشعب أوالجمعية العامة الوطنية أوالمجلس الشعبي الوطني أوغيرها من المسميات التي لا تتناقض حقيقتها من بلد إلى آخر، والمعروف عن البرلمانات أنـها أسست لتشريع القوانين الحامية للبلد من كل النواحي والمنظمة للحياة به.

والمعلوم أن التشريع من اختصاص أهل العلم والتـقنيين ومحترفي القانون وقواعده التي تستنبط منها الفروع الجزئية مع النظر إلى المقاصد وروح التشريع وغيرها من التقديرات سواء المنصوص عليها أوالاجتهادية.

وتبعا لذلك فإنه من اليقين أن مواصفات نائب الشعب يفترض مطابقتها تماما للشروط السابقة ، لكن العلقم المر الذي تلعقه ثم تتـقيؤه مجالسنا اليوم واقع كئيب يتمثل في شغل المنصب من لا قبل لهم بالعلم ولا بالتشريع ولا حتى بفهم الخطاب المقاصدي ومآلات الأحكام ، إلا من رحم الله ، لعدم الأهلية ، ومعظمهم كبار التجار والمقاولون وأرباب الأعمال ومنتحلو السياسة والتحزب ، المتاجرون في أصوات الناخبين بالمال ، لتنظيفه أوتعويضه بما هو أجلّ عن طريق الاستـفادة بالأولوية من المشاريع الضخمة المعوضة لكل خسارة في سبيل اعتلائه ، لا هم لمثلهم إلا بـما كان متصلا بالثراء ، وكان له أثر عليه ، فهنا تجد الثبات وحضور الجلسات للمتابعة القوية عن كثب لكل ما يسن لضمان خدمة المصالح.

إن ثقافة المال في الاقتراع أصبحت زائرا ثـقيلا على الناخب منذ فتح مجال التعددية وترخيص الترشح لكل جدير وخائب ، وإلا فكيف نفسر استعمال أعوان بالأجور من فترة الترشيحات إلى الحملة الانتخابية إلى يوم الانتخاب؟ منهم الدافع عاجلا ، والمدين غير الوفيّ ، والمكافىء بسلع وغيرها.

إن سطوة المال قد تجثو حتى على الترشيحات ابتـغاء المراتب الأولى في القوائم الانتخابية ، إلى شراء الأصوات التي قد تكون بمحاسبة الناخب على صوته مقابل تقاضي المبلغ المتـفق عليه.

لقد أزاحت هذه الظاهرة العليلة النزهاء والأفاضل من منصب النيابة عن الأمة ، إلى أن تغلغل هذا المرض بين الطبقات الشعبية التي أضحت منبهرة بصاحب المال ومظاهره الخادعة الماكرة ، التي طغت على كل وسائل وأساليب التقدم نحو هذا المنصب ، ومنها الإعلام ، أما الصالح فلم يصبح قادرا على التعبئة الانتخابية لقلة الموارد المادية ، يقبع بين دريهمات قد لا تقوى حتى على طبع معلقات إشهارية ، وحتى المترشح الفقير في قوائم الأحزاب الكبيرة لن يكتب له الوصول لولا مال الحزب الكبير المنتمي إليه.

فلا شرف ، ولافضل ، ولاعدالة ، ولاأمانة ، ولانزاهة ، ولاصلاح ، القيمة الآن للمال .

مع أن كامل التبعة تحمّل للكتل الناخبة من الشعوب التي توصل مثل هؤلاء إلى قباب المجالس وتبيع ذممها بأبخس الأثمان ، ثم تندب حظها ، وتسكب دموعها ، وتخدش خدودها ، وتلطم وجوهها ، إذا شرعت القوانين الجائرة أونـهبت الثروات ، أونسيت المهمات .

الشعوب هي المسئولة عن كل ذلك أمام الله والتاريخ ، فهي التي ترهن حريتها الممنوحة لها دستوريا بأوسخ الأسعار ، ثم تصبغ من نصبتهم طلاء التهم المختلفة ، لأنـها حولت مهمة المال من راع للحرية إلى قاهر لها.

فهل نجد بعد ذلك تشريع قوانين على المقاس العلمي ، والمصلحة الوطنية بجلب المنافع للناس ودرء المفاسد عنهم ؟

هل نجد في هذه الظروف ثباتا على نقاش جاد ، يراعي المنفعة العامة ؟

هل نلقى حيادا على الأقل في النظر إلى التشريع البرلماني ؟

هل نلحظ بعدا كليا عن مراعاة الشخصانية؟

هل نستشعر نظرا إلى الغلابى من الفقراء والمساكين وسن ما يقويهم ويقوي جيوبـهم ويرفع عنهم غبنهم ؟

هل يُصدع بالكلمة القوية النافذة بعيدا عن كل تورط في تجاوزات مالية أوتجارية أوصفقات أوعقود مختلفة؟

هل يُحرص على استقلالية بلده من التبعية للأجنبي ؟

أستحضر أمام القارىء الكريم كلمة الإمام مالك رحمه الله {لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها}

لذلك لن يصلح حال بلداننا إلا بتعديل في ذهنيات الناس بخصوص هذه المجالس بـما يلي :

التوعية الجادة الواسعة النطاق حول الدور الحقيقي للبرلمان.

اعتبار الفائزين بالنيابة عن الأمة أعضاء منتدبين بمرتبات وظائفهم السابقة فقط ، وبذا لن يترشح لها إلا الراغب في خدمتها دون اعتبار آخر.

إلغاء الحصانة القانونية كي يلتزم النائب ما يلتزمه الفرد من الشعب.

إلزام النائب بالحضور في اجتماعات النقاش والمداولات ، وتحميله تبعات الغياب بالإقصاء من المجلس بعد مرات يحددها النظام الداخلي.

سن قوانين بمراسيم رئاسية تعاقب كل من يلح على سن التشريعات الخادمة لمصالح معينة مشبوهة.

وفي هذا الإطار لا أود أن تفوتني فرصة التنويه بتحذير السلطات الجزائرية من استعمال المال وشراء الأصوات في الانتخابات التشريعية لموعد 04 / 05 / 2017 بحول الله.

لعله يكون مقدمة لـمراعاة النائب مصالح الناس فقط ، والتخلي عن التزلف للسلطة التنفيذية بسبب التـغرير المالي ، مع التحرر من القبضة المعنوية له ، مجسدين الفصل التام الواقعي بين السلطات.

حينها يمكن للنائب النظر إلى التشريعات بحياد وفق ما يمليه الضمير فقط بما يتوافق والمنافع العامة الحقيقية للناس. وتحمى بنوعية كهذه لحمة البلدان وهيبتها بين الدول والأمم ، وتزول ذهنية مرافقة الانتخابات للكيس المالي أو كما يسمى ثقافة{الشكارة}.