Image title

د. علي بانافع

     آل البيت علم على آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أزواجه وذريته ومن تناسل على وجه الدقّة من علي وفاطمة وأولادهما (رضي الله عنهم) حتى تقوم الساعة ويُعبر عنهم بمصطلح (العِترة)، وهم في الواقع يمثلون طبقة اجتماعية عالية متميزة عن غيرهم -من الناس- نلاحظها في جميع البلاد العربية والإسلامية، وتُطلق على الفرد من هذه الطبقة ألقاب مختلفة ففي حضرموت واليمن والعراق يُطلق عليه لقب "السيد"، وفي مصر والمغرب لقب "الشريف"، أما في الحجاز فيُطلق على الحسني لقب "الشريف" وعلى الحسيني لقب "السيد"، وفي الحقيقة أنه لا فرق بين السيد والشريف كما أنه لا فرق -أيضاً- بين الآل والأهل، فالتفريق فلسفة لغويةٌ أو ترفٌ لغوي لا معنى له فالسيد والشريف والآل والأهل شيء واحد، الجدير بالذكر -في هذا المقام- أن بعض العلماء لم يعترفوا بهذا التمييز الطبقي لآل البيت، وحجتهم في ذلك أن الإسلام جاء لمحاربة الطبقات والتفاخر بالنسب، إذ ليس من المعقول أن تنشأ فيه طبقة جديدة محل الطبقات التي زالت؛ إذ ما قيمة أن يفتخر الإنسان بشيء لا يد له فيه؟! وهؤلاء العلماء يفسرون (آل محمد) بأن المقصود بهم أمة محمد لا عِترته ولهم في ذلك أدلّة كثيرة لا مجال هنا لذكرها، ولكن هذا الرأي لا يقول به إلاّ قلِّة من العلماء، أما الجمهور الغالب منهم فهم يرون خلافه ويروون في ذلك أحاديث نبوية كثيرة، وقد جمع هذه الأحاديث العالم الجليل ابن حجر الهيتمي المكي في كتابه: "الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة".

     القول بأنه لا يوجد في زماننا آل البيت وإنما كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشبه هذا القولُ قولَ أهل الرِّدْة حين امتنعوا عن أداء الزكاة بحجة أنهم كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما انتقل إلى الرفيق الأعلى انتهى وجوبُ أدائها كما أنه لا يضر كفرُ أو فِسقُ مَن كَفر منهم أو فَسَّقَ البقيةَ الطاهرةَ، ولا يُؤثر ما نشاهده ممن يدعي النِسبة إلى النسب الشريف كالشيعة الإثنا عشرية أو الجارودية أو الصفويين أو العبيدين على أولئك الصالحين الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع غيرهم من آل البيت سواء كانوا من الحَسنيين أو الحُسينيين، ويجب التفريق بين العلويين آل البيت والعلويين النُصَيِّريين الضالين القاطنين في سوريا وتركيا فهناك بَوْنٌ شاسع وفرق واسع بل لا مقارنة على الإطلاق أبداً إنما محض كذبٍ وإفتراءْ، والحقيقة في اتخاذ الفرس من دعوى حب آل البيت رضي الله عنهم -وهم منهم براء- آلة لبث لوث الشقاق والتفرقة بين العرب والمسلمين، والأغرب من ذلك أنهم رووا في حب آل البيت رضي الله عنهم من الأحاديث ما لو صح لوجب أن نقول أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبعثه الله تعالى رسولاً  إلى الناس ليدعوهم إلى الإيمان بالله وتوحيده، ولا ليهديهم إلى الصراط المستقيم، ولا ليخرجهم من الظلمات إلى النور، بل إنما أرسله ليدعو الناس إلى حب آل بيته حباً يتقدم على حب الله تعالى وطاعته وعبادته، والصحيح أن العقل السليم لا يتردد في الجزم بأن هذه الأحاديث مكذوبة أو موضوعة من قبل أُناس تحزبوا لآل البيت لأسباب قومية سياسية -خصوصاً من هؤلاء الفرس- وإنك لتعجب من هؤلاء في دروسهم يتكلمون عن عظمة آل البيت ورحمتهم وكرمهم وإحسانهم حتى للعدو، ويذمون مخالفيهم ويَسِمُونهم بالوحشية وقطع الرؤوس وأنهم عذبوا آل البيت؛ إذ ليس من العجيب أن ترى فارسياً يتمذهب بمذهب التشيُّع، ولكن  العجب كل العجب أن يتمذهب به من يدعي أنه عربي ولو بالاسم فقط؟! لأن بين التشيُّع وبين العروبة تناقضاً لا يخفى على أسخف العقول، فإن كان هذا الشيعي عربياً صريحاً كما يدعي فقد نسخه مذهب التشيُّع حتى صار بمنزلة الحيوان الأعجم الذي لا يُدرك ما هو فيه من حالة من أين تبتدىء وإلى أين تنتهي؟! وإن لم يكن عربياً وإنما ادعى العربية تقِّية منه لخوف أو لمكيدة فهو معذور لأن مذهب التشيُّع يوجب عليه التقِّية وإن كانت التقِّية بمعناها الحقيقي النفاق ..

     يا تُرى ما فعلوه ويفعلوه هؤلاء الفرس وغيرهم من العرب المتفرسين -اليوم- بالعراق ولبنان وسوريا واليمن من قتل وذبح وحرق وسحل وقطع للرؤوس وزرف للإجساد بالدريل، ثم انتقلوا لمرحلة أن ساعدوا مخالفيهم حتى في تفجير أماكنهم المقدسة وتفجير الحسينيات وقتل شيعتهم من أجل تبرير عمل ما؟! وإثارة فتنة ما؟! فهل هم يتقربون بأعمالهم لنصرة آل البيت بهذه الأفعال؟! وهل يرضى بأفعالهم أهل البيت؟!  لا والله وبالله وتالله.. فهم أقرب إلى وصف مخالفيهم -كما وصفوهم- الجواب منهم وليس منا (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة:14]، إما أن تكون معي وإلاّ فأنت ضدي منطقٌ مرفوضٌ، وإجبار الناس على رأي واحد ومذهب واحد -في غير القطعيات- مرفوض  -أيضاً- وحين نختلف في مسألة تبقى التَّجلَّة والاحترام بيننا ولا يَخْرُجُ أحدُنا عن الأجرين أو الأجر الواحد، ولا مجال للرأي مع وجود النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع الأمة، وليست المسألة انتقائية أو مزاجية أو محددة بزمن معين، والأحكام الشرعية القطعية لا تتغير بتغير الأزمنة أو الأمكنة أو السياسة.

     أما الأدلة فيقول سبحانه: (لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب:33]، ويقول (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) [الشورى:23]، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم في حديث (غدير خمّ) الطويل الصحيح: (... أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهـل بيتي)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يحبكم إلاّ مؤمن ولا يبغضكم إلا منافق)، وفي ذلك يقول الشاعر:

يا أهل بيت رسول الله حُبكم ::                           فرضٌ من الله في القرآنِ أنزله                          يكفيكم من عظـيم الفخر أنكم ::                             من لم يصل عليكم لا صلاة لـه 

    محبة آل البيت (رضي الله عنهم) وذكر مناقبهم والاستشهاد بما ثبت عنهم من أخبار وآثار ليس رفضاً ولا تشيعاً ولا مداهنة، ولا أُطيل وإنما أُحيل القارئ الكريم إلى  رسالة نادرة لشيخ الاسلام ابن تيمية بعنوان: (حقوق آل البيت بين السنة والبدعة) قام بنشرها الشيخ أبو تراب الظاهري والأستاذ عبد القادر عطا، وهناك رسالة للإمام الشوكاني في هذا الصدد مطبوعة بعنوان: (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي) حققه: مشهور حسن آل سلمان أبوعبيد، ومن الكتب المعاصرين كتاب: (فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة) للشيخ عبد المحسن حمد العباد البدر، وكتاب: (تنبيه الحصيف إلى خطأ التفريق بين السيد والشريف) للشريف إبراهيم منصور الهاشمي الأمير، وفي هذا ما يريح قلبَ ذي لُبٍّ وجد ضالتَه فوعَها، وهذه أبيات من قصيدة طويلة نظمها في حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخي العلامة الفهامة اللغوي المتبحر الشاعر على بن عبد القادر الشرفي أختم بها مقالتي هذه:

يا آلَ بيتِ محمـدٍ يا سادةَ الدْ ::     
دُنيا لأنتم في العلى ككواكبِ

{الْعَابدُونَ الْحَامدُونَ السّائِحُـو ::     
نَ الرَّاكِعّونَ السَّاجِدُونَ} (1) لواهبِ 

اللهُ طَهّرَكم وأذهبَ عنكمُ الرْ ::     
رِجسَ وجُودُكمُ كجودِ سحائبِ

كالغيثِ تُحْيُونَ القلوبَ بعلمِكمْ ::      
وبفضلكم  دعني انتقادَ الخائبِ

فعليكم من بعدِ جدِّكمُ  صلا ::
ةُ اللهِ ما قام العباد بواجـبِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (سورة التوبة: من الآية 112)