قبل يومين كنت أراجع في كتب الحنابلة مسألة (حكم النظر لوجه المرأة للحاجة كدراسة، أو معاملة بيع وشراء، ونحوها مما يشق معه صرف البصر عن المتحدث) ..
وبين زحمة الأقوال والتعليلات لا أدري مالذي قادني إلى مراجعة الفروع لابن مفلح ..
وابن مفلح هذا (لمن لايعرفه) أحد دواهي الفقه الاسلامي .. وكان محل تعظيم من شيوخه وأقرانه ومن بعدهم .. وقد كان ابن تيمية –وهو أحد شيوخه- يقول عنه (أنت لست ابن مفلح، بل أنت المفلح) .. وكان ابن القيم –وهو أحد أقرانه- يقول عنه (ماتحت قبة الفلك أعلم بمذهب أحمد من ابن مفلح) .. وكان ابن القيم يراجع ابن مفلح لمعرفة اختيارات ابن تيمية حيث كان أضبط الناس لها. وكان ابن حجر يقول عنه (أورد ابن مفلح في كتابه الفروع ما أبهر العلماء) .. وكل من عانى تحرير اختيارات ابن تيمية علم أن الناس فيها عالة على ابن مفلح، حتى أمثال ابن القيم والبعلي والمرداوي فضلاً عمن بعدهم.
المهم أن ابن مفلح هذا.. حين انتهى من عرض الاتجاهات وحصيلة الروايات عن أحمد، عقب –على غير عادته- بجملة أخلاقية واحدة استحوذت على كل أحاسيسي.. لله أبوه كيف استطاع أن يلخص كل هذه الفكرة الأخلاقية في جملة واحدة .. والله إنني منذ يومين أكتشف نفسي بين فينة وأخرى أهمس بعبارته طرباً بعبقريتها .. وأتمنى أن أجد أي شخص بجانبي لأعيد له شرح مشاعري تجاه هذه العبارة!
صحيح أن اللذائذ والأهواء عمومًا، ولذة النظر المحرم خصوصا، لا تحتاج إلى (معلومات) بقدر ما تحتاج إلى (شظية إيمانية) تسترد لك مراقبة الله.. لكن الوعي أحيانا بحقيقة وتفاهة اللذائذ المادية ذاتها.. وإدراك شيء من زيف ظاهرها الخلاب.. يمنحك قوة مضاعفة في مواجهة الفتنة..
وهذا هو سر الشيء المدهش في عبارة ابن مفلح.. فبدلا من أن يقدم موعظة خالصة.. عمد إلى تفتيت وهج الفتنة ذاتها.. حيث يقول ابن مفلح في عبارته المركزة:
(وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه).!
لا إله إلا الله.. والله العظيم لقد صدق .. كم من وجه خلاب للمارة .. لايراه من حل له إلا دون ذلك!
ولذلك.. اصرف بصرك وتأكد أن الموضوع أقل بكثير مما تتصور.. لكنها هالة البعيد والوهج الزائف لغير المقدور عليه..
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)
إبراهيم عمر السكران